الملخص والتوصيات
في تلك اللحظة التي مثل فيها رئيس الجمهورية السابق محمد حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي ومعاونيه أمام العدالة، ظن الجميع أننا إزاء لحظة استثنائية في تاريخ القضاء المصري. إلا أن ما كشفته المحاكمة من سلبيات في منظومة العدالة ذاتها، وترهلها، وتدهور الكفاءة لدى أفرادها، ردتنا للحقيقة القاسية: وهي أن عملية إصلاح منظومة العدالة الجنائية قد تأخرت كثيرا، وأنه إن أردنا أن نعمل العدل فيمن ظلم وتجبر على الشعب، فلابد من ثورة تغيير حقيقية في أجهزة العدالة الجنائية.
على العكس مما فعل زين العابدين بن علي في تونس، تنحى مبارك في فبراير 2011 بعد ثمانية عشر يومًاً من اندلاع الثورة، ولم يعمد وذويه إلى الهرب. وبدا أن السر في ذلك هو اطمئنانه أنه لن يسأل عما فعل، وأنه محمي بصورة لن تحال معها أي من جرائمه للقضاء.
وقد ظل المخلوع لشهرين كاملين مقيماً في شرم الشيخ، على الرغم من تصاعد الغضب الشعبي المطالب بسرعة محاكمته. وبلغ الغضب الشعبي مداه عقب اذاعة خطاب صوتي له بثته قناة العربية في أبريل 2011، كرر فيه تبرئة نفسه على نحو ما قال في خطبه السابقة على التنحي. فكان أن خرجت الجماهير مطالبة بسرعة محاكمته. وأمام غضبة الجماهير العاتية، أسرعت النيابة العامة في إعلان بدء التحقيق معه، ثم صدر قرارها بإحالته للمحكمة الجنائية يوم 24 مايو 2011. وانتظرنا حتى الثالث من أغسطس لنراه خلف القضبان في المحكمة التي نصبت في أكاديمية الشرطة.
والمتابع المدقق سيلمس كيف اتسم عمل النيابة العامة بالقصور المهني الشديد، وكيف غلف أداءها التباطؤ غير المبرر، سواء في فتح التحقيق، أو في إحالة المتهمين، في وقت هرولت فيه على نحو غير مبرر أيضًاً في استيفاء أوجه التحقيق الواجبة مع من أحيلوا للمحاكمة، كما جرى منها تجاهل عدد ممن كشف التحقيق عن ضلوعهم في الجرائم.
كان تسيس عمل النيابة يصم الكثير من اجراءاتها ويبعدها عن العدالة، ومقتضيات استيفائها. وبه تقلصت مساحة الاتهام، بغية ألا تطال الاتهامات المؤسسات الأمنية، وتثبت عمق تورطها في الجريمة المشهودة بحق الثوار، وجرى الالتفاف على حقيقة تلك الشبكة من المسئولين المنخرطين في الممارسة المنهجية للقمع، لصالح إدانة نفر قليل من ساقطيهم لتهدئة الجماهير وامتصاص غضبهم.
ولم تبعد هيئة المحكمة عن النهج الحمائي ذاته، وكشفت تطورات المحاكمة مدى حرصها ألا تحول القضية لوجهة تحقيق العدل باسم الشعب، بحق نظام سقط رأسه، وأبقتها مجرد محاكمة محدودة لفرد منفلت، رئيسًاً كان أم وزيرًاً، أم معاونًاً. فقبلت ما ورد إليها من النيابة العامة من تكييف الاتهام على هذه الصورة، وبأمر إحالة لا يشير لفاعلين أصليين لجرائم قتل مروعة، وبما يجافي واقع الجرم، بحق شهداء الثورة وضحاياها.
كان الشعب يصبو لمحاكمة عادلة شاملة، تعوضه بالعدل عما تعرض له من قهر وغبن عبر عقود ثلاثة طالت تحت حكم المخلوع، بالاقتصاص ممن وصفتهم المحكمة نفسها بأن مبارك قد: "أحكم قبضته عليهم، فارتكبوا عظائم الإثم والطغيان والفساد دون حسيب أو رقيب".
وكان من المؤسف أن المحكمة لم تقم بنفسها باستكمال هذا الدور المنقوص، رغم ما لديها من رخصة هذا، وما بيدها من سلطة. وكان من المؤسف أيضا أن نرى كيف أهدرت أدلة وشهادات معتبرة، بذريعة أن من حق المحكمة تكوين عقيدتها صوب القضية وفق الصورة التي تراها. وكان طبيعيًّاً مع كل هذا القصور أن تخرج أحكامها بمقاس قد قدر سلفًاً.
في صبيحة الثاني من يونيو 2012، أصدرت المحكمة حكمها بإدانة حسني مبارك وحبيب العادلي بالسجن المؤبد، في جرائم القتل والشروع في القتل. وبرأت منها مساعدي العادلي. كذلك برأت وزير الداخلية السابق ومعاونيه من الاتهام بالإتلاف العمدي للمال العام، كما قضت بانقضاء الدعوى الجنائية ضد مبارك ونجليه وحسين سالم في جنايتي استعمال النفوذ وتقديم الرشوة، لمضي المدة المسموح خلالها اقامة الدعوى الجنائية! كما برأت مبارك من تهمة استغلال النفوذ في قضية تصدير الغاز.
بينت المحكمة في حيثيات الإدانة "أن مبارك والعادلي قد اشتركا مع "مجهولين" عن طريق المساعدة، في ارتكاب جرائم قتل المتظاهرين عمداً". لكن الغريب أن هذه الإدانة لم تستند إلا لحجة قانونية منبتة الصلة بما حملته أوراق القضية، وما أشارت إليه الشهادات ودللت عليه الأحراز. أدين مبارك والعادلي بحجة امتناعهما عمدًاً عن الإتيان بفعل إيجابي تفرضه عليهما المسئولية الوظيفية والدستورية، في وقت كان بوسعهما أن يأتيا هذه الأفعال الإيجابية لمنع حدوث النتيجة التي أراداها من قتل متظاهرين، وإصابة غيرهم، فتحققت – بقول المحكمة - في حقهما المسئولية الجنائية عما وقع من جرائم القتل العمد والإصابات موضوع الدعوى. وهي حجة نراها سياسية بأكثر من كونها قانونية، في الوقت الذي حملت فيه أوراق الدعوى ما يكفي من يقين الإدانة، وما يكفي في الوقت ذاته أن نمد خط العدالة ليصل للمؤسسات وتطول من يختفي بداخلها من سدنة القهر.
استندت المحكمة في حكمها بتبرئة مساعدي العادلي إلى "خلو أوراق الدعوى والمضبوطات من أية أدلة تطمئن إليها المحكمة، تثبت أن الفاعلين الأصليين هم من ضباط وأفراد الشرطة" بحسب قولها. ولم تطمئن لما ورد في أقوال أكثر من 1300 شاهد اثبات استجوبوا وظهرت شهاداتهم في أمر الإحالة، ولم ترى فيه الدليل على قيام رجال الشرطة بقتل المتظاهرين والشروع في قتلهم. لقد رأت المحكمة أن هذه الإفادات والشهادات جميعها قد وقع الإدلاء بها في ظروف غير طبيعية، أحاط بها غرض "الكيل والعدوان" لجهاز الشرطة وحده!
كما تجاهلت المحكمة بوضوح تلك الأدلة الدامغة في ملف القضية، ومنها أقوال شهود الإثبات، علاوة على كم هائل من التقارير الطبية، والأحراز المادية التي تحوي أسلحة وذخائر حية، وكذلك سجلات حركة الأسلحة والذخيرة لقطاعات الأمن المركزي التي شاركت في عمليات القمع، وما قُدم للنيابة العامة من المقاطع الفيلمية المصورة التي قدمها المجنى عليهم وذويهم والمواطنون. هذا بالإضافة لغضها الطرف عما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق الأولى برئاسة المستشار عادل قورة عن أحداث ثورة 25 يناير2011، وجميعها تشير بوضوح لتورط رجال الشرطة في قتل المتظاهرين.
التفتت المحكمة عن كل هذه الأدلة والشهادات ممن عاينوا وأصيبوا وتضرروا، في الوقت الذي أخذت بأقوال الشهود الرسميين وحدهم، ممن طُلب سماعهم، وهم عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات السابق ونائب الرئيس السابق مبارك قبل تنحيه عن الحكم، ومنصور العيسوي، ومحمود وجدي، وزيرا الداخلية السابقين وهما من توليا الوزارة بالتوالي بعد تنحي مبارك عن الحكم، وكذلك المشير طنطاوي، وزير الدفاع أثناء حكم مبارك والذي خلفه في حكم البلاد كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكان أن تبنت المحكمة قول بعضهم بوجود "طرف ثالث" مجهول هو المسئول عن قتل المتظاهرين. خصوصاً عمر سليمان، الذي أفاد بأنه قد أبلغ مبارك عن وجود بعض العناصر الأجنبية والإجرامية التي قامت بتهريب الأسلحة قبل اندلاع المظاهرات، وتواجدت بين المتظاهرين. وكذلك بأقوال لطنطاوي تفيد ترجيحه لكلام عمر سليمان وبأنه قال لمبارك أنه يرجح أن من يقوم بذلك عناصر خارجية.
كان تعليل المحكمة لبراءة معاوني العادلي بحجة غياب أي دليل في الأوراق التي وصلتها مدعاة للتساؤل: فإن كانت هذه هي حجتها، فلماذا لم تستجب لطلبات راكمها أمامها دفاع الضحايا، رجاها فيها أن تعيد الأوراق إلى النيابة[1]، لتحقق مع خصوم تم تحديدهم، وتم توضيح أنه بإمكانهم المساعدة في الوصول للفاعلين الأصليين! ولم تطلب المحكمة من النيابة استكمال الأوراق، لكي يمكن لها استيفاء موجبات العدالة فلا تسمح بإفلات مجرمين من العقاب. لم تنبه المحكمة إلى أن الأمر شأنه قصور في عمل النيابة وليس بسبب استحالة الوصول للفاعلين.
كان السبب وراء الحكم الهزيل هو أن هذه المحاكمة قد مرت عبر قنوات الأجهزة الأمنية. وهي ذاتها التي صممت لحماية نظام مبارك، وبقيت – حتى بعد تنحي المخلوع - دون أن ينالها أي تغيير، سواء في الأفراد أو في هياكلها وتنظيمها أو أطرها التشريعية. كما بقيت النيابة العامة يحوط عملها التسييس، وتدار دون استقلالية حقيقية تقصر عمل عضو النيابة على سلطة الاتهام وحدها، وعند شروعه في التحقيق، يتبع رؤساءه دون تحرره من سيطرتهم، رغم كونها سلطة مستقلة خولها إياه القانون. هذا علاوة على افتقار النيابة لخبرة جمع الاستدلالات، وتركها الأمر لجهاز الشرطة.
جاء طعن المتهمين المدانين على الشق المتعلق بإدانتهما، كذلك طعنت النيابة العامة على أحكام البراءة وانقضاء الدعوى الجنائية. وقد نظرت الطعون محكمة النقض بدء من يوم 23 ديسمبر 2012، وصدر الحكم يوم 13 يناير 2013 بقبول جميع الطعون المقدمة إلى المحكمة وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
عن التقرير
كتب هذا التقرير بناء على تحليل مفصل لملف القضية، بالإضافة إلى حضور الأستاذة هدى نصر الله المحامية بالمبادرة المصرية لجميع جلسات المحاكمة باعتبارها أحد أعضاء هيئة الدفاع عن الضحايا.
ويحتوي هذا التقرير تحليلا قانونياً لمحاكمة مبارك. يركز في جزئه الأول إلى أداء النيابة العامة خلال التحقيقات، ويرصد مسألة التأخر في بدئها، وذلك التراخي عن فتح التحقيق مع الرئيس المخلوع. كما يرصد التقرير تقاعس النيابة العامة عن تحديد الفاعلين الأصليين، واكتفائها بتوجيه الاتهام للمخلوع ووزير الداخلية وستٍ من مساعديه، وعدم استيفائها التحقيقات. وكيف قصرت النيابة العامة وقائع الاتهام لمجرد قتل وإصابة لمتظاهرين خلال الأيام بين 25 و 31 يناير فقط، في الشوارع والميادين التي شهدت التظاهرات مع استثناء من قتلوا في غير هذه الأماكن كأقسام الشرطة.
ثم يتطرق التقرير إلى الأدلة، وكيف التفتت المحكمة عن أقوال أكثر من 1300 شاهد إثبات جمعتها النيابة، وأنها قد حكمت بناء على أقوال أربعة من الشهود طلبت السماع إليهم. ويبين كيف تم التعامل مع الأحراز بصورة تعكس ضعف خبرة النيابة العامة في الإمساك بالأدلة. وكذلك مسألة التفات المحكمة عن تقارير لجنة تقصي الحقائق.
أما الجزء الثالث فيفصل سير المحاكمة، ويبين واقعة تجاهل المحكمة طلبات هيئة الدفاع عن الضحايا بفصل اتهام قتل المتظاهرين عن الاتهامات المتعلقة بالفساد، ومسألة رفض الطلب بإعادة الأوراق إلى النيابة العامة لإدخال الفاعلين الاصليين كخصوم جدد في الدعوى، وكذلك منع هيئة الدفاع عن الضحايا من توجيه أسئلة للمشير طنطاوي.
وأفرد التقرير لضمانات المحاكمة العادلة، بما تشمله من حقوق للمتهمين والضحايا ومبدأ حماية الشهود، وعلانية المحاكمة.
واختتم التقرير بإيراد نص الحكم وحيثياته، وأسباب النقض
التوصيات
توصي المبادرة المصرية الدائرة القضائية التي ستحال إليها الدعوى من جديد بالاستجابة لطلبات هيئة الدفاع عن الضحايا بإعادة أوراق القضية للنيابة العامة تطبيقا للمادة 11 من قانون الاجراءات الجنائية، بحيث يتم استكمال الأدلة وادخال متهمين جدد متهمين كفاعلين أصليين.
كما توصي بالتعامل بدقة وحيطة مع الأحراز، وتأخذ بعين الاعتبار نتائج عمل لجان تقصي الحقائق المختلفة التي حققت في أحداث ثورة يناير، وبالأخص تلك اللجنة المشكلة من قبل الرئيس محمد مرسي بعد توليه الحكم في شهر يوليو 2012. هذا وتؤكد المبادرة المصرية على ضرورة أن تحاط المحاكمة بضمانات المحاكمة العادلة، والمتفق عليها دوليا، بما في ذلك علانية المحاكمة، والحق في الدفاع، وحماية الشهود، وتعويض الضحايا.
كما توصي المبادرة المصرية إذا لم توضح نتائج لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس مرسي ذلك، بأن تكلف لجنة تحقيق مستقلة أخرى بتحديد الأعداد والأسماء لمن قتلوا أو أصيبوا في أحداث الثورة وتحديد ملابسات قتلهم وإصابتهم.
وتوصي المبادرة المصرية مجلس النواب فور انتخابه بدراسة التعديلات المطلوبة لضمان الاستقلال الحقيقي للقضاء والنيابة العامة. وثمة طروحات مهمة في هذا الشأن تتعلق بتعديل قانون السلطة القضائية، بعضها يتعلق بمسائل تعيين أعضاء النيابة. كذلك ثمة ضرورة للنظر في تعديل قانون الاجراءات الجنائية للفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق.
أيضًا نوصي بإقرار آليات جديدة للتحقيق في القضايا التي يوجه فيها الاتهام لجهة أمنية تفرض ضمانات خاصة، منها أن الجهة محل الاتهام لا تقوم بإجراء التحريات أو جمع الأدلة بنفسها، لما في ذلك من تضارب للمصالح وتناقض مع كونها متهمة. وفي هذا يمكن إنشاء آلية مستقلة عن الأجهزة التنفيذية تقوم بالتحقيق في جميع حالات الوفيات أو الإصابة البالغة على يد رجال شرطة، لتحديد مدى قانونية استخدام العنف، وتعاون النيابة العامة في حال وجود تحقيق جنائي في الواقعة.
النيابة العامة: فرص ضائعة، وتقاعس عن تحديد الفاعلين الأصليين
التلكؤ في بدء التحقيقات
بدأت أحداث القضية مع نهار يوم الثورة، ومع أول مواجهاتها. فمن يوم 25 يناير 2011 وما تلاه من أيام استمر وقوع المصابين وسقوط الشهداء. وتقدم العديد من الأفراد ببلاغات عن أحداث تعرضوا لها، أو تعرض لها ذووهم. وهناك من عرض علانية وقائع شاهدها شهود عيان، ومن سرد ما نمى إلى علمه من انتهاكات وجرائم. ورغم كل ذلك لم يبدأ التحقيق في الأمر إلا بعد صدور قرار النائب العام في 16 فبراير 2011 بمباشرة التحقيقات ومتابعتها، أي بعد تنحي الرئيس المخلوع بخمسة أيام[2]. وهو ما يؤخذ على النيابة العامة وكان عليها أن تبدأ التحقيقات منذ اليوم الأول للوقائع.
وفي حين تقاعست النيابة العامة عن التحقيق الخاص بقتل وإصابة المتظاهرين، كانت تعاون بكل الهمة أجهزة الشرطة التي وسعت نطاق القبض على المتظاهرين يومي 25 يناير، و26 يناير 2011. فقامت النيابة العامة بتوجيه الاتهامات المعتادة للمقبوض عليهم من المتظاهرين، من اتهام بالتجمهر والتظاهر وتعريض الأمن العام للخطر.
وعندما كلفت بالعمل على توجيه الاتهام للعادلي، في القضية رقم 1227 لسنة 2011 جنايات قصر النيل، للاشتراك في قتل المتظاهرين، والشروع في قتلهم عن طريق تحريض قوات الشرطة وإمدادها بالأسلحة، كان عملها مفصحًا عن نيتها في الاكتفاء بمساءلة العادلي ومساعديه، دون مساءلة مبارك. وهو ما أثار الشكوك حول دورها. ولم يجئ قرارها ببدء التحقيق مع مبارك إلا نتيجة لضغط شعبي واسع عبر مظاهرات ومليونيه أطلق عليها جمعة المحاكمة والتطهير يوم 8 أبريل 2011، تلاه الخطاب الصوتي المسجل لمبارك الذي أذيع على قناة العربية يوم 10 أبريل2011، وهو ما أدى إلى إعلان النائب العام عن قراره ببدء التحقيق مع مبارك في اليوم ذاته.
عادت النيابة العامة مرة أخرى لتفتح التحقيق مع مبارك وتنسب له الاتهام ذاته في القضية رقم 3642 لسنة 2011 جنايات قصر النيل لقيامه بالاتفاق مع حبيب العادلي على قتل المتظاهرين.
ومن بين ما يدلل على تعمد النيابة العامة التأخر في التحقيقات، وعدم إعطائها الأولوية التي تعكس حجم اهتمام الرأي العام بالقضية، أنها لم تبدأ عملها في التحقيق مع مبارك في قضية تصدير الغاز لإسرائيل في الوقت ذاته الذي بدأت فيه التحقيق مع سامح فهمي، وزير البترول السابق، والمتهم في القضية. وإن تعللت في ذلك بحجة واهية هي عدم توافر دليل على تورط مبارك قبل سماع أقوال عمر سليمان، توجه بموجبه الاتهام.
وهذا التلكؤ من بين ما يشكك في حرص النيابة العامة على العدالة، وربما يجعل عملها ومدى كفاءتها وقدرتها بوصفها جهة تحقيق، محلاً للشك الكبير.
التقاعس عن تحديد الفاعلين الأصليين، وعدم استيفاء التحقيقات
عندما وضعت تحت سيف المطالبة الشعبية الغاضبة، سارعت النيابة العامة بإجراء التحقيقات وإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية في وقت قياسي، إرضاءً للرأي العام. وصدر القرار بمباشرة التحقيقات مع العادلي ومعاونيه في 16 فبراير 2011، وانتهت النيابة من التحقيقات في 23 مارس 2011، وأحالت القضية إلى المحكمة الجنائية.
وبعد مليونية هزت الدولة، بدأت النيابة التحقيق مع مبارك ونجليه في 12 أبريل 2011. وكان مستغربًاً أنها قد انتهت من تحقيقاتها وأحالت الدعوى للمحكمة الجنائية في 24 مايو 2011. وهو ما حدا بكثير من القانونيين إلى القول بأن هذا التلكؤ في بدء التحقيقات، ونقيضه من تسرع وعدم تدقيق حال إجرائها، دلائل على قصور في عمل النيابة، شوه أعمال التحقيق، ولون أمر الإحالة بشبهة اللبس والغموض، كما همش أمورًاً جوهرية لدعم العدالة. ومن ثم كان طبيعيًّاً أن يترتب على هذا القصور براءة أغلب المتهمين.
ومن عناصر النقد الموضوعي لعمل النيابة العامة، أنها لم توجه الاتهام في هذه القضية إلى أي من رجال الشرطة. صحيح أن الوصول إلى كافة الفاعلين الأصليين أمر صعب، إلا أن قعود النيابة العامة عن بذل جهود عادية من شأنها تيسير الوصول إلى متهمين قد يكونوا فاعلين أصليين من بينهم هو أمر غير مقبول.
ولعله من نافلة القول أن نؤكد أن الوصول إلى الفاعلين الأصليين من خلال العمل البحثي على ما قامت النيابة بتحريزه من أدلة وتوافر تحت يديها، خصوصًاً فوارغ الطلقات، كان ليمكن من تحديد السلاح مُطلِق هذه الطلقات، وتعيين الفاعل الذي استخدمه. كانت هناك عدة بنادق محرزة تحت يد النيابة، وبالرجوع إلى دفاتر التحركات والأسلحة، كان من اليسير الوصول لحائز السلاح خصوصا الأسلحة المششخنة.
لكن بدت النيابة العامة غير حريصة على فحص وتمحيص الأدلة بالشكل الكافي، ولم تراع النواحي الفنية ولم تجر الفحوص المعملية، أو تستعين بذوي الخبرة، والميسر لديها طلب معاونتهم. وهو ما ترتب عليه إهدار عدد من الأدلة.
ولعل أحد الأمثلة الصارخة على ضعف التعامل مع الأدلة، هو ما جرى مع تسجيلات غرفة عمليات الأمن المركزي. وهو ما سنورده بالتفصيل عند مناقشة الأحراز في القسم التالي.
وغاية تبرير النيابة العامة لقصورها في التحقيقات، كان القول بأن مؤسسات الدولة لم تقدم لها يد العون، وتمدها بالأدلة. وهو قول غريب ومردود عليه، خصوصًا أنها هي من قامت بجمع الاستدلالات، حيث لا يمكن الاستناد إلى جهاز الشرطة، فهو بصورة ما المتهم، ولم يكن منطقيًّا أن تمنحه النيابة هذه الثقة في جمع أدلة ضد نفسه، والنيابة لم تتخذ أي إجراء ضد هذه المؤسسات، ولا أفرادها المتقاعسين عن مدها بالدليل، رغم ما لها من سلطة في عمل ذلك.
لقد استمعت النيابة العامة إلى أقوال قيادات الشرطة بوصفهم شهودًا فقط، ولم توجه اتهامات ضد الضباط المشاركين في الأحداث، ولم تبذل جهدها الطبيعي للبحث عن حقيقة دورهم فيها. كل هذا حدا بدفاع المتهمين أن يوجه للنيابة العامة انتقادًاً لاذعًاً اتهمها بأنها لم تتوخ وجه الحقيقة بل سعت فقط لإدانة شكلية للعادلي ومعاونيه، دون النظر في باقي منظومة جهاز الشرطة[3].
وقد اعترفت النيابة العامة في مرافعتها ببعض أوجه القصور، وقدمت مبررات لضعف التحقيق وما قدم من أدلة. وبالطبع أمسك دفاع المتهمين بهذا الاعتراف، لتعضيد مطالبته ببراءتهم بحجة ضعف أدلة الإدانة والشك في صحتها.
تضييق الوقائع محل الاتهام
كان غريبًاً في هذه القضية أن تقتصر الوقائع محل التحقيق على تلك الوقائع التي جرت في الشوارع والميادين في الفترة ما بين 25 و 31 يناير 2011 ونتج عنها وفقًا لبيان النيابة العامة 225 قتيلا و1368 مصابًا. واستبعد تمامًاً من التحقيقات في هاتين القضيتين عمليات القتل فيما بعد 31 يناير. واستبعد تمامًاً وقائع قتل المتظاهرين الشهيرة بميدان التحرير ووسط البلد والمعروفة إعلاميًّا بموقعة الجمل، والتي وقعت يوم الثاني من فبراير 2011، وجرى إحالتها لدائرة أخرى بقضية منفصلة.
وكان تبرير النيابة لذلك أن تغييرًاً وزاريًّاً جرى في الأول من فبراير استبعد العادلي، الذي أصبح باستبعاده غير مسئول عن مهام وزير الداخلية.
كذلك قامت النيابة العامة بفصل قضايا قتل المتظاهرين في الميادين والشوارع العامة، عن قضايا قتل المتظاهرين أمام مقار أقسام الشرطة في الفترة 25 – 31 يناير 2011، معللة ذلك بأن الموقف القانوني لرجال الشرطة والمتظاهرين في هذين الحالين مختلف.
وبالتالي تقلصت القضية على نحو كبير بحيث صارت عاجزة عن الإحاطة بحقيقة ما جرى خلال الأيام الثمانية عشر للثورة، ولماذا قتل وأصيب كل هذا العدد، بين لحظة انطلاقها وتنحي المخلوع. ومن هو المتسبب فيه؟
كذلك قدمت النيابة العامة مبارك للمحاكمة لكونه شريكًاً في قتل المتظاهرين، وكذلك باتهام يتعلق بدوره في تصدير الغاز لإسرائيل الذي انطوى على ممارسة للفساد، واتهام بتلقيه الرشاوي من حسين سالم هو ونجليه في مقابل استغلال النفوذ، وقصر الأمر على هذه الاتهامات دون سواها، جعل الأمر يبدو وكأن النيابة تقول أن مبارك لم يفعل جرائم سواها خلال 30 عاماً قضاها في الحكم.
ليس هناك مبرر واضح لنزوع النيابة العامة لجمع هذه الاتهامات المختلفة ضد مبارك ونجليه في قضية واحدة رغم اختلاف الموضوعات وتباعدها بعضها عن بعض. وقد طالب دفاع الضحايا فصل ما يخص الاتهامات بقتل المتظاهرين وضمها لقضية قتل المتظاهرين المرفوعة ضد العادلي ورجاله، وفصل الاتهامات ضد مبارك فيما يتعلق بتصدير الغاز واستغلال نفوذه والإضرار بالمال العام إلى القضية المرفوعة ضد سامح فهمي وزير البترول السابق المتعلق بالوقائع نفسها، ونظر ما يخص موضوع الرشوة في قضية وحدها.
كان هذا التقليص في موضوع قتل المتظاهرين وإصابتهم واستبعاد النيابة لجرائم متعلقة ومشابهة والاقتصار على وقائع جرت عبر بضعة أيام في بداية الثورة دون غيرها، يتناقض مع تحميل القضية باتهامات بعيدة، كواقعة رشوة، هي واحدة بين آلاف من وقائع الفساد التي ميزت عصر المخلوع، وإهدارًا لفرصة إجراء تحقيق جدي، شامل في الجرائم التي ارتكبت في أثناء ثورة يناير.
ويبدو أن موقف النيابة العامة من إحالة كافة الاتهامات ضد مبارك في قضية واحدة، قد حكمته أسباب أخرى تبعد عن منطق القانون. ربما بسبب الرغبة في توفير تأمين محكم للمحاكمة، في مكان واحد، وبما يوفر الجهود الأمنية[4]. وربما حكمت رغبة النيابة في وضع كل الاتهامات في قضية واحدة الموضوع، اتقاء لغضب الرأي العام، فباحتمال إدانة مبارك في واحدة أو أكثر من الاتهامات وبرئ في أخرى، فإن تلك الإدانة من شأنها أن تمتص غضب الشارع المعبأ ضد المخلوع، ويأمل في رؤيته مدانًاً. على خلاف ذلك لو تم فصل الاتهامات في قضايا متباعدة، فسيكون حكم البراءة أكثر بروزًا بما يثير موجة غضب جديدة.
أليس من المنطقي وفق هذا القصور أن نقول بأن النيابة العامة، وبسبب من نظرتها القاصرة، وضعف جهودها، وغياب المهنية عنها، قد وضعت أعمالها محلاً للانتقاد، وبات من المنطقي السؤال عن جدوى دورها بوصفها محامي المجتمع، وممثله في تحقيق العدالة.
القصور في توجيه الاتهام
الجرائم المنسوبة إلى المتهمين بأمر الإحالة في القضية رقم 1227 لسنة 2011 جنايات قصر النيل (ملحق 2)، لم تكن محل نقد فيما يخص العادلي ومساعديه الأربعة - رئيس قوات الأمن المركزي ومدير مصلحة الأمن العام ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة ومدير أمن القاهرة - وإنما كانت محل نقد من وجهة نظر دفاع الضحايا فيما يخص كلاً من مدير أمن محافظة الجيزة ومدير أمن محافظة 6 أكتوبر[5] الذين لم يجر حبسهما احتياطيا، وبقيا ساعتها في وظائف قيادية بوزارة الداخلية. جرى تجنب توجيه اتهام لهما بالاشتراك في قتل المتظاهرين والاقتصار على اتهام بالإضرار بالمال العام. ذلك على الرغم من كونهما من قيادات الأمن الذين حضروا الاجتماع الأخير قبل 28 يناير 2011 مع وزير الداخلية والمتهمين الآخرين.
وحجة النيابة العامة مؤداها أن محافظتي 6 أكتوبر والجيزة لم تشهدا أي أحداث قتل متظاهرين في الميادين والشوارع العامة. إنما جرت وقائع ترتبت على محاولات لاقتحام مقار بعض الأقسام. وهو ما اعتبرته ينفي عنهما تهمة التحريض على قتل الثوار.
وبالطبع تمسك محامو المتهمين الآخرين من مساعدي العادلي بهذه الحجة التي ساقتها النيابة نفسها، لدفع الاتهامات عن موكليهم بقتل المتظاهرين. على اعتبار أن النيابة هي التي تقول، ومنطقها يؤكد، أن حضور الاجتماع مع العادلي وكافة المتهمين ليس بقرينة على تورطهم في التخطيط لقتل المتظاهرين، أو التحريض ضدهم.
هذا الاجتماع وحضوره، هو أحد أهم الأدلة على اتفاق العادلي ومعاونيه، اعتدت به النيابة العامة في حق البعض، وأهدرته بحق آخرين.
كما وجهت النيابة اتهامًاً للعادلي ومعاونيه فيما عدا أحمد رمزي، بالإضرار بالمال العام، نتيجة إهمالهم في عملهم، مقررة أن منهم من أخطأ فيما جمعه من معلومات، وأن الآخرين قد استخدموا القوات لمواجهة المتظاهرين والتصدي لهم، دون تأمين المنشآت والممتلكات. وقرار العادلي بقطع الاتصالات، ترتب عليه بث الذعر، وإشاعة الفوضى.
الأدلة: عين مغمضة عن الحقيقة
شهادات شهود الإثبات
في قضية قتل المتظاهرين في الشوارع والميادين المتهم فيها مبارك والعادلي وبعض مساعديه مثلت شهادة الشهود أحد أهم أدلة الإدانة. ووفق ما سجلت النيابة بقائمة أدلة الثبوت، تقدم بإفادته للنيابة أكثر من 1300 شاهد إثبات الوقائْع التي جرت بالعاصمة وعدد من المحافظات، ومنهم رجال شرطة ومصابون وأهالي الشهداء ومواطنون كانوا حضورًاً في أثناء الوقائع، وكذلك الأطباء ممن تواجدوا وقت الأحداث بمسرح الجريمة، تؤكد قيام رجال الشرطة بقتل وإصابة المتظاهرين السلميين عن عمد، وباستخدام أسلحة نارية.
وقامت المحكمة بسماع أقوال الشهود التسعة الأول[6] الواردين بقائمة أدلة الثبوت[7].
وكان من الملاحظ أن إيراد النيابة لأسماء بعض من قيادات الشرطة مثل كبار القادة بالأمن المركزي، أو أمن الدولة أو الأمن العام، أو مأموري الأقسام كشهود قد قوبل باستنكار وسخط ممثلي الضحايا والمهتمين بالقضية. فوفقًا لمواقعهم القيادية بجهاز الشرطة، رأوا أنه من الواجب على النيابة العامة أن تدرجهم كمتهمين في القضية وليس كشهود. فالشهود من المنتمين لجهاز الشرطة كان من مصلحتهم نفي التهم عن المتهمين خشية أن تكون إدانة هؤلاء المتهمين سببًاً لإدانتهم هم أنفسهم.
والتفتت المحكمة عن سماع أيًّا من الشهود الآخرين الواردة أسماؤهم بقائمة أدلة الثبوت من شهود العيان أو أهالي الضحايا أو الأطباء الذين قاموا بمعالجتهم، رغم أن ما ورد بأقوالهم وخصوصًا شهود العيان كاف وبوضوح لإدانة رجال الشرطة المتورطين في الجريمة وقالت النيابة أنها لم تستدل عليهم. بالاضافة إلى أنها لم تلتفت لشهادة بعض رجال الشرطة المنتدبين من أمن المواني عن قيام قيادات من الشرطة بجلب خارجين على القانون وتحريضهم لهؤلاء للفتك بالمتظاهرين.
بالإضافة إلى أن البعض ممن اعتبرتهم النيابة شهود إثبات – قد تراجعوا عن أقوالهم التي أدلوا بها أمام النيابة العامة[8]. وكانت فرصة لدفاع المتهمين أن شككوا في مجمل شهاداتهم. وقد قرر المستشار أحمد رفعت عدة مرات أن شهاداتهم سماعية وليست شهادة عيان، ومن المعروف أن شهادة السمع أضعف من شهادة العيان، وأنه للمحكمة أن تأخذ من شهاداتهم ما تراه وأن تلتفت عن البعض الآخر. وفي النهاية أوضحت حيثيات الحكم كيف أن المحكمة قد أهدرت كل الشهادات التي أتت بها النيابة العامة، ولم تثق بها.
سماع شهود من قيادات الدولة
قررت المحكمة، سماع بعض الشهود من قيادات الدولة، ممن لم يتم سماع أقوالهم أمام النيابة العامة، للإفادة أمامها بحكم مناصبهم، ولأهمية ما قد يدلوا به من أقوال تتعلق بتسيير مرفق من مرافق الدولة أو مصالح الدولة العليا.
وقررت المحكمة فرض السرية على سماع شهاداتهم، وقصرت الحضور على هيئتي دفاع المتهمين والضحايا.
وبالفعل حددت المحكمة جلسات لسماع أقوال كل من المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينها، والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب، واللواء منصور العيسوي وزير الداخلية في ذلك الحين، ومحمود وجدي وزير الداخلية الأسبق واللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات سابقا ونائب الرئيس المخلوع.
وكان أول شاهد يتم سماع أقواله من بين هؤلاء الشهود، هو اللواء عمر سليمان. وكان واضحًا من طريقة إجابته أنه رجل مخابرات يعلم الكثير ولا يود البوح إلا بالقليل. مما اضطر المحكمة لتوجيه السؤال بعدة صيغ حتى حصلت منه على إجابة تفيد علم الرئيس المخلوع بما وقع بحق المتظاهرين من جرائم قتل وإصابة.
كانت أقواله تنفي أي تقصير من جانب جهاز المخابرات العامة، لأن دوره هو تجميع المعلومات السياسية الاقتصادية العسكرية عن الخارج بما يمكن القيادة السياسية من اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، أما فيما يتعلق بالداخل فإن هناك هيئة ضمن تشكيل الجهاز تتعاون مع باقي الأجهزة الأمنية في المعلومات، لكن الجهاز له ثلاث مهام رئيسية: حماية الأجانب في الداخل – مقاومة الجاسوسية – الحفاظ على سرية المعلومات. وأعاد ما كان يكرره في الإعلام في أثناء الأحداث عن وجود طرف ثالث محرض وفاعل، وحمل الثوار لأجندات أجنبية، وأن بدو سينا هم من ساعدوا عناصر حزب الله وحماس في الدخول للأراضي المصرية. وهو ما كان سببًا في طرح أسئلة من النيابة العامة ودفاع الضحايا، عن الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية لدى علمها بالأمر، وما خططت له لمنع وقوع أحداث يناير 2011، وكان رد سليمان أن قوات حرس الحدود والشرطة لم تستطيع السيطرة على البدو لكثرة عددهم، كما قرر أن مهمة المخابرات العامة جمع المعلومات وليس اتخاذ إجراءات.
واعتبرت النيابة العامة سليمان شاهد إثبات فيما يخص اتهام مبارك في قضية تصدير الغاز عندما قامت بسماع أقواله، لكن المحكمة اعتبرت شهادته من أسانيد المحكمة لتبرئة مبارك من هذا الاتهام.
الثاني كان اللواء منصور العيسوي الذي شغل منصب وزير الداخلية وقت سماع شهادته رغم أن العديد من المتابعين لسير المحاكمة تعجبوا من استدعاء العيسوي لسماع شهادته لكونه لم يكن في الخدمة بجهاز الشرطة وقت الأحداث، ولكن واقع الأمر أن القاضي أراد من شهادة العيسوي قياس فعل المتهمين على ما يجب فعله في المعتاد، ليتبين له جرمهم من حسن نيتهم. وعمدت المحكمة لسماع شهادته بوصفه خبيرًاً (بحكم موقعه الوزاري وقت الشهادة) في كيفية إدارة المهام الشرطية وما يجب اتخاذه من قرارات إذا ما وقعت أحداث مثل التي حدثت في يناير 2011.
وفي الشهادة جرى التعرف منه على تشكيلات الأمن المركزي ودورها هي وغيرها من الإدارات الشرطية، وعن حقيقة وجود فرق وأفراد قناصة داخل جهاز الشرطة، وعن كيفية تسليح قوات الشرطة. وهي شهادة يتبين للقاضي منها ما كان على العادلي ومعاونيه فعله لمواجهة التظاهرات، وهل كان قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم عن عمد ونية مبيته، أما أن رجال الشرطة قد تصرفوا وفق التعليمات، وبناء على ما نظمه القانون من إجراءات. وبيان هل كانت الجرائم نتاج لأخطاء فردية، أم أنها جاءت تنفيذًاً للوائح وقوانين وقرارات بعينها. وهل قرار المعالجة الأمنية للموقف في حد ذاته كان هو السبب في الجرم؟
كان السؤال المحوري عما إذا كان لوزير الداخلية أن يتخذ قرارًاً يأمر رجاله بإطلاق النيران ضد المتظاهرين دون الرجوع لرئيس الجمهورية أم لا. وهل يملك رئيس الجمهورية إصدار أوامر بإطلاق النيران ضد المتظاهرين أم لا؟ وقد نفى العيسوي إمكانية إصدار قرار بإطلاق النيران من قبل وزير الداخلية دون الرجوع إلى رئيس الجمهورية إلا في حالة الدفاع عن النفس.
السؤال الآخر ذو الأهمية، دار حول الحل الذى توجب تبنيه لمواجهة الأحداث والمظاهرات العارمة، والحيلولة دون وقوع ضحايا، أو انفلات أمني؟ وكان رأيه أن الحل قرار سياسي للحيلولة دون اللجوء للمعالجة الأمنية.
وللسبب ذاته، استدعت المحكمة اللواء محمود وجدي لسماع شهادته. وهو الذي شغل منصب وزير الداخلية بعد العادلي مباشرة. كانت هناك بعض الأسئلة له عما إذا كان قد توصل لبعض الحقائق أو المعلومات عما حدث بالفعل داخل جهاز الشرطة في الفترة من 25 – 31 يناير 2011، وهل وقعت تحت يده أوراق أو مكاتبات أو ثمة أدلة توضح الموقف[9]. فنفى وقرر أنه استمر 20 يوم في عمله كوزير للداخلية دون الدخول لمقر الوزارة التي أخلت وسلمت للقوات المسلحة وظل هو متواجد بمقر أمن الدولة بمدينة نصر.
أما عن طريقة سير الجلسة المحددة لسماع أقوال المشير طنطاوي فقد كانت غريبة. وقد أفصحت عن تباين المعاملة مع الشهود، ليس فقط للإجراءات الأمنية المشددة ومنع المحامين من الدخول للقاعة وإهانتهم والتعدي على أحدهم، بل كذلك بسبب تلك الطريقة التي كانت تدير بها المحكمة عملية توجيه الأسئلة للشاهد، وحدوث مقاطعة من قبل رئيس الدائرة لأسئلة المحامين ومنعها عدة مرات. كذلك تدخل القاضي في صياغة الأسئلة الموجهة للشاهد. ومنها عندما سأل أحد المحامين عن الضحايا سؤالاً عمّا إذا كان قد طلب من القوات المسلحة النزول لفض المظاهرات باستخدام القوة. وكانت إجابة الشاهد طنطاوي بالنفي، تتنافى تمامًا مع المقطع المنتشر له على الإنترنت، الذي يفيد تلقي القوات المسلحة مثل هذه الأوامر من مبارك. الأمر الذي أثار دفاع الضحايا، وأحدث صخبًاً بالقاعة بالهتاف ضده وضد مبارك.
وبسبب ما جرى، قام أحد محامي الضحايا برد القاضي في هذه الجلسة. وترتب على الرد وقف سير المحاكمة لحين الفصل في طلب الرد. ومن ثم لم يتم سماع أقوال الفريق سامي عنان حسب الميعاد المحدد. والغريب أنه بعد رفض طلب الرد واستئناف سير المحاكمة، أغلقت المحكمة باب تلقي الشهادات، ولم تقم بسماع شهود استدعتهم قبلاً، وانتقلت إلى مرحلة المرافعة.
وفي حكمها، تبين كيف التفتت المحكمة عن أقوال الشهود كلهم، رغم أنها لم تستمع منهم سوى لتسعة أشخاص. وبهذا أهملت دليلاً هاماً لإدانة المتهمين بقتل المتظاهرين، وذكرت المحكمة أن الشهود منهم من مدح ومنهم من ذم لا يعد مبررًا قانونيا للقيام بهذه الخطوة. كما أن المحكمة قد اتخذت من أقوال الشهود الأربعة من القيادات التي استمعت إليهم، ممن لم تسمعهم النيابة عونًا في الوصول إلى ما انتهى إليه حكمها.
قصور في التعامل مع الأحراز وتبديد أدلتها
الأحراز في هذه الدعوى جميعها ذات صلة بالمواجهة بين الشرطة والمتظاهرين، وما نجم عنها من ضحايا. وتم تحريزها في قضية العادلي ورجاله، وتستخدم هي ذاتها كأدلة الاتهام ضد مبارك بوصفه متهمًاً - بالاتفاق مع العادلي ومعاونيه – بالمشاركة في قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم.
وقد توافرت الأحراز عبر عدة طرق منها:
1- ما قدمه دفاع الضحايا:
وتمثل في بعض الأسلحة النارية وفوارغ لطلقات نارية، وفوارغ لقنابل الغاز وملابس بها آثار دماء. كذلك قدم بعض المواطنين مواد فيلمية اشتملت على لقطات من الأحداث أظهرت قيام الشرطة بإطلاق النيران تجاه المتظاهرين وقيامها بدهسهم بالسيارات، والعديد من هذه اللقطات منشورة على شبكة الإنترنت ويستطيع أي فرد مطالعتها.
وقام دفاع المتهمين بالتشكيك في الأدلة. خصوصًاً المواد المصورة، محتجًّاً بأنه يمكن تلفيقها من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة، وأخذت المحكمة بهذه الحجة، ولم تعتد بها.
2- الأحراز التي جمعتها النيابة:
حصلت النيابة من جهاز الشرطة على دفاتر ترصد تحركات القوات وتسليحها. ويشار هنا لحقيقة أن هذه الدفاتر قد تم تحريزها بعد مضي فترة على الأحداث. وظلت تحت يد الشرطة طوال هذه الفترة. ورغم شبهة التلاعب التي تتيحها هذه الفترة بين الحدث وبين تسليمها للنيابة، لكن يظل واضحًاً ما بدفاتر الأسلحة للكم الهائل من الأسلحة النارية التي خرجت من معسكرات الأمن المركزي اعتبارًا من يوم 25 يناير 2011، والتي لم ينكرها دفاع المتهمين بل برروا فقط سبب خروجها. كذلك توضح دفاتر التحركات أسماء رجال الشرطة الذين تحدد موقع خدمتهم في الميادين التي شهدت الوقائع، وواضح بدفاتر التحركات صدور أوامر من القادة بخروج القوات بالأسلحة لفض التظاهرات.
وطالبت النيابة العامة هيئة المخابرات العامة بالأشرطة التي قامت بتسجيلها الكاميرات المثبتة بالمتحف المصري في الفترة من 25 يناير حتى 3 فبراير 2011، فما كان من المخابرات العامة إلا أن قدمت ستة أشرطة تم تسجيلها في الفترة من 1 – 3 فبراير 2011، أما عن الفترة من 25 – 31 يناير 2011، أي موضوع القضية فقد تم التسجيل عليها، بحجة أن النظام تم تركيبه منذ 1995 ولا يقوم بالتسجيل الأتوماتيكي للكاميرات إنما يعتمد على الإنذار وأفراد التشغيل.
وهذا التبرير من قبل المخابرات كان محل استنكار واسع، ودعا دفاع الضحايا إلى التساؤل هل يعقل أن يكون جهاز حيوي كالمخابرات العامة مستندًاً لاستخدام أنظمة قديمة، ولا يستطيع المحافظة على لقطات تعد وثائق هامة في تاريخ مصر؟
وعندما قامت المحكمة بعرض هذه الأشرطة على هيئات الدفاع لم يظهر أي مشهد له مضمون يمكن الاستناد إليه عن موقعة الجمل، التي حدثت في الثاني من فبراير، وبرغم أن هذه الأشرطة لم تأت بمشهد ذي صلة بالأحداث، إلا أنها أظهرت تلاعبًاً واضحًاً، أدى لمحو أي مشهد يحمل بين طيأته دليلا ضد الجناة.
وقد دللت أرقام الكاميرات التي تظهر على الشاشة مع كل مشهد أنها لا تتبع أي ترتيب معين أو تستمر لفترة محددة، ومن غير المنطقي أن تكون حركة الكاميرات بشكل عشوائي ودون ترتيب، ما يعني أن الكاميرات جميعها تعمل معًا وتلتقط المشاهد، ويقوم شخص بتسجيل اللقطات التي يرغب في تسجيلها دون غيرها، وهو ما يتفق مع رد المخابرات العامة، أن جهاز التسجيل لا يسجل أتوماتيكي لكن يعتمد على تشغيل الأفراد، وهو ما يؤكد التلاعب. إن عدم تسجيل لقطات هامة وتسجيل لقطات أخرى لا تنطوي على دليل، إلا محاولة من الشخص القائم بالتسجيل لطمس الدليل، إن كانت الأشرطة التي قدمت هي الحقيقية، وليست أخرى تم اصطناعها بعد حذف أي دليل خصوصًا مع ظهور مشاهد منذ 1996، فلا يعقل أن يظل شريط فيديو يعمل بحالة جيدة لمدة 15 عاما دون تلف، وهو ما لم تلتفت إليه النيابة أو تشير لتورط مؤسسي في حجب العدالة.
وظل دفاع الضحايا متمسكًاً بإظهار هذا التعمد في طمس الأدلة. معتبرًاً ذلك بذاته دليلاً على رغبة الجناة تجنب الإدانة، وعلمهم بأن ما يحويه الدليل المطموس يدينهم بوضوح.
وقد سألت المحكمة النيابة العامة هل اتخذت إجراء من عدمه، وكان الرد أنها لم تتخذ ضد المخابرات العامة وأفرادها المسئولين عن هذا الأمر أي إجراء. ولم تلتفت النيابة لحقيقة العبث في هذه الأشرطة وهو أمر يؤخذ على النيابة العامة، ويوضح عدم دقتها، وضعف مهنيتها، ويعزز الشكوك في عدم نيتها مساءلة أيًّا من هذه الأجهزة الأمنية. يذكر أن دفاع الضحايا قد قدم بلاغات عن هذا التلاعب بالأشرطة وهو محل تحقيق.
أحد أهم الأحراز وأخطرها هو الخاص بتسجيلات غرفة عمليات رئاسة الأمن المركزي وما جرى من مداولات وما وجه من أوامر لأفراد الأمن المركزي عبر أجهزة اللاسلكي. وقد تم طمس ما يحتوي عليه بيد المسئول عن هذه الاتصالات وهو مدير إدارة الاتصالات بالأمن المركزي. ففي أثناء قيام النيابة العامة بالانتقال لمقر غرفة عمليات رئاسة الأمن المركزي لتشغيل الأسطوانة المدمجة المسجل عليها الاتصالات، على الجهاز الخاص بتشغيلها، ارتكب المسئول خطأ في التشغيل أتلف التسجيلات.
ولم تتغاضَ النيابة العامة عن فعلته هذه مثلما تغافلت عما جرى بشرائط المخابرات، بل أحالته للمحاكمة وقد أيدت ضده محكمة جنح مستأنف الظاهر الحكم بالحبس عامين بتهمة إتلاف دليل، فقد قام بإتلاف هذه الأسطوانة المدمجة عن طريق الخطأ. الأمر برمته مثير للشك، لصعوبة حدوثه من شخص متخصص، يشغل منصب مدير الاتصالات بقطاع الأمن المركزي، إلا إذا كان عمديًّاً.
مجمل القول في أمر الأحراز، إن ما كان منها بحوزة مؤسسات الدولة الأمنية قد تم طمسه أو إفراغه من مضمونه. وإذ نرجح أن هذا النهج هو سعي لإخفاء دليلا يؤكد إدانة الأجهزة الأمنية، لكن على النقيض، كانت المحكمة متساهلة لحد بعيد مع هذا الأمر، وقد اكتفت باستبعاد الأدلة جميعًا ولم تعتد بها، ولم تسأل هذه المؤسسات عن فعلتها هذه.
الأسلحة والذخائر
لم تكن الطلقات الحية وطلقات الخرطوش المحرزة والتي تم استخراجها من أجساد المتظاهرين متناسبة مع عدد الضحايا والغريب أن ما وجد منها بالأحراز وشاهده أعضاء هيئات الدفاع في الوقت المخصص للاطلاع على الأحراز لم يتم التعامل معه بجدية. ولعل ذلك يبرر ما أشاعه دفاع المتهمين بخلاف الحقيقة من خلو الأحراز من الرصاص الحي رغم وجوده وقد اطلعنا عليه.
وأكدوا أن المحكمة لم تقم بإعادة تحريز تلك الطلقات مرة أخرى بعد فضها واطلاع الدفاع عليها ومعاينتها. التساهل هذا طرح احتمال العبث بها وهي حجة استخدمها الدفاع ضد المحكمة هذه المرة وليس النيابة العامة.
التقارير الطبية
أكدت التقارير الطبية للطب الشرعي الواردة ضمن أوراق القضية، بالإضافة لشهادات من مراكز طبية خاصة أن إصابات الضحايا نتجت عن ذخيرة من أسلحة نارية، ومواضع الإصابة وكيفيتها تصلح دليلا على أنها قد أطلقت بنية القتل أو الإصابة المميتة والتعجيزية. لأنها استهدفت الأجزاء العليا من الجسم. علاوة على العدد الضخم من الإصابات التي بينت حقيقة استهداف أعين المتظاهرين، على أيد خبيرة مدربة.
وبالربط المنطقي القوي بين هذه التقارير، وما جاء بالدعوى من أدلة أخرى، كأقوال شهود، أو مقاطع فيلمية تصور الشرطة وهي تعتدي على المتظاهرين، كان يمكن للمحكمة أن تمتلك دليلاً متكاملاً يكفي لإدانة المتهمين. لكن المحكمة لم تلتفت إليه، بعد أن تركت يد العبث والتعامل الخاطئ تطالها. ارتكنت المحكمة لرفع الحرج عن نفسها بالقول إن ما تحت يدها لا يدلل مباشرة على حدوث الإصابة من قبل أسلحة رجال الشرطة.
تقارير اللجان الرسمية لتقصي الحقائق
في 10 فبراير 2011 أصدر أحمد شفيق، رئيس مجلس الوزراء حينها، قرارًاً بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث إطلاق الرصاص على المتظاهرين والاعتداء عليهم، والتحقيق في أعمال السلب والنهب والتخريب، التي شهدتها البلاد منذ اندلاع أحداث 25 يناير.
وقد تولى رئاسة اللجنة المستشار عادل قورة. وأسفر عمل اللجنة عن تقرير أدان بوضوح جهاز الشرطة، وبين حتمية صدور أوامر من القيادات العليا بإطلاق النيران ضد المتظاهرين.
ورغم أهمية هذا التقرير، وما قد يساهم به في تكوين عقيدة القاضي، خصوصًا مع قصور تحقيقات النيابة، إلا أن المحكمة لم تعتد به، ولو على سبيل الاستئناس.
كما التفتت المحكمة عن تقرير لجنة تقصي الحقائق الخاص بالمجلس القومي لحقوق الإنسان.
وقد شكك دفاع المتهمين في التقارير، واستجابت المحكمة لدفعهم فلم تلتفت إليهم. وهو ما يدعو للتساؤل عن فاعلية هذه اللجان التي تشكل عقب كل واقعة، وبعدها يتم إلقاء ما توصلت إليه إلى القمامة، فلا تدعم أعمالها العدالة، ولا تحقق المراد منها من عدم ترك الأجهزة المتورطة لتحقق بنفسها فيما اقترفته؟
المحاكمة
تعرجات في مسار الدعوى
بدأت المحاكمة الجنائية برئاسة القاضي عادل عبد السلام جمعة، بمجمع محاكم القاهرة بالتجمع الخامس، بنظر قضية العادلي ومساعديه. ورغم نظر القاضي لها لأربعة جلسات إلا أنه لم يتخذ فيها أي إجراء، كما لم يأمر بإدخال المتهمين قفص الاتهام، إلى أن ثار دفاع الضحايا وحدثت اشتباكات خارج القاعة بين الأهالي والأمن.
هذا الأمر أدى لاختصام أحد محامي الضحايا للقاضي، وطالب برده. وبالفعل تم السير في طلب الرد، إلا أن القاضي عادل عبد السلام جمعة أحال القضية إلى الدائرة التي سوف تنظر قضية مبارك، قبل البت في طلب الرد كأفضل طريقة للابتعاد عن القضية، قبلما يتم استبعاده عند قبول طلب الرد.
بتاريخ الثالث من أغسطس 2011 بدأت الدائرة الخامسة جنايات برئاسة المستشار أحمد رفعت نظر قضية مبارك والعادلي، وسط ترقب من الشعب المصري والعالم.
استقلالية شكلية لهيئة المحكمة
ظهر من أداء هيئة المحكمة طوال الوقت أنها حريصة على إظهار استقلاليتها، فلم تستجب لأي مؤثرات حتى ولو شعبية. فلم تلتفت للدعوة بإصدار الحكم لامتصاص غضبًا شعبيًّا متوقعًا مع حلول الذكرى الأولى للثورة. كذلك لم تلتفت لما أشيع من أن أهالي الضحايا سوف يقتصون بأيديهم من الجناة، خصوصًا بعد تبرئة رجال الشرطة في قضايا قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة. وحرصت على استكمال سير القضية بشكل عادي.
وأبرزت المحكمة حرصها على حقوق المتهمين، رغم استياء الرأي العام منهم، وعملت على عدم إطالة سير المحاكمة.
وارتفعت شعبية هيئة المحكمة مع استدعائها للمشير طنطاوي وسامي عنان وعمر سليمان، إذ تأكد إصرارها على استدعائهم بما يعلي مبادئ حكم القانون، واستقلال القضاء.
في بدء الأمر لم يستجب كل من المشير طنطاوي والفريق سامي عنان لحضور جلسات المحاكمة لسماع أقوالهما كشاهدين، وأرسل رئيس القضاء العسكري خطابًا فحواه أن ترسل المحكمة وكذلك الدفاع سواء عن المتهمين أو الضحايا أسئلتهم وسوف يرد عليها جميع المذكورين بمذكرة ثم ترسل لهيئة المحكمة، وكانت المحكمة حاسمة في اتخاذ قرارها بضرورة حضورهما لسماع شهادتهما، وحددت جلستين آخرين لسماع أقوالهما.
إلا أن أداء المحكمة بالجلسة، وإصرارها على عدم منح هيئة الدفاع عن الضحايا فرصة لتوجيه عدة أسئلة للمشير طنطاوي، قد مثل تحجيمًاً من قِبَل المحكمة لهيئة الدفاع، وتمييزًاً واضحًاً للشاهد عما عداه من شهود، رغم مثوله أمام المحكمة بوصفه شاهدًاً بصرف النظر عن منصبه.
أيضًا فإن عدم استجابة المحكمة لطلبات مهمة رفعتها هيئات الدفاع عن المتهمين، ومنها سماع شهود النفي، ورغم أن للمحكمة سلطة تقدير جدية الطلب، وأن لها الحق في الاستجابة له أو الالتفات عنه، إلا أنه قد يكون سببا لنقض الحكم في الدرجة الأعلى، لما ينطوي عليه من إخلال بالحق في الدفاع. خصوصًا وأنه قد تمسكت هيئات الدفاع عن المتهمين به.
تمسك هيئة المحكمة بالقضية على حساب العدالة
هناك بعض المواقف التي كانت محلا لجدل قانوني، ومن ذلك عدم قبول هيئة المحكمة لطلب فصل الاتهامات في قضية مبارك بعضها عن بعض وقصر القضية على اتهامات قتل المتظاهرين ولتنظر مع قضية العادلي ومساعديه، مع فصل وإحالة ما يخص الاتهامات الأخرى مرة أخرى للنيابة العامة، لتقوم بدورها بإحالتها لدوائر أخرى. والأمر قد يفسر على أن المحكمة قد تملكتها الرغبة في الاستئثار بهذه القضية التاريخية.
الملاحظة الأبرز هي تلك المتعلقة برفض المحكمة لطلب دفاع الضحايا بإدخال متهمين جددًا، والتحقيق في وقائع جديدة لم يتم التحقيق فيها مع المتهمين. وكانت الغاية من ذلك هي السعي لتحديد الفاعلين الأصليين، والوقوف علي حقيقة وجود شركاء آخرين في الجرم. لكن المحكمة ظلت رافضة تمامًاً لهذا الطلب. فمن شأن استجابتها له إلزامها بإحالة أوراق القضية للنيابة العامة، لتقوم بدورها بالتحقيق مع المتهمين الجدد، استيفاءً لهذه الوقائع الجديدة غير المسندة للمتهمين، وبعدها تحيل القضية إلى دائرة أخرى[10]. بما يعنى إبعاد هيئة المحكمة عن الفصل في هذه القضية التاريخية.
هذا الرفض وتمسك المحكمة به أثار تساؤلاً مشروعًاً: هل بالفعل تمسكت هيئة المحكمة بنظر القضية، على حساب العدالة وصحة مسار القضية؟
دفاع المتهمين والسعي لتفريغ القضية
سادت حالة الإنكار جانب المتهمين، إذ نفوا جميعًاً الاتهامات التي وجهتها إليهم المحكمة. أنكر مبارك اتفاقه مع العادلي على قتل المتظاهرين، ووافقه العادلي، بأن نفى أنه قد أصدر أوامر بهذا الشأن، أو تلقى من مبارك مثل هذه الأوامر. وألح على أن رجال الشرطة قد عملوا على فض التظاهرات باتباع القواعد المنظمة لذلك.
وقد نفى المتهمون الباقون، الاشتراك في قتل المتظاهرين، أو ارتكابهم أي فعل إجرامي، وأنكروا اتفاقهم أو تحريضهم للجنود على قتل المتظاهرين، منكرين القيام بإمدادهم بالسلاح، وكرروا التأكيد على أنهم قاموا بأداء واجبهم حسب ما تقتضيه القواعد. وبرروا حدوث حالات قتل وإصابة للمتظاهرين بأنها ربما نتيجة لتصرفات فردية من رجال الشرطة.
أحمد رمزي، رئيس قوات الأمن المركزي في أثناء الوقائع، وإسماعيل الشاعر، مدير أمن محافظة القاهرة، بدا موقفهما القانوني سيئًاً مقارنة بكافة المتهمين. وحرصًا على تأكيد عدم تواجدهما بميدان التحرير يوم جمعة الغضب، حتى لا ينسب إليهما إصدار قرارات مباشرة بإطلاق النيران، حيث أن القرار المنظم لفض التظاهرات بالقوة يقرر أن أقدم رتبة بالميدان هي من لها سلطة إصدار الأمر بإطلاق النيران[11].
قام أحمد رمزي رئيس قوات الأمن المركزي سابقا بالتشكيك في ماهية الإدارة التابع لها القوات الأمنية التي كانت موجودة بالشوارع والميادين في أثناء الأحداث، بطرح معلومة في أثناء التحقيقات أمام النيابة العامة مفادها أن قوات الأمن العام، التابعة لمدير مصلحة الأمن العام، عدلي فايد حينها، ترتدي الزى ذاته الذي ترتديه قوات الأمن المركزي وقدم قرارات وزارية تفيد تسليح الأمن العام بأسلحة نارية أيضا[12]، وأن هذه القوات تتحرك بأمر مدير الأمن شخصيًّاً، بصفته قائد قوات الأمن العام التي اشتركت في التصدي للمتظاهرين بميدان التحرير. فرمى بالاتهام في وجه إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة، في محاولة منه لتمييع الاتهام وإضفاء حالة من الشيوع، خصوصًا أن أدلة الاتهام بالنسبة إلى الأمن المركزي متعددة.
ورغم وضوح التنسيق بين دفاع المتهمين، إلا أنه كان هناك اختلاف من قبل هيئة الدفاع عن المتهم أحمد رمزي. ففي أحد الدفوع، قرر محاميه أنه لم يتم نقل سلاح ناري من خلال سيارات الإسعاف لقوات الشرطة، بينما قرر محامي متهم آخر أن سيارات إسعاف الشرطة هي التي قامت بنقل السلاح مبررًاً ذلك بضعف موقف الشرطة لما تعرضت له من اعتداءات، وهو ما قد يصلح دليلاً على إمداد قوات الشرطة بالسلاح لقتل المتظاهرين عن طريق التحايل بإخفائه في سيارات الإسعاف حتى يتوسطوا المتظاهرين وتسهل مهمتهم في القضاء على المتظاهرين.
دفاع حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة تمسك باقتصار عمله على قيامه بواجبه المتمثل في إعداد تقارير تولى عرضها على الرئاسات، وأنه لم يخطئ في تقدير الأعداد الخارجة للتظاهر، أو التداعيات المحتملة لسير الأحداث. فالمشاركة الشعبية – بحسب دفاعه – جاءت عفوية وليدة اللحظة. وأكد أن جهاز أمن الدولة ليس الجهاز الوحيد المسئول عن جمع المعلومات، فهي مسئولية العديد من الجهات كالمخابرات الحربية، المخابرات العامة، وكذلك المباحث الجنائية، وتساءل، لماذا لم تُسأل أي من تلك الجهات؟
لم يشكك دفاع المتهمين في الدفاتر المحرزة بواسطة النيابة خصوصًا دفاتر التسليح التي تبين خروج كم هائل من الأسلحة النارية والذخيرة من قطاعات الأمن المركزي، بعضها بناء على أوامر كبار القادة، بل الحقيقة أنه تبارى في إثبات عيوب ما ورد بها. تارة بالقول أن هذا التسليح المثبت مخصص للعمليات الخاصة التي تقوم بحماية السفارات والبنوك والأمكنة الحيوية، ومرة أخرى بالقول أن الذخيرة قد عادت ولم تقم النيابة بإثبات عودتها، بل أثبتت خروجها فقط. وتارة أخرى القول لتبرير ما تم كشفه من ذخيرة مفقودة أنه قد تم إطلاقها في الهواء.
الدفوع التي تمسك بها محامي مبارك تتناقض بعضها مع بعض ولا تعفي مبارك من المسئولية، هذا بالإضافة إلى تمسكه بنقاط ضعيفة وشكلية، لكنه استعان بقوانين صدرت منذ خمسينيات القرن الماضي، وغير معلومة للغالبية لندرة استخدامها، وتظل وفقا للقانون المصري سارية وتطبق أحكامها[13].
حاول محامو العادلي تفجير مفاجآت واهية. فتارة يدفعون بأن عاملين بالجامعة الأمريكية هم من قاموا بإطلاق النيران على المتظاهرين، وتارة يقولون بقيام سيارات السفارة الأمريكية بدهس المتظاهرين والإقرار بمعلومة أنه لا يمكن فتح هذه السيارات بمفاتيح عادية لنفي إمكانية سرقتها[14]، وتارة أخرى يؤكدون أن العادلي ومن معه بالاجتماع الشهير بالقرية الذكية اتخذوا قرار قطع الاتصالات وذلك لاتهام مهندس في شركة اتصالات هواتف محمولة في قضية جاسوسية، وقيام هذه الشركة ببناء أبراج تقوية على الحدود مع إسرائيل، مما يعرض الأمن لخطر. أراد الدفاع استغلال المناخ العام والذي تسود فيه الأقاويل عن التدخل الأجنبي والطرف الثالث للإطاحة بالاتهام الموجه للمتهمين، لكن بشكل غير منطقي أو مقبول.
تمسك دفاع مبارك والعادلي ببطلان المحاكمة ووجوب محاكمة كليهما محاكمة خاصة، لأن الأول رئيس جمهورية والثاني وزير، والقانون أفرد محاكمة خاصة للمنصبين، وقد تناسى الدفاع أن مبارك لم يعد رئيسًاً، والعادلي لم يعد وزيرًاً.
استخدام دفاع المتهمين أخطاء النيابة، واستغلال حجة الطرف الثالث
نقطة الدفاع التي اتكأ عليها محامو المتهمين بقتل المتظاهرين، خصوصًا بعد أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود، ومجلس الوزراء، كانت الادعاء بوجود طرف ثالث قام بقتل المتظاهرين واقتحام السجون وأقسام الشرطة. وقد حاول دفاع المتهمين تفريغ الاتهام بقتل المتظاهرين، بالتمسك بهذا الدفع، مع ترديد القول من قبل السلطة بوجود طرف ثالث. هذا بالتزامن مع صدور أحكام ببراءة قتلة المتظاهرين أمام أقسام الشرطة، من بعض المحاكم.
ارتكز دفاع المتهمين على الاستفادة من أخطاء النيابة في التحقيقات، فتمسكوا بنقطة هامة وهي لماذا لم توجه النيابة الاتهام للفاعلين الأصليين رغم إمكانية التوصل إليهم من خلال الأحراز والدفاتر؟
وحرصوا على التشكيك في الأدلة كافة، سواء أقوال الشهود (الذين تراجع بعضهم أمام المحكمة كما سبق وذكرنا) وكذلك المواد الفيلمية التي قدمتها النيابة أو الأفراد بحجة أنه يمكن اختلاقها والعبث بها، وشككوا في الأحراز التي قامت المحكمة بفضها، متمسكين بأن المحكمة لم تقم بتحريزها مرة أخرى بعد فضها، وهو ما يعني إمكان العبث بها، كما نفوا وجود الطلقات الحية بالأحراز رغم مشاهدة دفاع الضحايا لها.
استجابة المحكمة لبعض طلبات دفاع المتهمين وصرفها النظر عن بعض تلك الطلبات، كان يعود لتقدير المحكمة لمدى تأثيرها على سير الدعوى. وبناء على نهج الدفاع الثابت على القول بوجود طرف ثالث، استجابت المحكمة لطلب الحصول على بيان بكافة المحاضر التي حررت عن سرقة ملابس شرطية أو أسلحة شرطية قبل أحداث يناير، وهو ما تبين لنا فحواه، بعد صدور الحكم، وذهاب المحكمة إلى وجود طرف آخر أطلق النيران ضد المتظاهرين.
تهميش تهم الفساد
بخلاف قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم، لم تشغل الاتهامات الأخرى الحيز ذاته من اهتمام المحكمة أو وقتها. فهي اتهامات ينفرد بها مبارك ونجلاه، وتولى الدفاع فيها عنهم محاميهم فريد الديب.
بالنسبة لاتهام مبارك ونجليه باستغلال نفوذه وقبول عطية "عبارة عن فيلات بشرم الشيخ"، وتخصيصه أراٍضٍ لحسين سالم بشرم الشيخ، اعتمد الدفاع في دحضها على التشكيك في تقرير الخبير الفني، أما بشأن علاء وجمال مبارك فقد تمسك الدفاع بأنه بافتراض حدوث ذلك من والدهما فما هو الجرم الذي ارتكباه مع عدم علمهما بأن هذا جرم. كذلك تمسك الدفاع بالتقادم، فقد انقضت مدة بعينها على ارتكاب الفعل دون تحريك الدعوى الجنائية ضدهم[15].
أما بشأن اتهام مبارك في موضوع تصدير الغاز لإسرائيل، فقد كانت شهادة عمر سليمان في التحقيقات ما لفت انتباه النيابة إلى دور مبارك في القضية، وجعلها توجه إليه الاتهام، واستندت النيابة في اتهامها لمبارك أنه أصدر قرار تصدير الغاز لإسرائيل بالأمر المباشر بالمخالفة للائحة التعاقدات الخارجية للهيئة العامة للبترول، بعدم تصدير الغازات الطبيعية بالأمر المباشر لضرورة وموافقة لجنة البت ووزير البترول.
لذلك كانت شهادة عمر سليمان أمام المحكمة ما تمسك به دفاع مبارك لنفي الاتهام عنه، حيث قرر أن مبارك لم يتدخل في تسعير الغاز ولا أي شيء أخر يخص هذا الموضوع ومن قام بالتسعير هي لجنة متخصصة، وعندما علم بالسعر المتفق عليه وأن الأسعار العالمية تزداد، كلفه بالذهاب إلى إسرائيل وأمره بإبلاغهم بأن الرئيس مبارك يريد رفع السعر وبأثر رجعي وإلا سوف يتوقف عن التصدير لهم، فوافقوا. وبعدما كان العقد ينص على أن يعاد النظر في السعر كل 15 سنة أصبح كل 3 سنين، وبعد أن كان السعر 1.5 دولار للمتر المكعب أصبح 3.5 دولار.
وقد تمسك دفاع مبارك بأن حسين سالم هو رجل المخابرات المصري الأول، وأن تصدير الغاز كان لمصالح قومية، إشارة إلى أن تصدير الغاز لإسرائيل يتيح لنا التحكم في مصدر الطاقة في إسرائيلي، ولتدعيم عملية السلام مع إسرائيل، وذلك لإثبات أسباب مبررة لاختيار حسين سالم، لاستبعاد شبهة استغلال مبارك نفوذه من أجل تربيحه، من خلال إسناد أمر تصدير الغاز لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز التي يمثلها سالم ويستحوذ على أغلبية أسهمها.
ظل حسين سالم المتهم الوحيد المتغيب عن هذه المحاكمة، إذ فر هارباً في أول الثورة. ولم تستمع النيابة لأقواله ولم تتواجد هيئة دفاع عنه [16].
وقضت المحكمة في حقه بانقضاء الدعوى الجنائية لتقادم جناية الرشوة بمضي عشرة أعوام.
تعنت مع المدعين بالحق المدني
الضحايا هم المتظاهرون في شوارع وميادين مصر، وأغلبهم من الشباب، وكان جزاءهم الموت أو الإصابة، لمجرد الاحتجاج السلمي، وقد بلغ عدد القتلى في هذه القضية 225، والمصابين 1368 وفقا لما قررته النيابة العامة، هذا بخلاف من أصيبوا وخشوا من الإبلاغ حتى لا يتم القبض عليهم، أو من لم يصدر لهم تقرير طبي صحيح بسبب الوفاة، والسكوت عن هذا حتى يطمئن ذووهم إلى إمكانية الحصول على الجثمان ودفنه. كذلك جموع المتظاهرين الذين أصابهم الذعر والترويع من مشاهد القتل.
وقد قام العديد من أهالي الشهداء وكذلك المصابون بالادعاء بالحق المدني كي يتمكنوا ودفاعهم من الحضور أمام المحكمة والإدلاء بطلبات والتمسك بدفوع، لوجود مصلحة يمثلها كسب الدعوى المدنية عبر إثبات قيام المتهمين بارتكاب ذلك الجرم الذي أصابهم بأضرار مادية أو معنوية تستوجب التعويض.
واقتصرت الدعوى المدنية على الأضرار الناتجة لقتل المتظاهرين، أما الجرائم الأخرى التي يحاكم عنها مبارك، فقد رأت المحكمة أنه لا ضررًا مباشرًا منها لأحد بعينه، وإلا كانت أغلبية الشعب المصري تقدمت بالادعاء المدني.
وشهدت الجلسات الأولى لحظات هزلية، منها اندساس بعض العناصر وسط هيئات دفاع الضحايا، ليقرر أحدهم أن مبارك قد مات وأن الماثل هو شبيهه. وآخر ظل يؤكد أمام المحكمة أن مبارك لا زال رئيسًاً، ولا يعرف الدستور التنحي ولم ينص عليه، إذن لا يجوز محاكمة رئيس الجمهورية وكافة ما اتخذ من إجراءات باطلة. وآخر يظهر لأول مرة في الجلسات الأخيرة ليطلب وقف سير الدعوى لحين الفصل في الطعن الذي قدمه أمام المحكمة الدستورية، لتعيين اختصاص المحكمة، رغم عدم وجود نزاع على اختصاص المحكمة.
استجابة القاضي لطلبات دفاع الضحايا، جاءت قليلة قياسًاً على استجابته لطلبات دفاع المتهمين. دفاع الضحايا، تمسك مرارًاً بطلب فصل الاتهامات الأخرى - خلاف قتل المتظاهرين - عن القضية، لكن المحكمة لم تستجب لهم. كما طلبوا إعمال المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية وإحالة أوراق القضية للنيابة مرة أخرى للتحقيق لإدخال خصوما جددا في الدعوى - هم "الفاعلين الأصليين" - أو شركاء للمتهمين، كما تمسكوا بسماع أقوال العديد من الشهود، إلا أن المحكمة لم تستجب لطلباتهم.
هيئة قضايا الدولة
تضطلع هيئة قضايا الدولة، وهي هيئة قضائية مستقلة، بدور الدفاع عن مؤسسات الدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) أمام القضاء. وقد جاء موقف هيئة قضايا الدولة وتدخلها في الدعوى بمثابة المفاجأة، رغم توقع حضورها للدفاع عن المتهمين. كان من المفترض أن يتم إدخال هيئة قضايا الدولة في الدعوى بناء على طلب المدعين بالحق المدني من الضحايا وذويهم. وبالنظر لكونها مسئولة عن الحقوق المدنية، حال الحكم للضحايا بالتعويض ضد المتهمين، وتتحمل صرف التعويضات، عن المتهمين كونهم موظفين عموميين، وما اقترفوه من أخطاء وجرم أصاب الضحايا بالضرر، كان في خلال أدائهم لوظيفتهم، أو بمناسبتها. ومن ثم يتعين على الدولة صرف التعويضات من الخزانة العامة.
جاء موقف هيئة قضايا الدولة في هذه القضية مغايرًاً لما هو معتاد[17]. فقد تدخلت بصفتها مدعية بالحق المدني أي متضررة من فعل المتهمين. ووقفت منهم موقف الخصم وليس المدافع. ودفعت بأن الدولة، التي لها شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الأفراد من موظفيها، قد أصيبت بأضرار جِسام نتيجة فعل هؤلاء المتهمين. معتبرة جرائمهم من قبيل الخطأ الشخصي وليس خطأ مرفقيا (مؤسسي)، وطالبت بتعويض مالي مليار جنيه من أموال المتهمين الخاصة.
وبينت أن الدولة قد تكلفت إنشاء صندوقا خاصا للشهداء والمصابين رصدت له الملايين من خزانه الدولة، وقامت بإفراد بندا خاصا في ميزانيتها لتعويض أصحاب المنشآت والمحال الموجودة في أمكنة التظاهر التي تم إتلافها، وإعادة تهيئة الممتلكات العامة التي أصابها التلف وتعرضت لسرقات، ومنها أضرار تعلقت بممتلكات وموجودات جهاز الشرطة ذاته والأقسام وأماكن الاحتجاز.
لقي موقف هيئة قضايا الدولة قبولا وإشادة من الضحايا ومن المجتمع أيضا، لكن البعض من دفاع الضحايا شكك في حسن النوايا، مفترضًا أن هيئة قضايا الدولة اتخذت هذا الموقف فقط للتهرب من عبء صرف التعويضات للضحايا. وكذلك حتى لا توضع في كفة واحدة مع المتهمين بعد زوال سلطانهم وسخط الشعب عليهم. ورأت أنه من الأفضل أن تأخذ موقف الخصم للمتهمين، لعله يعود عليها بالمكاسب سواء بالقبول الشعبي أو بالإعفاء من ملايين الجنيهات.
ضمانات المحاكمة العادلة
حقوق المتهمين
رغم الغضب الشعبي ضد مبارك ونجليه والعادلي ومساعديه، إلا أنهم كمتهمين قد تمتعوا بكافة حقوقهم، ولم ينتهك أي حق من حقوقهم كمتهمين أو سجناء، وإن كان هذا يوحي بأن أجهزة الدولة تعمل على تعزيز حق السجناء، إلا أنه في الواقع العملي كانت معاملتهم معاملة تمييزية بالمقارنة بالمتهمين العاديين.
معاملة مبارك دفعت الحشود للخروج في تظاهرات عدة مرات وتردد أن المحاكمة صورية وأنه ينعم براحة ورفاهية، فرغم غضبهم من كيفية التعامل مع كافة المتهمين علاء وجمال والعادلي ومساعديه، إلا أن غضبهم على معاملة مبارك كانت أضعافًا .
العادلي ومعاونوه أيضا، كانت تتم معاملتهم بشكل مميز. فقد كان كبار الضباط بأكاديمية الشرطة يقومون بتحية العادلي تحية عسكرية رغم أنه متهم، بل مذنب، فقد حكم عليه بالسجن في قضية أخرى، وكان يظهر وهو مرتدٍ الزي الأزرق الخاص بالمحكوم عليهم.
المثول أمام القاضي الطبيعي
وقد تمتع مبارك والعادلي ورجاله بالحق في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، رغم ما أثاره الأمر من اعتراضات شعبية خصوصًا مع إحالة آلاف من المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية، وكانت مطالبهم تطبيق نص المادة 99 من قانون الشرطة[18] ومحاكمة العادلي ومعاونيه أمام القضاء العسكري، لأن موضوع الاتهام يتعلق بقيادة قوة نظامية. لكن وبالقانون أيضا تمت محاكمتهم أمام القضاء العادي، حيث أنه الأصل، والاستثناء هو تطبيق أحكام القضاء العسكري.
كذلك الفقرة الثانية من المادة السابعة من قانون القضاء العسكري تشترط لاختصاص المحاكم العسكرية عن كافة الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه، ألا يكون فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون، والعادلي لم يكن له صفة عسكرية، ومبارك ونجلاه كذلك. ورغم ذلك فقد تمسك دفاع مبارك بأنه الآن برتبة فريق ومن ثم المحكمة غير مختصة، ويجب محاكمته عسكريًّاً، وهو ما كان محل تعجب دفاع الضحايا!
وقد تمت محاكمتهم جميعًا أمام القضاء الأصيل، أمام المحاكم العادية، فقد طبق عليهم صحيح القانون، وهو ما تم الالتفات عنه مع أكثر من 12 ألف مدني في عهد حكم المجلس العسكري بعد تنحي مبارك.
الحق في الدفاع
عن الحق في الدفاع عن المتهمين فلا غبار عليه، فقد كان لكل متهم عدة محامين من مشاهير المحامين والفقهاء وأساتذة الجامعة، وكانت المحكمة تستمع لطلباتهم وتقوم بإثباتها، كما خصصت لهم فسحة من الوقت للترافع لا تتناسب تماما مع الوقت الذي خصصته لدفاع المدعين بالحق المدني.
كما سمحت المحكمة بحضور المحامين من دولة الكويت الذين تمسكوا بالدفاع عن مبارك، وكانوا سببًا في إشعال الرأي العام حيث منحتهم وزارة العدل تصاريح لحضور المحاكمة، بعد موافقة اللجنة المؤقتة القائمة بأعمال مجلس نقابة المحامين، إعمالا لقانون المحاماة المصري الذى يسمح للعرب والأجانب بالمرافعة أمام المحاكم المصرية طبقًا للقواعد التي يحددها وزير العدل بعد موافقة مجلس نقابة المحامين، وفي القضايا التي قد تتطرق لمسائل تتعلق بالأمن العام أو الأمن القومي، غالبًا ما قد يدعو للتوجس من حضور أشخاص من خارج الدولة.
كان حضورهم شرفيًّا، فلم يكن لهم دور في الدفاع عن مبارك ولم يتقدم أي منهم إلى المرافعة، كما تغيبوا عن حضور العديد من الجلسات.
الرعاية الصحية
من قبل بدء التحقيق مع مبارك وحالته الصحية محل اهتمام. وقبل بدء المحاكمة مع المخلوع، في 10 أبريل 2011 قامت النيابة العامة بندب كبير الأطباء الشرعيين ومع بعض الأطباء المتخصصين للكشف عليه، حتى تعلم ما إذا كانت حالته الصحية تسمح باستجوابه. واستقر التقرير إلى أن حالته الصحية تسمح باستجوابه ونصحت بنقله إلى إحدى المستشفيات الحكومية. إلا أنه مع بدء التحقيق معه في 12 أبريل 2011، صدر قرار حبسه احتياطيًّاً، وجرى نقله إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي[19].
وفى اليوم التالي استلم مصطفى سليمان المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة تقرير اللجنة الطبية حول إمكانية حبس مبارك داخل السجن، وتقدير ما إذا كان ذلك يشكل خطورة على حياته من عدمه. وانتهى رأيها إلى ضرورة وضعه تحت الرعاية الطبية، سواء بمحبسه أو إحدى المستشفيات الحكومية، مع توفير الرعاية الطبية اللازمة لحالته الصحية من اختصاصيين وعلاج.
وبناءً على التقرير، أصدر مصطفى سليمان أمره باتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل مبارك من مكان محبسه بمستشفى شرم الشيخ إلى مستشفى السجن، الذى يتقرر إيداعه فيه لتنفيذ الحبس الاحتياطي عليه، مع اتخاذ الإجراءات الطبية بملاحظة حالته وتوفير الرعاية الطبية والعلاج اللازم وفق ما تقضى به نصوص قانون السجون ولائحته التنفيذية، ولكن رغم ذلك ظل مبارك بمستشفى شرم الشيخ الدولي.
في 29 مايو 2011، وبعد صدور قرار النيابة بإحالة القضية لمحكمة الجنايات قامت اللجنة الطبية المنتدبة من المحامي العام، والتي كان يرأسها كبير الأطباء الشرعيين، بمعاينة مستشفى ليمان طرة، وانتهت إلى أن المستشفى بوصفه الحالي غير مؤهل لاستقبال "مريض" في حالة حرجة غير مستقرة، وظل مبارك بمستشفى شرم الشيخ الدولي.
في أولى جلسات محاكمة مبارك يوم 3 أغسطس 2011 قرر المستشار أحمد رفعت إيداعه مستشفى المركز الطبي العالمي بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، مع توفير الرعاية الطبية التي تطلبها حالته الصحية والسماح لفريق طبي ملازم، باستمرار مرافقته ومتابعة حالته الصحية. وزاد هذا القرار من سخط دفاع الضحايا، الذي طلب عدة مرات إيداع مبارك بمستشفى إحدى السجون، كأي متهم مثيل في قضية جنائية، ولم تستجب المحكمة.
وبالجلسات الأخيرة قبل حجز الدعوى للحكم، رفض القاضي توصية لجنة الصحة بمجلس الشعب. وكان مضمونها الإفادة بصلاحية مستشفى سجن ليمان طرة لاستقبال المخلوع خصوصًا بعد أن تم استكمال تجهيزها. وهو ما لم يتم حيث ظل في المركز الطبي العالمي حتى صدور الحكم بإدانته.
وفور صدور الحكم بمعاقبة مبارك بالسجن المؤبد، تم إيداعه بمستشفى سجن طرة بعد تجهيزها.
إيداع متهم بمستشفى خارج السجن لعدم توافر إمكانية علاجه بمستشفى السجن أمر قانوني ينص عليه قانون السجون ولائحته التنفيذية، لكن كل الظروف الملابسة لحالة المخلوع كثيرًا ما تثير الشبهات. بداية من دخوله مستشفى شرم الشيخ الدولي فجأة يوم 11 أبريل 2011، بعد قيام كبير الأطباء الشرعيين بالكشف على حالته لمعرفة إمكانية استجوابه أم لا، بيوم واحد، رغم وجوده في شرم الشيخ قبلها بشهرين منذ تنحيه، دون اضطرابات صحية، أي لم تظهر الحالة الصحية غير المستقرة، إلا فور علمه بالتحقيق معه ومساءلته.
كذلك تكلفة إقامته سواء بمستشفى شرم الشيخ الدولي رغم كونها حكومية، أو المركز الطبي العالمي الخاص، باهظة جدا، وتتحملها خزينة الدولة من نفقات مصلحة السجون، وهو ما لا يتم مع أي متهم آخر في مثل حالته.
جدير بالذكر أنه فيما يتعلق بحق المتهمين في الزيارة فقد كان يتم باستمرار. وحينما قرر القاضي سير المحاكمة بشكل شبه يومي، طلب أحد محاميي المتهمين عدم استمرار الجلسات يوميا حتى يستطيع أهالي السجناء زيارتهم، فقرر القاضي السماح لهم بالزيارة في أيام الجمع والعطلات الرسمية التي لا ينعقد في أثنائها المحاكمة.
الحبس الاحتياطي
الحبس الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق، حيث يتم تقييد حرية المتهم، خوفًا من هروبه، أو تأثيره على الشهود، أو العبث بأدلة الدعوى، لضياع معالم الجريمة. وكل من العادلي وأربعة من معاونيه ومبارك، الاتهامات الموجهة إليهم تستوجب وفقًا للقانون المصري الإعدام أو السجن، ما يعنى أنه وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، أقصى مدة حبس احتياطي سنتان، وقد فصل في الدعوى قبل مرور سنتين من حبسهم احتياطيا.
الأمر يختلف بالنسبة إلى علاء وجمال نجلي مبارك، فالاتهام الموجه إليهما جنحة أي أقصى عقوبة للحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، ووفقا لقانون الإجراءات الجنائية لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي عن ستة أشهر في سائر مراحل الدعوى. رغم ذلك استمرت المحكمة في حبسهما احتياطيًّا لمدة تقارب 14 شهرًا بالمخالفة لأحكام القانون، وقد طلب دفاعهما إخلاء سبيلهما مرة واحدة عند مرافعته، ولم تستجب المحكمة رغم مرور ستة أشهر على حبسهما حينها، ورغم أنها مخالفة قانونية لم يتوقف عندها دفاعهما كثيرًا، ربما لأبعاد أخرى أمنية أو سياسية، خشية إثارة غضب الضحايا والمتعاطفين معهم.
جدير بالذكر أن اللواء عمر الفرماوي واللواء اسامة المراسي كان مخلى سبيلهما طوال فترة المحاكمة، وكان يشغل الفرماوي منصب مدير أمن مديرية 6 أكتوبر حتى نقله في مايو 2011 للتهرب الضريبي وظل بالخدمة حتى أغسطس 2011، حيث صدر قرار وزير الداخلية حينها منصور العيسوي بإحالته للتقاعد. لكنه طعن على هذا القرار بالإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري، وقد قضت محكمة القضاء الاداري دائرة الجزاءات في أول سبتمبر 2012 بإلغاء قرار وزير الداخلية بإحالته إلى المعاش مستندة إلى أنه يتعين بقاؤه في الخدمة حتى سن الستين طبقا للقانون بحسبان انه يشغل منصب مساعد وزير الداخلية. أما اللواء اسامة المراسي فقد ظل بالخدمة حتى مايو 2011 لحين بلوغه سن المعاش.
حقوق الضحايا
في حين تمتع المتهمون وهيئة دفاعهم بكامل حقوقهم، كان جانب الضحايا يعاني من تعنت المحكمة معه.
خلال جلسات محاكمة العادلي لم يتمكن الضحايا من الحضور، رغم أن القانون المصري كفل للمجني عليه الحق في حضور كافة إجراءات التحقيق والمحاكمة، بل ومناقشة الشهود[20]، فقد حال الأمن دون دخول الأهالي، وكان ذلك بحجة عدم اتساع القاعة بالمحكمة الكائنة بالتجمع الخامس، وخشية حدوث اشتباكات. وقد حدثت جراء هذا المنع عدة اشتباكات بين الأهالي والأمن لمنعهم من الدخول.
ولم يكن الأمر أفضل حالا عندما نقلت المحاكمة لأكاديمية مبارك للأمن "أكاديمية الشرطة حاليا" في الثالث من أغسطس 2011. لم يتمكن الضحايا وذووهم من الحضور، حيث كان الحضور مقتصرًاً على من يحصلون على تصريح بذلك، ومن لم يتمكن من الحصول على تصريح منع من الدخول.
هذا بخلاف إجراءات تفتيش مشددة، وغير معتادة تتكرر أكثر من مرة أمام كل منطقة عبور، سواء عند البوابة الخارجية للأكاديمية أو أبوابها الداخلية أو عند مدخل قاعة المحاكمة. وبعد شكوى هيئات دفاع الضحايا للقاضي، من تعنت الأمن بمنع دخول الأهالي، أكد القاضي أن لهم حق الدخول، إلا أن قوله هذا لم يلتفت إليه رجال الأمن.
واستمر الحال على ما هو عليه، وتكرر حرمان ذوي الضحايا من الدخول، عدا قلة من الأهالي لمرات محدودة، وهو ما جعل الضحايا وذويهم ينتظرون خارج الأكاديمية، ولم يسلموا في أمكنتهم من عدوان تكرر أكثر من مرة من قبل مؤيدي مبارك ممن حضروا عند الأبواب، يعتقد ذوو الضحايا أنهم يضمون عناصر بلطجة مأجورة.
ولم يكن الأمر أفضل حالًا بالنسبة لدفاع الضحايا. فمنذ بداية محاكمة العادلي، استشعر دفاع الضحايا معاملة سيئة ومجحفة من قبل رئيس الدائرة عادل عبد السلام جمعة، نتج عنها طلب أحد محامي الضحايا رده، وكذلك فعل محام آخر ضد القاضي احمد رفعت الذي عهد إليه بنظر دعوتي العادلي ومبارك معا.
لقد تراءى لمحاميي الضحايا أن القضاة يعاملونهم معاملة مغايرة لمعاملة دفاع المتهمين، وكان رفعت يهددهم دوماً بالتلويح بإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المختصة، بما يعني إقصاءهم عن الدعوى الجنائية. كما حدثت وقائع مؤسفة من قبل أفراد الأمن، منها قيام أحدهم بالاعتداء على محام خلال انعقاد الجلسة في حضرة قضاة المحكمة. وكان من أثر ما شعر به المحامون، أن قام محام آخر عن الضحايا بتقديم طلب مخاصمة ضد القاضي أحمد رفعت[21].
وهنا نورد ملاحظة إجمالية، أنه من المعتاد في قضايا الجنايات أن يكون موقف الضحية هو الموقف الأقوى، وغالبا ما ينصب حديث العدالة على حقوق المتهمين باعتبارهم في الموقف الأضعف، لكن هذه المحاكمة قد أظهرت قانونها الخاص، وهو أن الموقف الأقوى يظل للقوي بغض النظر عن كونه ضحية أم جانٍ.
علانية المحاكمة
في أولى جلسات المحاكمة للعادلي ورجاله، كان هناك تشدد من رجال الأمن لمنع أهالي الضحايا من الدخول وكذلك التعنت مع الصحفيين ومحاميي الضحايا، وكان مبررهم في ذلك أن سعة القاعة لا تتحمل كل هؤلاء. وهو قول غير منطقي، لأنه لو كان هذا السبب الحقيقي، فلماذا لم يتم منع الصحفيين والإعلاميين والأفراد الذين تمكنوا من الدخول باستعمال الكاميرات، أو حتى استخدام التليفون المحمول لنقل أحداث الجلسة مباشرة.
هذا الأمر أصاب أهالي الضحايا بحالة من الغضب خصوصًا لعدم تمكينهم من متابعة ما يحدث، وانتظارهم المحامين للاستعلام منهم عما جرى بالجلسة، أو انتظار ما تنشره أو تذيعه وسائل الإعلام بعد انتهاء الجلسة.
وكانت جلسة 25 يوليو 2011 أول جلسة تبث مباشرة وعلنا عبر شاشات التليفزيون المصري. واستمر البث المباشر للجلسات بعد ذلك حيث أصبحت قضية العادلي ورجاله، ومبارك ونجليه تنظر معًا، حتى قررت المحكمة بجلسة 15 أغسطس 2011 وقف بث الجلسات.
إذ رأى البعض أن هذا القرار سليم لحماية الشهود ولصالح سير القضية، إلا أنه كان من الأفضل قصر قرار منع البث على جلسات سماع الشهود فقط. أما فيما عدا ذلك فقرار منع البث هو حرمان من مشاهدة هذه المحاكمة التاريخية، فقد حرم الكافة من سماع مرافعة النيابة في هذه القضية ودفاع الضحايا والمتهمين.
وإن كان الإعلام قد غطى هذه المحاكمات من خلال نقل الصحفيين أو المراسلين للأحداث تفصيلا، أي ما يشير إلى علانية المعلومة عن المحاكمة، إلا أنه يبين عدم وجود مبرر لوقف البث المباشر للجلسات.
وللتوضيح الفارق بين بث الجلسات مباشرة وبين العلانية، فالعلانية تعني عدم سرية الجلسات بمعنى إمكانية حضورها من قبل أي شخص دون اقتصارها على أصحاب المصلحة فيها، وإمكانية نشر ما يجرى بها، فيكون باستطاعة أي شخص متابعتها، وهو ما يمكن القول معه بأن جلسات المحاكمة كانت علانية، في ما عدا جلسات سماع الشهود الأربعة ممن يشغلون أو كانوا يشغلون مناصب قيادية بالدولة.
حماية الشهود
على عكس المعاملة المميزة التي عومل بها الشهود من قيادات الدولة، تعرض بعض شهود الإثبات لهجوم من دفاع المتهمين رددته وسائل الإعلام، خصوصًا ما قام به أحد محاميي المتهمين ضد الشاهد الأول حسين سعيد محمد موسى ـ مدير إدارة الاتصالات بالأمن المركزي في أثناء الأحداث، لكونه متهمًا بإتلاف الـ "سي دي" الخاص بغرفة العمليات بالأمن المركزي. والشاهد التاسع حسن عبد الحميد أحمد فرج - مساعد أول وزير الداخلية لقطاع قوات الأمن والتدريب في أثناء الأحداثً، حيث تحدث أحد المحامين عن الشاهد بأنه ليس شاهد عدل يمكن الاعتداد بشهادته، وأفشى أسرارًا عنه وعن أسرته للتدليل على وجود خصومة بينه وبين أحد المتهمين والتشكيك في شهادته.
طلبت النيابة العامة من المحكمة محاكمة الشاهد الخامس محمد عبد الحكيم محمد علي موسى – نقيب بالأمن المركزي، قطاع أحمد شوقي، بتهمة الشهادة الزور بعد أن رأت النيابة أنه قام بتغيير أقواله أمام النيابة إلى أقوال أخرى أمام المحكمة ، لكن المحكمة برأته ، ومع أن هذا يحق للنيابة العامة، لكن ربما يراه البعض ترهيباً للشهود وأن شهادتهم أخذت تحت ضغط ولو معنوي، خصوصًا مع تمسك دفاع المتهمين بما ذكرته النيابة في مرافعتها، أنها انتزعت الأقوال من الشهود، وهو ما يعني أنها حصلت عليها نتيجة إكراه ولو معنوي.
أما الشهود الأربعة، عمر سليمان وحسين طنطاوي ومحمود وجدي ومنصور العيسوي، فكانت معاملتهم مختلفة عن معاملة الشهود التسعة الذين أدلوا بأقوالهم أمام المحكمة. حيث خصص لهم باب للدخول، وحجرة مجهزة للانتظار بها، مع دخول طقم الحراسة الخاص بكل منهم في زي مدني ومسلح، والجلوس في الصفوف الأولى خلف مكان وقوف الشاهد.
فترة المحاكمة
شكك الكثيرون في إمكانية الفصل في هذه القضية، وإطالة الفترة من خلال المماطلة والتسويف، وحقيقة الأمر أن التعطيل لم يكن طوال الوقت من قبل هيئة المحكمة وإنما كان للخصوم دور، ولمحاميي الضحايا دور أيضا في هذا الصدد.
منذ بداية جلسات محاكمة العادلي في 26 أبريل 2011 وحتى صدور حكم يوم 2 يونيو 2012، مر أكثر من 13 شهرًا. وفي حين أن الفترة الزمنية التي استغرقها نظر الدعوى لا تعد طويلة بالنسبة لما هو عليه الحال بالمحاكم المصرية، إلا أن نصف هذه المدة قد أهدرت بدون اتخاذ أي إجراءات.
عند نظر قضية العادلي أمام القاضي عبد السلام جمعة، مرت ثلاث جلسات دون أي إجراء فعلي، ففي الجلسة الأخيرة المنعقدة في 26 يونيو2011 تقدم أحد محاميي الضحايا بطلب رد لرئيس المحكمة، فتم تأجيل المحاكمة لجلسة 25 يوليو لحين الفصل في طلب الرد.
ونظرًا لأن الدائرة التي كانت تنظر طلب الرد قد أجلت النظر في الطلب لجلسة 24 يوليو 2011، فاضطر القاضي عادل عبد السلام جمعة إلى نظر الدعوى الأصلية بالجلسة المحددة سلفا 25 يوليو 2011، وقد أصدر قراره بإحالة هذه الدعوى لتضم إلى الدعوى الأخرى المحالة عن نفس الموضوع، قتل المتظاهرين ضد مبارك، لينظرا سويا أمام الدائرة 5 جنايات، التي يرأسها المستشار أحمد رفعت[22].
بجلسة 15 أغسطس 2011 قرر المستشار أحمد رفعت ضم الدعويين لنظرهما معا، وحيث أن المحاكمة كانت في شهر رمضان فقد طلبت هيئة الدفاع عن الضحايا أن يكون التأجيل إلى ما بعد شهر رمضان، وقد استجابت المحكمة. وفي 5 سبتمبر 2011، بدأت مرة أخرى السير في الدعويين المضمومتين بشكل سريع، حيث قامت بفض الأحراز وتمكين الدفاع من الاطلاع عليها ومشاهدة الأحراز المرئية، وسماع الشهود، حتى جلسة 24 سبتمبر، حيث قام أحد محاميي الضحايا برد القاضي أحمد رفعت، وهو ما أدى إلى تأجيل نظر القضيتين لجلسة 30 أكتوبر 2011 لحين الفصل في طلب الرد.
وإن كان السبب في تعطيل المحاكمة هنا، هو طلب دفاع الضحايا، لكن ما حدث من الدائرة 52 مدني بمحكمة استئناف القاهرة التي تنظر في طلب الرد هو خطأ جسيم تسبب في زيادة التعطيل، فرغم أن القانون يقرر الفصل في طلب الرد في خلال شهر فقد قامت الدائرة المذكورة بالتأجيل لمدة ثلاثة شهور وتحديدًا إلى جلسة 26 ديسمبر 2011، وبعد أن استشعرت الحرج لما قامت به من خطأ جسيم قررت التنحي، ونظرت طلب الرد دائرة أخرى.
في خلال هذه الفترة جاء يوم 30 أكتوبر 2011 حيث الجلسة المحددة من قبل لنظر الدعويين الأصليتين، فما كان من المستشار أحمد رفعت إلا أن عقد الجلسة فقط لتجديد حبس المتهمين، وقرر التأجيل إلى جلسة 28 ديسمبر 2011.
وقد تم الفصل في طلب الرد برفضه، كذلك في طلب المخاصمة الذى قدمه محامٍ آخر عن الضحايا بعدم القبول، ومن ثم تم استئناف سير المحاكمة مرة أخرى اعتبارًا من 28 ديسمبر 2011، حيث توالت الجلسات حتى قفل باب المرافعة في 22 فبراير 2012 وحجزت للحكم لجلسة 2 يونيو 2012.
الحكم وحيثياته
أصدرت الدائرة الخامسة جنايات القاهرة برئاسة أحمد رفعت حكمًا بمعاقبة حسني مبارك وحبيب العادلي بالسجن المؤبد عما أسند إليهما من الاتهام بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات القتل والشروع في القتل. وبرأت باقي المتهمين من مساعدي العادلي. وقضت بانقضاء الدعوى الجنائية المقامة ضد مبارك ونجليه وحسين سالم في جنايتي استعمال النفوذ وتقديم عطية، وجنحة قبولها بمضي المدة المسقطة للدعوى الجنائية. وأحالت الدعاوى المدنية المقامة أمام المحكمة إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف.
قتل المتظاهرين: إدانة الرموز وبراءة المؤسسة الأمنية
استندت حجة المحكمة في قرارها بالسجن المؤبد للمتهمين على امتناعهما عمدًا عن اتيان أفعالا إيجابية في توقيتات واجبة تقتضيها الحماية القانونية بإصدار قرارات وأوامر وتعليمات وتوجيهات تحتمها عليهما وظيفة كل منهما الحفاظ على الوطن ورعاية المواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم، طبقًا للدستور والقانون.
وقالت المحكمة في حيثياتها أنه قد توافرت في حق المحكوم عليهما جميع عناصر الجرائم السلبية (الامتناع)، من الإحجام عن فعل – يلزم قانونًاً أداؤه - وصدور فعل الامتناع عن إرادة واعية، وترتب عنه نتائج إجرامية بحق الضحايا.
وأشارت لاستنادها لقيام المحكوم عليهما بالاشتراك مع "مجهولين" في قتل المتظاهرين، واستند الحكم إلى أحكام محكمة النقض التي تعرف الشريك، بأنه من يستمد صفته من فعل الاشتراك الذى ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة، أي شريك في الجريمة، وأن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما بالظروف المحيطة بالدعوى، والظروف المحيطة تنم عن قصدهما قتل المجني عليهم وإزهاق أرواحهم. وسند ذلك استخدام الفاعلين الأصليين أسلحة نارية وخرطوش، قاتلة بطبيعتها، ما أدى لوفاة وإصابة المجني عليهم. وقد ذهبت إرادة المتهمين إلى هذه النتائج الإجرامية بامتناعهما.
وهنا تجدر الإشارة لخلو حيثيات الحكم من تلك النصوص الدستورية أو القانونية التي تلزم مبارك والعادلي فقط، بالحفاظ على أمن البلاد والأرواح والممتلكات، ولا تلزم غيرهما.
وقد استندت المحكمة في حكمها بتبرئة مساعدي العادلي إلى عدة عناصر منها:
- أنها لم تطمئن لما ورد في أقوال المئات من الشهود والتي ارتكنت إليها النيابة عند التدليل على قيام رجال الشرطة بقتل المتظاهرين والشروع في قتلهم. ورأت المحكمة أن هذه الأقوال قد تم الإدلاء بها في ظروف غير طبيعية، أحاط بها غرض "الكيل والعدوان" لجهاز الشرطة بعينه. ذلك فضلا عن إقرار النيابة العامة بنص أمر الإحالة بوجود عناصر أجنبية وقيام هذه العناصر بتنفيذ مخططاتها، لذلك التفتت المحكمة عنها جميعًا.
- عدم ضبط الفاعلين الأصليين، حتى يمكن التأكد من ثبوت صلتهم بجهاز الشرطة، أو بالمتهمين، ومعرفة دور المتهمين في تحريضهم أو مساعدتهم من أجل ارتكاب جرائم القتل ضد المتظاهرين.
- خلو أوراق الدعوى والمضبوطات من أي أدلة مادية، تثبت أن الفاعلين الأصليين هم ضباط وأفراد الشرطة. وخلوها من ذخائر معتبرة تطمئن إليها المحكمة، ما تم تقديمه للمحكمة خلا من كتابات أو علامات او أرقام أو بيانات تدلل على علاقتها ونسبتها جزماً ويقيناً إلى جهاز الشرطة.
- خلو أوراق الدعوى من تسجيلات صوتية أو مرئية، تثبت أن ضباط وأفراد الشرطة هم الفاعلون الأصليون.
- خلو أوراق الدعوى والمضبوطات بها، من ضبط أي اتصالات سلكية أو لاسلكية، أو تسجيلات أو مكاتبات أو أوراق أو تعليمات مكتوبة أو شفوية لوجود اجتماعات تثبت قطعيًّاً اتفاق المتهمين المذكورين فيما بينهم، أو تحريضهم أو مساعدتهم لآخرين من ضباط وأفراد قوات الشرطة على ارتكاب جرائم القتل ضد المتظاهرين.
- لم تطمئن المحكمة إلى ما تم إثباته بدفاتر مخازن السلاح لقطاعات الأمن المركزي، التي لم يتم ضبطها في وقت معاصر للأحداث مما يتيح فرصة التلاعب بها بالحذف أو الإضافة، فضلًا عن خلو تلك الدفاتر من تعليمات أو توجيهات تدل دلالة قاطعة على قيام ضباط وأفراد الشرطة بإطلاق الأعيرة النارية صوب المتظاهرين.
- خلو أوراق الدعوى من أدلة فنية قطعية، تثبت أن وفاة وإصابة المجني عليهم، قد حدثت من أسلحة، أو سيارت لقوات الشرطة.
- التقارير الطبية، وإن كانت دليلاً على حدوث الإصابة، لكنها لا تصلح كدليل يحدد شخص مرتكبها.
- إن فعل الامتناع لا يتوافر إلا في حق المتهمين مبارك والعادلي، بينما لا يتوافر في حق معاوني العادلي. أشارت المحكمة لمسئولية العادلي فقط عن الأمن، ولم تشر إلى مسئولية معاونيه التضامنية، التي تظهر بسندها في قرارات تعيينهم، وفي التوصيف الوظيفي لهم. المحكمة ذكرت فقط أن المبرئين من مساعدي العادلي في مراكز قانونية مختلفة، بينما أسندت لمبارك والعادلي بحكم منصبهما ـ رئيس الجمهورية ووزير الداخلية ـ أن لهما سلطة اتخاذ القرار منفردين. معتبرة المتهمين ليسوا إلا أدوات تنفيذ في يد مبارك والعادلي. ووفقا لرؤية المحكمة فإن الفقه الاسلامي فرق بين القادر على منع الجريمة وإنجاء المجنى عليه من الهلكة فهو مسئول جنائيا عن سكوته ويعتبر مشاركا في الجريمة ومعينا للجناة، وبين من لم يقدر على منع الجريمة أو إنجاء المجني عليهم من الهلكة فلا مسئولية عليه إذا سكت ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإجمالاً، فإن الحيثيات بهذه الصورة التي هي عليها، تدفعنا إلى الظن بوجود ميل لدى المحكمة لتبرئة جهاز الشرطة من قتل المتظاهرين، عبر تبرئة معاوني العادلي. وهي خطوة إلى الوراء في مواجهة المؤسسة الأمنية وتعكس الرغبة في الاكتفاء بإدانة المتهمين الأبرز إرضاء للرأي العام دون المساس بالمؤسسة ذاتها.
وكذلك تركت النيابة العامة الفاعلين الأصليين مركزة جهدها على إدانة الشركاء من القادة، حتى توفر عناء البحث عن الأدلة وتمحيصها، وتقديم أدلة إدانة وافية للمحكمة، تغطي عناصر الجريمة بكاملها. وبمثل هذا فعلت المحكمة، فلم تتفحص وتدقق هي الأخرى فيما توافر من الأدلة التي قدمتها النيابة العامة - مع كل ما يشوبها من قصور وعوار- من أجل تكوين عقيدتها. وكان مستغرباً أنها قد استبعدت كل الأدلة، ونظرت إلى القضية بنظرة بعيدة. كأنما لخصت هدفها في إقرار العدالة بحق المسئولين الأولين، رئيس الجمهورية ووزير الداخلية. وسعت لتكييف الاتهامات ضدهما، دون جهد معتبر لإثبات كل دليل قدمته النيابة العامة لها، أو قال بوجوده الضحايا ووفروه، فمنحت حماية لجهاز الشرطة ورجال إدارة آلة القمع، أن تصل إليها يد العدالة.
صحيح أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة إليه، وله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها، وله أن يضع ما يشاء منها. لكن إهدار كافة الأدلة بين بوضوح عقيدة المحكمة، المتمثلة في عدم إدانة جهاز الشرطة، فالتفتت عن كل دليل قد يدين هذا الجهاز.
الدعوى كان بها العديد من الأدلة وقد أشرنا لأبرزها عالية، ومنها أقوال الشهود، والأحراز المادية من أسلحة وذخائر، والمقاطع الفيلمية المصورة التي قدمتها النيابة العامة ووفر بعضها المدعون. كذلك هناك تقرير لجنة تقصي الحقائق، وجميعها تشير لتورط رجال الشرطة في قتل المتظاهرين. أما عن التقارير الطبية فمن المعروف أن مهمتها ليست إثبات كنه فاعل الإصابة، بل بيان الإصابة وكيفيتها وأثرها على الضحية. أما عبء تحديد نوع السلاح محدث الإصابة ومعرفته فيقع على المعمل الجنائي، الذي – وهذا غاية في الغرابة - لم تلجأ إليه النيابة العامة، للقيام بمسئوليته، ولم تعرض عليه الأحراز، لتحديد هوية الأسلحة التي قامت بتحريزها، أو معرفة بصمة السلاح من خلال الطلقات التي قامت بتحريزها، وذلك للوصول إلى الفاعل الأصلي، فالأدلة مكملة بعضها إلى بعض.
استخدمت المحكمة كافة ما كفله لها القانون من حرية في تكوين عقيدتها، وحرية التعويل على دليل أو الالتفات عنه، أو حتى تجزئة الدليل، فقد عولت بمفهوم الشريك على أنه الاشتراك في الجريمة. وكان مستغرباً وقد ساقت هذه القناعة، أنها لم تتعامل بها مع معاوني العادلي. فنجد من بين تناقضات الحيثيات أن العديد من الأسباب التي ساقتها المحكمة لتبرئة معاوني العادلي، قد التفتت عنها وهي تدين مبارك والعادلي. فالفاعلون الأصليون – بحسب عقيدة المحكمة - لا زالوا مجهولين في عرفها، ولم يتم التوصل إليهم، ولا توجد تسجيلات صوتية أو مرئية، أو أي اتصالات سلكية أو لاسلكية، أو أدلة مادية تشير لوجودهم، فقط تعول على ورود تقارير بدخول مندسين، وأطراف أجنبية هي من قتلت المتظاهرين.
استندت المحكمة في إدانتها على أقوال الشهود الرسميين الذين طلبت سماعهم وهم عمر سليمان، ومنصور العيسوي، ومحمود وجدي، والمشير طنطاوي. وكونت عقيدتها بناء على هذا الدليل، لتثبت علمهما بالوقائع لتدينهما لمسئوليتهما بالامتناع عن التزام قانوني، ترتبت عليه نتائج إجرامية، وهو ما يعني أن أوراق القضية كما قدمتها النيابة للمحكمة، لا يوجد بها دليل إدانة واحد ضد أي من المتهمين. تركت المحكمة كل عمل النيابة برمته، ولم تقف على دليل يشير بإصبع الإدانة لمعاوني العادلي، ولم تجد من أدلة إدانة مبارك والعادلي، إلا هذا الذي التقطته من شهود طلبت سماع شهاداتهم من غير من أدلى بشهادته أمام النيابة.
وتعليل المحكمة براءة معاوني العادلي بعدم وجود دليل بالأوراق، يدعو للتساؤل لماذا لم تستجب المحكمة لطلبات دفاع الضحايا، وتعيد الأوراق إلى النيابة [23]، للتحقيق مع خصوم جدد من شأن التحقيق معهم الوصول للفاعلين الأصليين، واستكمال الأوراق، حتى يمكن استيفاء موجبات العدالة، وعدم السماح بإفلات مجرمين من العقاب، والتنبه إلى أن هذا يقع لأسباب عائدة إلى قصور في عمل النيابة وليس لاستحالة الوصول للفاعلين، وهو ما يبين دور المحكمة السلبي في عدم الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة.
إضرار العادلي ومعاونيه بالمال العام، ومسئوليتهم عن الانفلات الأمني
كما برأت المحكمة العادلي ومساعديه[24] من تهمة الإضرار بالمال العام، إذ لم يثبت للمحكمة أن المتهمين قد أصدروا التعليمات بسحب قوات الشرطة المنوط بها حراسة المرافق والمنشآت العامة والممتلكات الخاصة. كذلك خلت الأوراق من تحديد ماهية الأضرار بمركز البلاد الاقتصادي، أو بمصلحة قومية معتبرة.
وهذا يعنى أن قوات الشرطة انسحبت من تلقاء نفسها. وهو قول مناقض لحيثيات الحكم على العادلي ومبارك. ويصور الأمر على أن قوات الشرطة صاحبة قرار، ولا تأتمر بأوامر رؤسائها. وحتى في حالة القوة القاهرة، فإنه تجب المساءلة أولًا هل أوفوا بأقصى التزاماتهم القانونية، ثم فقدوا السيطرة على الأمر، أم لا. وإلا وقعوا تحت المساءلة. مختصر القول أن بين سطور هذا الحكم الكثير من الرغبة في تبرئة جهاز الشرطة.
البراءة من اتهامات تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار متدنية
برأت المحكمة مبارك فيما نسب إليه من اتهامات بشأن تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار متدنية. وذلك بغرض تربح المتهم حسين سالم. ما نتج عنه إضرار بالمال العام. واستندت في ذلك إلى أقوال عمر سليمان الذى شهد بأن مبارك لم يتدخل في تسعير تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى دولة إسرائيل، عبر شركة شرق المتوسط للغاز، وأن الذي كان يقوم بتحديد السعر هو هيئة البترول. وأفاد أن تفاصيل التعاقد والأسعار لم تعرض على رئيس الجمهورية السابق، كما يوجد بالأوراق صورة ضوئية من خطاب منسوب لعاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء عام 2000 موجه لرئيس مجلس إدارة شركة شرق المتوسط للغاز، تضمن أن مجلس الوزراء قد اتخذ قرارًا بجلسة 18 سبتمبر 2000 بتحديد أسعار بيع الغاز الطبيعي عن طريق الهيئة العامة للبترول.
وقد التفتت المحكمة عن كافة ما قدمته النيابة العامة من أدلة ضده[25].
قبول وأخذ عطية: انقضاء التهمة بالتقادم
أما فيما يخص قبول وأخذ العطية من فيلات بشرم الشيخ سواء من مبارك مقابل استغلال نفوذه لتخصيص أراضٍ لحسين سالم بسيناء، وقبول نجليه هذه العطية وأخذها، مع علمهما بالأمر، أو حسين سالم لقيامه بتقديم هذه العطية مقابل الحصول على منفعة، فقد قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية استناداً لتقادمها بمضي عشرة أعوام منذ تاريخ وقوع الجريمة.
لقد استفاد حسين سالم من دفاع المتهمين الآخرين، وأفلت من العقاب عن هذا الجرم بانقضاء المدة، رغم أنه لم يحضر أو يقدم دفاعًا.
والحقيقة أن الحكم لا ينكر بحال أنهم لم يرتكبوا الجرم، بل يقول إنه قد مضى على ارتكابه مدة معينة[26].
التقادم ينطبق أيضًا على مبارك، ولكن القول بأن التقادم يبدأ من زوال الصفة أو الخروج من الخدمة بالنسبة للموظف العام، ومن ثم تبدأ مدة العشر سنوات من يوم التنحي، غير صائب، فهذا الأمر مقصور على جرائم الاختلاس فقط، وهى لم تنسب إلى مبارك.
إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة
لم تفصل المحكمة في الدعوى المدنية المقامة من الضحايا، ابتغاء التعويض عما لحقهم من أضرار، وإن كان صدور حكم ضد مبارك والعادلي، يترتب عليه قبول الدعوى المدنية، لثبوت الخطأ من جانب المتهمين والضرر الذى أصاب الضحايا، وثبوت علاقة السببية بينهما. إلا أن المحكمة لم تفصل فيها، وأحالتها للمحكمة المدنية المختصة، ربما هذا محاولة لإقصاء الضحايا من ساحة المحاكمة الجنائية، نظرًا إلى قيام دفاع الضحايا برد القاضي من قبل، وتقديم طلب مخاصمة ضده. وربما أرادت هيئة المحكمة الابتعاد عن الفصل في الأمر، خصوصًا طلب هيئة قضايا الدولة بالتعويض، لأن قبوله يعني دفع كافة التعويضات من المال الشخصي للمتهمين.
نقض الحكم
طعن المتهمان المدانان على الشق المتعلق بإدانتهما، كما طعنت النيابة العامة على أحكام البراءة وانقضاء الدعوى الجنائية الصادرة لصالح الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال مبارك ورجل الأعمال حسين سالم في الجوانب المتعلقة بقبول عطية او إعطائها، وبراءة مبارك من اتهامه باستغلال النفوذ لتربيح الغير في موضوع تصدير الغاز إلى إسرائيل بأسعار متدنية.
استندت النيابة العامة في أسباب النقض الى قصور الحكم في التسبيب، والفساد في الاستدلال، ومخالفة الثابت بالأوراق، والخطأ في تطبيق القانون. أما دفاع مبارك والعادلي فقد استندا في نقضهما للحكم إلى خطأ المحكمة في تطبيق وتأويل القانون، كذلك الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، والاخلال بحق الدفاع.
وكانت أهم أسباب الطعن بالنقض نتيجة لتقاعس النيابة العامة في التحقيقات بالإضافة إلى تناقضات المحكمة في حيثيات حكمها.
طعنت النيابة العامة في الحكم استنادا إلى أن المحكمة لم تمحص الدعوى ولم تحط بأدلة الثبوت فيها، والتفتت عن الأدلة الموجودة بالأوراق في شكل شهادات وتسجيلات مرئية وتقارير طبية ودفاتر مخازن السلاح بقطاعات قوات الأمن المركزي، حيث استندت المحكمة في أسباب الحكم بالبراءة إلى خلو الأوراق من الأدلة وعدم ثبوت دليل على كون الفاعليين الأصليين من رجال الشرطة، وذلك بالمخالفة لما هو ثابت بالأوراق طبقا للنيابة العامة.
أما بخصوص القضية الخاصة بتصدير الغاز لإسرائيل، قالت النيابة العامة أن المحمكمة التفتت عن شهادة عمر سليمان أمام النيابة العامة التي سبقت شهادته في المحكمة والتي أكدت تدخل مبارك في موضوع تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل وتسعيره، وهى دليل هام من أدلة الثبوت.
اما عن إنقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة لجريمة أخذ مبارك ونجليه جمال وعلاء لعطية من حسين سالم وهي مجموعة من الفيلات، قالت النيابة العامة في المذكرة التي تقدمت بها أنه يجب أن تحتسب مدة التقادم من تاريخ لاحق وهو تاريخ الحصول على ملحقات ومستجدات الفيلات وليس تاريخ الحصول على الفيلات.
بينما استغل دفاع مبارك والعادلي عدم وجود اتهام موجه للفاعلين الأصليين. وجاء طعنهما استنادا إلى الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية، لسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامتها، على أساس عدم تحريك الدعوى الجنائية ضد الفاعلين الأصليين. وتمسك بانتفاء أهم أركان جناية القتل أو الاشتراك فيه، وهى نيه القتل، بمعنى إزهاق الروح. فالحكم لم يدلل على توافر نية القتل في حق مبارك، بل لم يذكر سوى الأفعال المادية للعناصر الأجنبية الخارجة عن سيطرة مبارك.
تمسك دفاع العادلي بتناقض الحكم في تأكيده على غياب دليل يقرر أن الفاعلين الأصليين من رجال الشرطة، في وقت يقر اتهام "عناصر مجهولة" بقتل وإصابة المتظاهرين. فكان واحدًا من أسباب الطعن بالنقض أن الحكم قد افترض قدرة العادلي على إتخاذ إجراءات لمنع العناصر الإجرامية المندسة من قتل المتظاهرين، في حين لم يدلل على علمه بذلك.
وأشارت الطعون أن الحكم شابه القصور، إذ لم يبين ماهية القرارات والأوامر والتعليمات التي كان على المدانين إتخاذها لمنع هذه العناصر الخارجية من ممارسة القتل. كما استغل الطاعنون حجة تناقض الحكم، إذ أدان مبارك والعادلي، بالحيثيات ذاتها التي طرحها عن الآخرين قاضيًا ببراءتهم من الاشتراك في قتل وإصابة المتظاهرين.
بالإضافة إلى ذلك، نقد محامو مبارك والعادلي الإدانة المستندة لتهمة الاشتراك، قائلين أن الإدانة للاشتراك في قتل المتظاهرين قد استندت إلى إتيان أفعال سلبية، أي إحجام عن إتيان أفعال إيجابية، رغم أن الاشتراك لا ينتج أثره إلا عن أفعال إيجابية.
واعتبر محامو مبارك والعادلي أن ما سطره الحكم عن أن ثورة 25 يناير 2011، وقعت "نتيجة تردي الأوضاع وانتشار الفساد مما يعد معه مبارك مسئولًا"، كذلك ما سطرته المحكمة من أن العادلي صنع كل ذلك من أجل البقاء في منصبه، إنما هو تعبير عن رأي شخصي وسياسي لقضاة المحكمة، يقدح في حيادهم، بينما يمتنع على القضاة إبداء آرائهم السياسية، وفقا لقانون السلطة القضائية.
هذا الحكم في حيثياته قصر الاتهام على الفترة من 25 – 28 يناير 2011 وحدها، وفيما وقع في ميدان التحرير، بينما غطى أمر الإحالة الفترة من 25 – 31 يناير 2011 في عدة محافظات بالجمهورية. ولهذا تمسك دفاع المدانين بإظهار التناقض بين إدانتهما عن قتل المتظاهرين أو الشروع في قتلهم، في الفترة من 29 – 31 يناير، وفى أماكن غير ميدان التحرير، مع العلم أن المحكمة بخلاف الحيثيات قررت في منطوق الحكم معاقبتهما عن جريمة الاشتراك في قتل المتظاهرين وفقا للوارد بأمر الإحالة.
ولم يزل دفاع المتهمين يتمسك بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه الدعوى، وارتأى وجوب عقد محكمة خاصة لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية وفقا لدستور 1971، الذى كان معطلًا وقت تحريك الدعوى ضدهما.
أوصت المذكرة برأي نيابة النقض (وهي جهة تبدي رأي استشاري غير ملزم للمحكمة، بعد تفنيدها لكل أسباب الطعن بالنقض الواردة بالطعون المقدمة من مبارك والعادلي والنيابة العامة كافة) بقبول الطعون المقدمة من مبارك والعادلي بنقض الحكم، وإعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة، للحكم فيها من جديد بدائرة أخرى. كذلك رأت قبول طعن النيابة بالنقض والإعادة بالنسبة لما قضى فيه من براءة لمساعدي العادلي الست. كما رأت برفض نقض الحكم فيما يخص اتهام مبارك باستغلال النفوذ لتربيح الغير في موضوع تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وكذلك الحال بالنسبة لاتهامه ونجليه بقبول واخذ عطية، والاتهام ضد حسين سالم بتقديم عطية.
وقد نظرت الدائرة الجنائية "ب" برئاسة المستشار أحمد عبد الرحمن طعون النقض جميعها. حيث انعقدت يوم 23 ديسمبر 2012 أولى جلسات الطعن بالنقض. وصدر الحكم يوم 13 يناير 2013 بقبول جميع الطعون المقدمة إلى المحكمة وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
ملحق 1: مخطط زمني لسير المحاكمة
التاريخ |
الحدث |
16 فبراير 2011 |
بدء النيابة العامة في إجراءات التحقيق في قضية الانفلات الأمني وقتل المتظاهرين، المتهم فيها وزير الداخلية وستة من معاونيه |
27 فبراير 2011
|
بدء التحقيق مع حبيب العادلي في قتل المتظاهرين |
23 مارس 2011 |
إحالة قضية العادلي ومعاونيه لمحكمة الجنايات (في الدعوى رقم 1277 لسنة 2011 جنايات قصر النيل) |
8 ابريل 2011 |
اندلاع المظاهرات السلمية المطالبة بمحاكمة مبارك |
12 إبريل 2011 |
بدء التحقيق مع مبارك |
13 إبريل 2011 |
قرار النائب العام بحبس مبارك احتياطيًّاً لمدة 15 يومًاً، مع قرار إبقائه تحت الحراسة في مستشفى شرم الشيخ الدولي لظروف مرضه |
26 إبريل 2011 |
بدء جلسات المحاكمة في قضية العادلي في الدائرة الرابعة جنايات، برئاسة عادل عبد السلام جمعة |
24 مايو 2011 |
إحالة النيابة العامة قضية مبارك لمحكمة الجنايات في الدعوى رقم 3642 لسنة 2011 جنايات قصر النيل |
25 يوليو 2011 |
القاضي عادل عبد السلام يتخذ قرارًا بإحالة قضية العادلي إلى الدائرة التي ستنظر محاكمة مبارك |
3 أغسطس 2011 |
بدء جلسات محاكمة مبارك في الدائرة الخامسة جنايات برئاسة أحمد رفعت |
4 أغسطس 2011 |
جلسة فض الأحراز في قضية العادلي |
14 أغسطس 2011 |
استكمال الاطلاع على الأحراز من الـ سي ديهات وطلبات من الخصوم |
15 أغسطس 2011 |
قرار ضم قضيتي العادلي ومبارك وإحالتهما للدائرة الخامسة جنايات |
15 أغسطس 2011 |
المستشار أحمد رفعت يتخذ قراراً بوقف البث المباشر للمحاكمات |
5 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال الشهود: حسين سعيد محمد موسى، عماد البدري سعيد، باسم محمد صلاح الدين العطيفي، محمود جلال عبد الحميد |
7 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال الشهود: محمد عبد الحكيم محمد علي موسى، عبد الحميد إبراهيم راشد أبو اليزيد، طارق عبد المنعم عبد الحكيم
|
8 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال الشهود: عصام حسني عباس شوقي، حسن عبد الحميد أحمد فرج
|
11 سبتمبر 2011 |
كانت محددة لسماع أقوال المشير طنطاوي لكنه لم يحضر |
13 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال عمر سليمان |
14 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال اللواء محمود العيسوي وزير الداخلية السابق |
15 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال اللواء محمود وجدي وزير الداخلية الأسبق |
24 سبتمبر 2011 |
سماع أقوال المشير طنطاوي، ودفاع الضحايا بطلب رد المحكمة |
30 أكتوبر 2011 |
تجديد حبس المتهمين، ولم يفصل في طلب الرد |
28 ديسمبر 2011 |
أول جلسة بعد رفض طلب الرد |
2 يناير 2011 |
سماع طلبات الخصوم |
3 – 4 – 5 يناير 2011 |
مرافعة النيابة |
9 – 10 يناير 2012 |
مرافعة دفاع المدعين بالحق المدني |
17 – 18 – 19 – 21 – 22 يناير |
مرافعة دفاع مبارك ونجليه |
23 – 24 – 26 – 28 – 29 – 30 يناير 2012 |
مرافعة دفاع العادلي |
31 يناير – 1،2،5 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع أحمد رمزي |
6 – 7 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع عدلي فايد |
8 – 9 – 10 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع حسن عبد الرحمن |
12 – 13 – 14 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع إسماعيل الشاعر |
15 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع أسامة المراسي |
16 فبراير 2012 |
مرافعة دفاع عمر الفرماوي |
20 فبراير 2012 |
سماع تعقيب المدعين بالحق المدني والنيابة العامة |
22 فبراير 2012 |
سماع تعقيب دفاع المتهمين، وغلق باب المرافعات وحجز الدعوى للحكم |
2 يونيو 2012 |
صدور الحكم بمعاقبة مبارك والعادلي بالسجن المؤبد، وبراءة معاوني العادلي الستة في الاتهام بقتل المتظاهرين انقضاء الدعوى بالنسبة لعلاء وجمال ومبارك وحسين سالم، من الاتهام بالحصول على المنفعة أو تقديم منفعة براءة مبارك من الاتهام باستغلال نفوذه من أجل تربيح حسين سالم بتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار متدنية مهدرًا المال العام |
31 يوليو 2012 |
إيداع مذكرات أسباب الطعن في الحكم بمحكمة النقض |
23 ديسمبر 2012 |
أول جلسة أمام محكمة النقض للنظر في نقض الحكم |
13 يناير 2013 |
صدور الحكم بقبول جميع الطعون المقدمة إلى المحكمة وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى |
ملحق 2: المتهمون والتهم الموجهة إليهم
الدعوى رقم 1277 لسنة 2011 جنايات
المتهم/صفته |
الاتهامات الموجهة إليه |
الأول: حبيب إبراهيم العادلي وزير الداخلية السابق |
- |
الثاني: أحمد محمد رمزي عبد الرشيد مساعد وزير الداخلية ورئيس قوات الأمن المركزي السابق |
|
الثالث: عدلي مصطفى عبد الرحمن فايد مساعد أول وزير الداخلية ومدير مصلحة الأمن العام السابق |
|
الرابع: حسن محمد عبد الرحمن يوسف مساعد أول وزير الداخلية ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق |
|
الخامس: إسماعيل محمد عبد الجواد الشاعر، مدير أمن القاهرة السابق |
|
السادس: أسامة يوسف إسماعيل المراسي مدير أمن الجيزة السابق وحاليا مساعد الداخلية لشئون التدريب |
|
السابع: عمر عبد العزيز حسن فرماوي مدير أمن 6 أكتوبر |
|
الدعوى رقم 3642 لسنة 2011 جنايات قصر النيل
المتهم/صفته |
التهم الموجهة إليه |
الأول: محمد حسني السيد مبارك رئيس جمهورية مصر العربية السابق |
|
الثاني: حسين سالم رجل أعمال |
|
الثالث: علاء محمد حسني السيد رجل أعمال (نجل المتهم الأول) |
|
الرابع: جمال محمد حسني السيد أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي (نجل المتهم الأول) |
|
[1]بموجب المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية.
[2] أوراق القضية رقم 1277 لسنة 2011 جنايات قصر النيل.
[3] وربما هذا يفسر شيئًاً من دخول هيئة قضايا الدولة كخصم ضد المتهمين. وغير المعتاد في هذه القضية، أن نرى بخلاف الضحايا وأسرهم، هيئة قضايا الدولة كمدعية بالحق المدني وليست مسئولة عن الحقوق المدنية لكون المتهم موظفين عموميين والجرم كان باستخدام مناصبهم وأدوات المرافق التي يقوموا بإداراتها.
[4] تطلبت المحاكمة العديد من الإجراءات الأمنية سواء عند نقل المتهمين من محبسهم (بقي نجلا المخلوع والعادلي ومساعدوه في سجن طرة، في حين أودعت النيابة مبارك في المركز الطبي العالمي وكان ينقل بطائرة ثم سيارة إسعاف خاصة)، أو تأمين مكان المحاكمة، وكذلك تأمين هيئة المحكمة.
[5] أسامة المراسي، وعمر الفرماوي.
[6] 1 – لواء مهندس/ حسين سعيد محمد موسى – مدير إدارة الاتصالات بالأمن المركزي في أثناء الواقعة.
2 – الرائد / عماد بدرى سعيد محمد – غرفة العمليات برئاسة قوات الأمن المركزي.
3 – النقيب/ باسم محمد حسن – غرفة العمليات برئاسة قوات الأمن المركزي.
4 – الرائد / محمود جلال عبد الحميد – قوات الأمن المركزي.
5 – النقيب / محمد عبد الحكيم محمد علي – الأمن المركزي قطاع أحمد شوقي.
6 – الرقيب / عبد الحميد إبراهيم راشد – رقيب سلاح بالكتيبة الأولى قطاع البساتين.
7 – السيد / طارق عبد المنعم عبد الحكيم – ضابط شرطة سابق.
8 – المقدم /عصام حسني عباس شوقي –الإدارة العامة لشئون المجندين.
9 – حسن عبد الحميد أحمد فرج - مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن والتدريب ـ سابقًا.
[7] كانت جلسات الاستماع للشهود غير مذاعة لكن المحكمة سمحت بحضور إعلاميين لهذه الجلسات.
[8] النيابة العامة حركت الدعوى الجنائية ضد الشاهد محمد عبد الحكيم محمد، بتهمة الشهادة الزور لتغيير أقواله أمام المحكمة وقد برأته المحكمة بذات الجلسة.
[9] تجدر هنا الإشارة إلى أن محمود وجدي كان يشغل منصب وزير الداخلية في أثناء حدوث موقعة الجمل، ومثل حضوره كشاهد سببًاً لسخط الضحايا وذويهم والثوار فالجميع توقع أن يراه متهمًاً وليس شاهدًاً.
[10] المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية.
[11] قرار وزير الداخلية 156 لسنة 1964 في شأن تنظيم استعمال الأسلحة النارية.
[12] قراروزير الداخلية بشأن تسليح قوات الأمن 8745 لسنة 2000.
[13] كان فريد الديب صاحب المفاجآت الواهية، يومًا يتمسك بأن مبارك فريق في القوات المسلحة، ويومًا يقرر أنه لازال رئيس جمهورية، ويومًا يقرر مسئولية القوات المسلحة عن الأحداث، حيث أنه أنيط بها مهمة حفظ الأمن يوم جمعة الغضب، وهكذا.
[14] أصدرت السفارة الأمريكية بيانًا تكذب فيه هذه الأقاويل بتاريخ 26 يناير 2011.
[15] المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية :"تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة، وفى مواد الجنح بمضي ثلاث سنين، وفى مواد المخالفات بمضي سنة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك..."
[16] كان يحق لسالم حال تسليم نفسه أو القبض عليه إعادة الإجراءات، أي تعاد محاكمته مرة أخرى حال صدور حكم غيابي ضده، لكنه حظي بالبراءة فانقضت الدعوى.
[17] عادة ما يكون اتجاه دفوع هيئة قضايا الدولة في المحاكمات التي تتناول أعمال الدولة لصالح المتهمين من موظفيها، وتطرح دفوعًاً تكفل عدم إدانة المتهمين وتجنيب خزانة الدولة كلفة التعويضات.
[18] المادة 99 من قانون الشرطة:" يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون
الأحكام العسكرية كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطـة وضباط الصف والجنود
ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم.
وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية.
ويحدد وزير الداخلية بقـرار مـنه بعد أخـذ رأي المجلس الأعلى للشرطـة جهات وزارة الداخلية التي تتولـى الاختصاصات المنصوص عليها في القانـون
المذكور للجهات المبينة فيه، كما يـصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة ".
[19] أخطر المكتب الفني للمحامي الأول تليفونيا بنقل مبارك.
[20] المادة 77، و271 من قانون الإجراءات الجنائية.
[21] كان القاضي يمنح فرصًاً لمحاميي الضحايا للتحدث، لكن غالبا ما كان يتم استغلالها على نحو غير منظم، فتشيع حالة من الصخب وعدم النظام. وهو ما يضطر القاضي لقطع حديثهم. وللإنصاف فإن هذا أمر طبيعي في ضوء ضخامة عدد الضحايا، ما بالنا لو علمنا أن كل ضحية قد مثل عنها محام، ذلك دون اتفاق أو تنسيق بين كل هؤلاء. ومن حق كل محامٍ التحدث عن موكله، هذا بخلاف أن قضية تاريخية مثل هذه تثير لعاب أي شخص يطمح في الشهرة والظهور الإعلامي، فما بالنا بمحامين، الشهرة بعض من أدوات مهنتهم.
[22] كان رأى المحامين وفقا لما طرح من آراء أنه لا يحق للقاضي عادل عبد السلام نظر الدعوى طالما تقدم أحد المحامين عن الضحايا بطلب لرده، ولم يفصل في طلب الرد.
عندما قرر محامي أحد الضحايا رد المحكمة بجلسة 26 يونيو 2011 قررت المحكمة برئاسة عادل عبد السلام التأجيل لجلسة 25 يوليو 2011، ولم يبت في طلب الرد.
كان لزامًا عليه عقد الجلسة المحددة سلفا لعدة أسباب أهمها تجديد حبس المتهمين المحبوسين، وإلا سوف يخلى سبيلهم فوراً، لمرور شهر دون الفصل في طلب الرد، وقد استطاع أن يبتعد عن الفصل في القضية قبل أن يكون السبب قبول طلب رده، فأحال القضية إلى ذات الدائرة التي سوف تنظر قضية مبارك.
المستشار أحمد رفعت ـ رئيس الدائرة الخامسة جنايات التي أحيلت إليها قضية العادلي والتي تنظر قضية مبارك أيضا، تصرف بذكاء قانوني وتمسك بمنطوق قرار القاضي عادل عبد السلام جمعة بإحالة القضية للدائرة الخامسة الجنائية شمال القاهرة لنظرها بجلسة 3/8/2011 مع القضية رقم 3642 لسنة 2011 جنايات قصر النيل، مع استمرار حبس المتهمين الخمس الأول، ونبه على المتهمين السادس والسابع والمدعين بالحق المدني ودفاعهما.
مع أن القاضى عادل عبد السلام له سلطة اصدار قرارًا بإحالة القضية التي ينظرها إلى دائرة أخرى لتنظر مع قضية أخرى، لكن الضم يعني جلب القضية الأخرى إلى الدائرة التي يرأسها لتنظر الاثنتين معا، وبإحالة القضية إلى دائرة أخرى لا يكون له أي صلاحيات في ضم القضيتين. فهى مسألة منوط بها رئيس الدائرة التي أحيلت إليها الدعوى.
[23]المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية.
[24]هذا الاتهام لم ينسب لأحمد رمزي ـ رئيس قوات الأمن المركزي ـ وقت الأحداث.
[25]جدير بالذكر ان محكمة جنايات القاهرة في 28 يونيو 2012 حكمت بالسجن المشدد لمدة 15 عام ضد سامح فهمي وزير البترول الأسبق والمتهم الهارب حسين سالم في قضية تصدير الغاز لإسرائيل.
[26]حددتها المادة 15 من قانون العقوبات بعشر سنوات في الجنايات، والمغزى من التقادم استقرار الأوضاع القانونية.