100 يوم من غير يارا
100 يوم مرت على اعتقال يارا سلام، مسئولة العدالة الانتقالية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والناشطة في مجال حقوق الإنسان. 100 يوم قضتهم يارا في سجن النساء بالقناطر مع ست أخريات تم القبض عليهن معها، بعد تفريق مظاهرة ضد قانون التظاهر في ٢١ يونيو الماضي، بالإضافة إلى 16 شاب يشاركون البنات التحقيقات والحبس الاحتياطي في سجون الرجال.
100 يوم من الحبس الاحتياطي غير المبرر وغير المنصف، فالحبس الاحتياطي في كتب القانون هو إجراء الهدف الرئيسي منه هو ضمان ألا يعبث المتهم بالأدلة، أو أن يقوم بتهديد شهود الإثبات، كما يضمن حماية المجتمع من عودة المتهم لارتكاب الجريمة، إذا كان يشكل خطورة ما، أو حماية المتهم نفسه من المجتمع أحيانا. أما الحبس الاحتياطي على أرض الواقع في قضية يارا وزملائها هو أشبه بعقوبة على جريمة لم تتم فيها الإدانة بعد، تخوفا من حالة أن يحصل المتهمون على البراءة، دون قضاء بعض الوقت في السجون. تشترك يارا وزملائها في عقوبة السجن الاحتياطي المطول مع آلاف المحتجزين على ذمة قضايا سياسية.
في المقر الرئيسي للمبادرة المصرية، أصبح مكتب يارا الخالي لليوم المائة على التوالي أمرًا يبعث على الأسى والغضب للجميع. ليس فقط ﻷنها كانت الصديقة المبتسمة دائما والزميلة التي لا تتوقف عن تشجيع الجميع، بل ﻷنها كذلك واحدة من أبرز الباحثين في المبادرة وأكفأهم. فيارا سلام هي مسئولة ملف العدالة الانتقالية بالمبادرة، وكذلك هي مدافعة بارزة عن قضايا المرأة لفترة طويلة. احتجاز يارا خسارة كبيرة لحقوق الإنسان في مصر.
التحقت يارا بالمبادرة ﻷول مرة في 2008، كانت وقتها طالبة في المرحلة الجامعية، كانت المبادرة المصرية في حاجة إلى باحث جديد يبدأ ملف "حرية الدين والمعتقد". تقول سها عبد العاطي، مديرة البرامج بالمبادرة "على الرغم من أن يارا كانت صغيرة السن، ولم يكن لديها خبرة في مجال حقوق الإنسان، إلا أنها أحدثت طفرة في عمل المبادرة".
“التقرير الربع سنوي اﻷول عام 2008، الذي أنجزته يارا، يعد من أهم التقارير التي أنتجتها المبادرة المصرية على الإطلاق، وذلك بشهادة العديد من الباحثين في مجال حقوق الإنسان في مصر، حيث عمل على سد ثغرة معلوماتية مهمة في مجال حرية الدين والمعتقد"، تضيف سها.
تركت يارا المبادرة في 2009 لتبدأ دراستها في مرحلة الماجستير، وعملت بعد ذلك في اللجنة اﻷفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بجامبيا، قبل أن تأتي إلى مصر لتشارك في الثورة في 2011، ثم عملت في مركز نظرة المختص بحقوق النساء وبرزت كإحدى الناشطات النسويات أيضا، ثم عادت إلى المبادرة المصرية في 2013 لتعمل في ملف العدالة الانتقالية.
بالأمس سافر أسامة دياب، الباحث في وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية، إلى جنوب أفريقيا ليتحدث في أحد المؤتمرات عن اﻷموال المصرية المنهوبة في المرحلة الانتقالية. “كان من المفترض أن تسافر يارا معي، فهي كانت تقود ذلك المشروع" وأضاف دياب "يارا كانت تفضل دائما العمل مع مجموعة، فكونها مسئولة ملف العدالة الانتقالية، لم تعمل أبدا وحدها، وكانت دائما تجمع الباحثين المختلفين لدعم البرامج الخاصة بالعدالة الانتقالية وتنسق بينهم".
بجانب العمل، تجمع بين يارا والعديد من العاملين في المبادرة علاقات صداقة قوية، في صباح كل يوم أحد، يتلقى أصدقاء يارا رسائلها من السجن، والتي لا تنسى أن تزينها بالقلوب وكلمات الحب واﻷمل، التي اعتادت أن تظهرهما في معاملاتها اليومية في المكتب، وطوال اﻷسبوع يجمع اﻷصدقاء رسائلهم ليعطوها ﻷهل يارا حتى يوصلونها لها في موعد الزيارة القادم.
يقول دياب "أنا ويارا أصبحنا أصدقاء في زمن قياسي، وهذا التوازن بين علاقة عمل قوية ومنتجة وعلاقة صداقة ناجحة، من الصعب أن تجده في شخص ما. ولكن هذا التوازن هو ما يُعرّف علاقة يارا بالعديد من زملائها".
كذلك تقول مها الترك، مديرة المكتب الرئيسي للمبادرة، عن يارا "من أول يوم تعرفت عليها، تقريبا منذ 4 سنوات، وهي الشخص الذي لديه طاقة مختلفة، طاقة فيها هدوء وسكينة، بداخلها طفولة وبراءة وفي نفس الوقت بداخلها طموح وصدق".
وتضيف مها "لا تبحث يارا في شغلها أو تعاملها مع الناس عن الظهور، بل تساعد دون مقابل. دون طلب المساعدة منها في وقت الشدة أو الضيق، قد تجد يارا، لمجرد إحساسها بانشغالك بمشكلة ما، تأتي إليك بابتسامتها التي ترسم الغمازات الجميلة على خدها، وتجدها تعطيك شئ ما هي تعلم أنك تحبه، بعد ذلك ستنسى تماما مشكلتك".