المؤشرات السكانية: من هن المستبعدات؟
في أحد مواقع جمع البيانات في القاهرة، سألت ممرضة عمّا إذا كان بإمكان أي امرأة الدخول إلى وحدة الرعاية الصحية للحصول على وسائل منع الحمل، فأومأت بالإيجاب. شعرت بالحيرة لوهلة وثم سألتها عن المتطلبات؛ وعندها أوضحت أنه ينبغي تقديم بطاقة الزوج لفتح ملف للأسرة في وحدة الرعاية الصحية . هنا أصبح كل شيء واضحاً، فمنظومة الرعاية الصحية لا تنظر إلى النساء غير المتزوجات كمستخدمات لوسائل منع الحمل. حيث إن جميع رسائل التوعية بشأن إزالة العقبات التي تحول دون الحصول على وسائل منع الحمل تسعى إلى استهداف النساء المتزوجات.
لقد أصبحت الزيادة السكانية مصطلحاً شائعاً في مصر على مدى السنوات الماضية؛ فبعد عقد من مناقشة الزيادة السكانية على إنها فرصة (Sayed, 2011)، أصبحت الآن التحدي الأكبر الذي يواجه التنمية، أو على الأقل يتم تقديمها بهذا الشكل. ففي وقت سابق من هذا العام، شهدنا مناقشات عامة بشأن الزيادة السكانية اقترنت بصياغات رجعية للسياسات الوطنية تنقل رسالة مفادها خفض عدد الأطفال لكل أسرة وزيادة استخدام وسائل منع الحمل الحديثة. وهناك رسالة واحدة متسقة في جميع حملات التوعية الحالية وهي تلك التي تبرر تنظيم الأسرة بأنه أمر ملائم على الصعيد القومي، وأنه يبدو الأفضل للصالح العام. وهنا يطرح السؤال التالي: كيف يمكن تحقيق الصالح العام إذا تجاهلنا النساء بشكل منهجي؟
وعلى الرغم من الغياب العام للبيانات الموثوقة خلال الست سنوات الماضية بشأن الاحتياجات والأنماط الإنجابية، وحقيقة أن تحليل الأنماط السكانية في مصر يعتمد بشكل حصري على عدد المواليد، في هذا التعليق يتفحص المؤشرات المستخدمة لوضع الأهداف الاستراتيجية القومية وتحقيقها، وذلك من خلال تسليط الضوء على عدم دقة ربط الحالة الاجتماعية باحتمالية حدوث الحمل.
ولا تقترن الحواجز الهيكلية بتوافر الخدمات وإمكانية الوصول إليها فقط. وهي لا تقتصر على عدد خيارات وسائل منع الحمل المتاحة للنساء في أي نقطة بيع؛ فهي قد تكون أيضاً العدسة التي ننظر من خلالها. حيث يمكن أن يشيّد الحاجز قبل جمع البيانات، وخارج التفاعل محل التركيز بين مقدم/ة الخدمات والعميلة؛ ويمكن أن يتمثل في تعريفنا للأدلة واستخدامنا لها وفي الدراسات المرجعية التي نضعها بوصفنا مهنيين وصناع سياسات. فعلى سبيل المثال، اكتفت المسوحات القياسية للمسح السكاني الصحي الذي يغطي الخصائص السكانية في مصر بين 1988 و2014 باستهداف النساء المتزوجات، مما أدى إلى استبعاد النساء والرجال غير المتزوجين من عيّنات معظم التحليلات بشأن السلوكيات والأنماط الإنجابية. وتسعى مصر إلى الحد من الخصوبة السكانية، حيث إنها وضعت هدفا لمعدل الخصوبة الإجمالي يبلغ 2,4، في حين يبلغ حالياً 2,9 (وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، 2021). ويتم قياس النجاح في تحقيق أهداف تنظيم الأسرة في مصر وأغلبية البلدان بشكل رئيسي من خلال معدل الخصوبة الإجمالي، ومعدل انتشار وسائل منع الحمل، والاحتياجات غير الملباة (Hardee et al., 2014). وسوف يبحث القسم التالي في فعالية هذه المؤشرات.
أهداف ومؤشرات تنظيم الأسرة
ومن الضروري أن تتم قراءة مؤشرات تنظيم الأسرة في سياقها التاريخي؛ حيث ظهرت إلى النور أثناء حقبة الحد من تحديد النسل على مستوى العالم (Senderowicz, 2020). وبالتالي فإنه من الضروري إعادة تقييم كيفية الحفاظ على الحقوق الإنجابية ضمن مؤشرات تحديد النسل. ويوجد حالياً عدد قليل من غايات أهداف التنمية المستدامة التي تتناول الصحة الجنسية والإنجابية؛ وهذه تشمل الغاية 3-7 التي تهدف إلى "ضمان حصول الجميع على خدمات رعاية الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك خدمات ومعلومات تنظيم الأسرة والتوعية الخاصة بها، وإدماج الصحة الإنجابية في الاستراتيجيات والبرامج الوطنية" بحلول 2030. وبما أن البيانات المتاحة التي تغذي هذا الهدف على المستوى الوطني تشمل النساء المتزوجات، وبغية ضمان الشمول على النحو المبين في الغاية 3-7، فإنه ينبغي أن يتم توسيع نطاق البيانات بحيث تشمل جميع النساء في سن الإنجاب بغض النظر عن حالتهن الاجتماعية (Guttmacher Institute, 2015). وهناك أكثر من 90 مؤشراً لتنظيم الأسرة يتم استخدامهم كمرادفات للمؤشرات السكانية، تم إدراج ثلاثة منها في الهدف الثالث لأهداف التنمية المستدامة حول الصحة الجيدة والرفاه والهدف الخامس لأهداف التنمية المستدامة حول المساواة بين الجنسين. ويقيس المؤشر 3-7-1 للهدف الثالث نسبة النساء في سن الإنجاب اللاتي تتم تلبية احتياجاتهن على صعيد تنظيم الأسرة من خلال الوسائل الحديثة؛ ويقيس المؤشر 5-6-1 للهدف الخامس قدرة النساء على اتخاذ قراراتهن المستنيرة بشأن صحتهن الجنسية والإنجابية. وبما أن مصر تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يجب ألا تكون الحالة الاجتماعية محدداً لمدى توافر المعرفة والخدمات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية وإمكانية الوصول إليها. فجميع النساء هن صاحبات حقوق بغض النظر عن حالتهن الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالمؤشر 3-7-1، يتم حساب نسبة الطلب المُشبع من خلال معدل انتشار وسائل منع الحمل الحديثة والحاجة غير الملباة. ويمثل معدل انتشار وسائل منع الحمل النسبة المئوية للنساء في سن الإنجاب اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل في حين يمثل معدل انتشار وسائل منع الحمل الحديثة النسبة المئوية من هؤلاء النساء اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل الحديثة. وبشكل عام، تمثل الحاجة غير الملباة النسبة المئوية للنساء النشطات جنسياً في سن الإنجاب اللاتي لا يرغبن في إنجاب المزيد من الأطفال أو يرغبن في تأجيل الحمل ولا يستخدمن وسائل منع الحمل.
وبشكل عام، هناك الكثير مما يمكن تحليله عندما يتعلق الأمر بالمؤشرات السكانية، على سبيل المثال، تتمحور الحاجة غير الملباة من الناحية النظرية و/أو في الممارسة العملية لجداول أعمال الصحة الإنجابية الوطنية والدولية حول النساء المتزوجات في سن الإنجاب اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل الحديثة؛ وبالتالي يتم استبعاد كلا من النساء المتزوجات اللاتي يستخدمن الوسائل التقليدية والنساء غير المتزوجات اللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل الحديثة أو التقليدية (Kiarie, 2021). حتى عندما يتم وضع الأهداف العالمية لتشمل جميع النساء، فإن مجموعات البيانات الوطنية في العديد من البلدان تُركز على النساء المتزوجات فقط (Fabic & Becker, 2017).
ولا تؤدي هذه المؤشرات السكانية إلى تقويض الحقوق الإنجابية للنساء فحسب – من خلال عدم مراعاة تفضيلاتهن على صعيد استخدام وسائل منع الحمل التقليدية، أو الرغبة في تأجيل أو منع الحمل دون استخدام أي من وسائل منع الحمل – بل إنها تستبعد أيضاً احتياجات النساء غير المتزوجات. فليست جميع النساء المتزوجات نشطات جنسياً، كما أن هناك نساء غير متزوجات نشطات جنسياً! من الضروري تكوين فهم بشأن مختلف الأشكال الخفية لانتهاكات الحقوق الإنجابية، التي يتمثل أحدها في الاستبعاد. فكثيراً ما يرتبط العنف الإنجابي بالتعقيم القسري، ولكنه يتعلق أيضاً بهذا الاستبعاد.
إعادة هيكلة مؤشرات تنظيم الأسرة
تم وضع أحد الأطر البديلة لتنظيم الأسرة في سنة 2014 في استجابة لمؤتمر قمة لندن حول تنظيم الأسرة الذي انعقد في سنة 2012، حيث التزم قادة العالم بتوفير خدمات فعالة لتنظيم الأسرة ومنع الحمل لـ 120 مليون امرأة وفتاة إضافية بحلول سنة 2020 (Hardee et al., 2014). وتبين إحدى الدراسات الوصفية أنه وعلى خلاف المعدل التقليدي لانتشار وسائل منع الحمل (CPR)، الذي قد تتسم تقديراته بأنها منخفضة إلى حد ما، فإن المعدل البديل لانتشار وسائل منع الحمل (ACPR) يشمل وسائل منع الحمل الحديثة والتقليدية وجميع النساء في سن الإنجاب أي أ) النساء النشطات جنسياً في إطار زمني محدد بأثر رجعي؛ ب) والنساء غير الحوامل حالياً؛ ج) والنساء اللاتي لديهن القدرة على الحمل والإنجاب. وتُظهر إعادة قراءة انتشار وسائل منع الحمل من خلال هذا المؤشر البديل أن معدل انتشار وسائل منع الحمل البديل أعلى من معدل انتشار وسائل منع الحمل التقليدي بمتوسط يبلغ 23 نقطة في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والبلدان الآسيوية/بلدان شرق أوروبا وبلدان أمريكا اللاتينية/ بلدان منطقة البحر الكاريبي (Fabic & Becker, 2017). ومؤخراً، أدخلت لي سيندروفيتش (2020) مؤشراً جديداً يسمى "الاستقلالية في وسائل منع الحمل"، الذي تعرفه بأنه "العوامل اللازمة لتمكين شخص ما من اتخاذ قرار بنفسه بشأن ما يريده فيما يتعلق بمنع الحمل ومن ثم تحقيق هذا القرار"، حيث يتم تقسيم المؤشر إلى مجالات فرعية مكونة من الاختيار المستنير، والاختيار الكامل، والاختيار الحر. ويلخص الشكل (1) المقاييس المقترحة من سينديروفيتش لتفعيل هذا المؤشر.
إن الاستقلالية في وسائل منع الحمل التي تحدثت عنها سينديروفيتش والتي تنص على ضرورة قياس جميع المؤشرات المذكورة أعلاه لدى كل النساء في سن الإنجاب هي مثال على التحول اللازم بعيداً عن المقاييس الحالية المتأصلة في القيم الثقافية، والتي تستبعد النساء غير المتزوجات وبالتالي تمحو احتياجاتهن من جدول أعمال السياسات. ولا يوجد أي ارتباط بين المبررات الثقافية لطرق القياس هذه والصورة على أرض الواقع وبالتالي فإنها تفرز بيانات غير كافية. وينبغي أن تستند عمليات وضع السياسات المتعلقة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وتصميم البرامج الخاصة بها إلى بيانات شاملة تعكس واقع الحياة التي تعيشها النساء من خلال جمع وتقديم الأنماط والاحتياجات الإنجابية لجميع النساء، عوضاً عن الافتراضات المعيارية المتجذرة في "الثقافة".
المضي قدماً
ظهرت مؤخراً تصريحات غير متسقة بشأن مسح وطني سيحل محل المسح السكاني الصحي في مصر، وفي حين لا توجد معلومات كافية لشرح نطاقه، فإنه يمكن استنتاج عيّناته من خلال عنوانه المبدئي: مسح صحة الأسرة المصرية (Hendawy, 2020). وهذه هي اللحظة المناسبة للتعويض عن الفجوات في مجال السياسات والتدخلات المجتمعية والتي استمرت لعقود من الزمن. وعوضاً عن الميل نحو إلغاء الحماية الاجتماعية للأسر التي لا تلتزم بالعدد المثالي للأطفال، ينبغي أن يقوم واضعو السياسات والهيئات الحكومية المفوضة بشمول النساء في صنع القرار، حيث إنهن الهدف الرئيسي لهذه الاستراتيجيات الوطنية. وهذا يستلزم شمول جميع النساء والرجال، بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية، في معايير عينات المسوحات الوطنية، وذلك من خلال وضع مؤشرات سكانية أحدث تستند إلى الحقيقة القائلة بأن ممارسةالجنس تتم خارج إطار الزواج أيضاً. ولكي يتم الحفاظ على الحق الدستوري في الصحة، ينبغي أن يلبي تصميم السياسات الوطنية وتنفيذ البرامج احتياجات الأفراد الذين لا يستخدمون الخدمات في الوقت الحالي من خلال ضمان أن تكون الخدمات متوفرة ومتاحة ومقبولة للجميع. فاقتصار حملات التوعية وتقديم الخدمات على النساء المتزوجات، والرجال المتزوجين أحياناً، لا يضمن توافر المعرفة وإمكانية الوصول إليها وجودة الخدمات، ولا اتخاذ قرارات إنجابية مستنيرة.
*نُشرت هذه المدونة في موقع حلول للسياسات البديلة