الحماية الصحية التأمينية والأسرة المصرية

7 أكتوبر 2019

تم نشر هذا المقال في مجلة الديموقراطية عن شهر يوليو 2019

يشهد يوليو المقبل خطوات التطبيق الأولى للتأمين الصحي الشامل في محافظة بورسعيد ضمن المرحلة التجريبية لرؤية تطورت وتناولتها اجتماعات تحضيرية ومجموعات عمل بدأت من عقود. ففي الشهر المقبل، نحتفي بأولى خطواتنا نحو التغطية الصحية الشاملة والتي تشمل مبادئها:

١) إتاحة الخدمات الصحية لأكبر عدد ممكن من السكان، ٢

) خفض الإنفاق الذاتي للحصول على خدمات الرعاية الصحية،

٣) تزويد وتوفير حزمة من الخدمات الصحية الأساسية الى جانب المستوى الثاني والثالث من الخدمات . يتسق نظام التأمين الصحي الشامل مع ما جاء بالمادة ١٨ من دستور ٢٠١٤، والتي تنص على أن لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتوضح إلتزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض. وبما أن الصحة هي ركن أساسي في نظم الحماية المجتمعية، يساعد قانون التأمين الصحي الشامل على إعمال الحماية الصحية المجتمعية، والمقصود بها رفع العبء المادي للأمراض من على كاهل الأسر وتقليص التكلفة الغير مباشرة1 الواقعة عليها.

الحماية الصحية المجتمعية تضمن أن تكفل أجهزة الدولة تيسير تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، من خلال انشاء بنية تحتية تعمل لرعاية احتياجات الفرد والأسرة الصحية وتصبح مسئولية الدولة تقليص الفجوات الجغرافية والسياسية والإجتماعية للنشء والنساء المعيلات وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وساكني المناطق الحدودية. ومن المخطط أن تصل الخدمات التأمينية الصحية الشاملة لجميع أنحاء البلاد بمرور خمسة عشر سنوات من الآن. نرصد في هذه المقالة الفجوات الاجتماعية والسياسية التي تعيق إرساء مبادئ وسبل الحماية الصحية المجتمعية.

تبعثر الخدمات الصحية للمواطنين بين جهات عدة وتتحكم في إتاحتها عوامل مرتبطة بالوضع الاجتماعي والموقع الجغرافي. و نظرياً تتوفر خدمات التأمين الصحي الحالي لـ ٥٨% فقط من المصريين ووفقاً لمسح ٢٠١٤ بلغت نسبة النساء المنتفعات من أي تغطية صحية تأمينية ٨% فقط. حتى اللحظة، و ينقسم الانفاق للحصول على خدمات صحية إلى قطاعين؛ الخاص الإنفاق الذاتي على الرعاية الصحية الذي بلغ ٧٢ % من اجمالي الانفاق على الصحة والعام تنفق وزارة الصحة والسكان حوالي ١٥% من اجمالي الانفاق على الصحة في مصر2. بتطبيق قانون التأمين الصحي الشامل، من المقرر خفض الإنفاق الذاتي الى معدل حوالي ١٠% وأن يزيد الإنفاق العام والتأمين ليصل الى ٩٠%.

يختلف التأمين الصحي في وضعه الحالي عن التأمين الصحي الشامل قيد التنفيذ في عدة جوانب منها طبيعة الكيان نفسه؛ هيئة التأمين الصحي الحالية هي كيان شبه حكومي عام وله طبيعة إقتصادية تقدم خدماتها من مراكز ومستشفيات تابعة ومملوكة لها في كل أنحاء البلاد عدا المناطق الريفية. بينما التأمين الصحي الشامل هو نظام تكافلي اجتماعي يعتمد في تمويله على ثلاثة مصادر : اشتراكات ودعم الخزانة العامة و رسوم تخصصية من الصناعات الضارة بالبيئة. بشكل عام يتميز الأخير عن ما ألفناه من قبل، بتوجيه مصادر تمويلية متعددة تجاه صندوق لتجميع واعادة توزيع الموارد وتقدم الخدمات الصحية في ثلاث مستويات ، ويتفادى التفتت الفئوي والتراتبي الذي عايشناه في التأمين الصحي السابق بقوانينه السارية حتى اللحظة (قانون ٣٢ لسنة ٧٥ للعاملين وقانون ٧٩ لنفس السنة للعاملين وأصحاب المعاشات والأرامل ، قانون ٩٩ لسنة ٩٢ لطلاب المدارس ، قانون ٢٣ لسنة ٢٠١٢ للأطفال تحت السن، قانون ١٢٧ لسنة ٢٠١٣ للمزارعين، وقانون ٨٦ لسنة ٢٠١٢ للمرأة المعيلة ).

تعددت الاختلافات بينهما وسنتناول منها جانبين في هذه المقالة. الجانب الأول، التأمين الصحي الحالي استئثاري يتيح الخدمات التأمينية لفئات معينة من المواطنين ويغفل فئات أخرى منها على سبيل المثال وليس الحصر العاملين في البناء والتشييد والأطفال المتسربين من التعليم، والطلاب بالجامعات والمعاهد العليا . أما بالنسبة للتأمين الصحي الشامل فهو غير تراتبي ومعني بكل فئات المجتمع. الجانب الثاني للاختلاف هو وحدة الإتاحة، الخدمات التأمينية الحالية وحدة إتاحتها هي "الفرد" بينما وحدة الإتاحة في التأمين الصحي الشامل هي الأسرة. يصاحب هذا الاختلاف انطباعات متضاربة لها علاقة بمؤسسة الأسرة في مصر، وما هي مرجعيتنا للأسرة وإذا كان تناولنا القانوني والاجتماعي لها في الريف و في الحضر؟ يصاحبه أيضاً نمطية تفرضها الارتباطات الذهنية بالأسرة في وعينا الجمعي؛ غالباً ما يحضر إلى أذهاننا الصورة المثالية لأسرة نووية مكونة من أب وأم وأطفال. تتماثل هذه الصورة النمطية مع أسلوب حياة حضري لا يتشابه بالضرورة مع الصورة المثالية لأسرة ممتدة في إحدى القرى الريفية أو ربما العشائرية المصاحبة لكيان الأسرة في المناطق الحدودية. يؤخذ على نظام التأمين الصحي بشكله الحالي، توفره لبعض فئات المجتمع دون غيرها ونستحضر الأمل في نظام التأمين الصحي الشامل مع بداية تجريبه، في عموميته، لكن يبقى إبهام مرجعنا الجمعي للأسرة عائق.

إشكالية الأسرة المصرية

في تصوراته الأولية، يهدف برنامج التأمين الصحي الشامل لتحقيق العدالة الاجتماعية ويكفل الحق في الحماية الصحية ويعزز التضامن بين أفراد المجتمع. تبين التقارير استحواذ الحضر على النصيب الأكبر من ميزانية وزارة الصحة حيث تستقبل مستشفياته ٥٨ % من إجمالي ميزانية وزارة الصحة مقابل ٣ % هو نصيب الوحدات الريفية من نفس الميزانية3. هذا التباين يرسم لنا ثغرات تحقيق العدالة الاجتماعية، من نفس المنطلق عند الاشارة للأسرة كوحدة إتاحة، هل نتخذ مرجع الأسرة الريفية أم الحضرية؟ تهيمن الأسرة القاهرية للتعبير عن الوعي المصري عن الأسرة، في مركزية الخدمات وصناعة القرار .

طرأ بمرور الوقت تغير ديمغرافي على شكل وهيكل الأسرة المصرية، و متغيرات الواقع اليومي تُلقي بثقلها على وعي الأفراد، المتغيرات بملامحها المجتمعية والسياسية والاقتصادية واصطدامهم بأشكال ومتغيرات جديدة ووافدة بما يفرض على الأسرة استخدام آليات عديدة للتعامل معها. تلك المتغيرات ليست بالضرورة فاعلة بالأسرة على قدر ماتتفاعل معها الأسرة؛ فالأسرة تخلق آلياتها الخاصة للتفاعل مع الواقع وتستعيد توازنها وتضمن استمراريتها، لكن تبقى "الأسرة المثالية" مرجعية رافضة للتغيير وحيث تشمل أنماط متعددة للأسرة. و مرجعية الأسرة المثالية لا تشمل أسر الأرامل أو الأحفاد المقيمين مع الأجداد والجدات ولا تعرف القاصر الأرملة المعيلة ولا تشمل ساقطة القيد المطلقة او الأيتام الذين يقومون بدور الآباء.

إشكالية الأسرة ليس فقط مرجعية وتعريف، هي أيضاً ملمح أساسي في تناول الكثافة السكانية وسد الفجوات الاجتماعية، وبالتبعية فحص عنصر الجودة المرتبط بخصائص السكان والمعيشة. الهدف من التأمين الصحي الشامل هو سد الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع وليس الإعانة الهرمية من الدولة إلى المواطنين؛ موازياً لتطبيق التأمين الصحي الشامل، من الضروري إعادة النظر في طبيعة تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة لمصر، بشكل يضمن المشاركة المجتمعية في تنفيذها ومراقبتها. بمرور خمس عشر سنوات من الآن سنكون قربنا المسافات للتغطية الصحية الشاملة وحتى ننجح لا مفر من إتمام رؤية مصر ٢٠٣٠ بشكل متفاعل مع التفاوت في المؤشرات السكانية والتنموية بين المناطق الجغرافية. على سبيل المثال، التركيب السكاني في المرحلة الزمنية الحالية، يسكن الريف ٥٧,٨% ويسكن الحضر ٤٢,٢% من السكان. وتشكل الفئة العمرية دون (١٥ سنة) حوالي ثلث السكان ٣٤,٢% ونسبة السكان المصريين في سن العمل (١٥ - ٦٤ سنة) تبلغ ٦١,٩% أما كبار السن (٦٥ سنة فأكثر) تبلغ نسبتهم ٣,٩%4. يحمل هذا التركيب السكاني فرص إقتصادية، وأثار سلبية على خدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية إذا غفلنا توظيفه. يرتبط بهذا التركيب السكاني نسبة اعتماد مجتمعي مكون من أفراد قادرين على إدارة الدخل والمساهمة في صندوق التأمين الصحي الشامل وآخرون ليس لديهم القدرة المالية للمساهمة بالمثل ولكن بحسب نفس القانون يحق لهم الاستفادة من الخدمات الصحية كونهم "غير قادرين". لكن ماهي محددات "الغير قادرين"؟

التغير والتطور الديمغرافي للأسرة يتحكم أيضاً فيه سلوكيات الأفراد الصحية. والصحة هي اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز5. إذاً يصبح ركن أساسي من أركان تطبيق التأمين الصحي الشامل هو دراسة وتحليل سلوكيات الأسرة الصحية وفهم أبعاد النوع الاجتماعي وعلاقته بالأمراض السارية، على سبيل المثال، عمليات تشويه الأعضاء الجنسية (الختان) وانتقال العدوى بفيروس التهاب الكبد سي. وأبعاد النوع الاجتماعي والأمراض الغير سارية؛ فالنساء بين ٤٥ - ٦٤ سنة هن أكثر عرضة من الرجال من نفس الفئة العمرية للاصابة بمرض غير ساري6 (مثل: أمراض القلب والتليف الكبدي) والعوامل المساعدة له تشمل السمنة (٤ من كل ١٠ بالغات مصابات بالسمنة) وارتفاع ضغط الدم.

ما نشهده من كثافة سكانية وما ننتظره من تغطية مجتمعية من خلال التأمين الصحي الشامل لابد أن يدرك هياكل القوة التي يحكمها النوع الاجتماعي وعلاقتها بجودة خصائص المعيشة للنساء والرجال، بين الريف والحضر. فهذه المبادرة القومية هي من وإلى اقتصاد الدولة كليا وغير محصورة بميزانيات وسياسية صناعتها فقط هي أيضاً اقتصاديات منزلية يحكمها النوع الاجتماعي وهيكل الأسرة.

هناك أضرار لتنميط الأسرة والصورة المثالية لكيانها؛ الاشكالية لا تنحصر فقط في جغرافية تعريف الأسرة في المركز وخارجه، الاشكالية تقع في هياكل القوة داخل الأسرة والحواجز التي تستمد استمراريتها من تنميط الأسرة؛ ذلك الكيان الذي يمكننا الانتساب له بنفس الصورة رغم اختلاف واقعنا. هيكل الأسرة هو مثال ممتاز عن علاقة العام بالخاص وكيف يتغذى كل منهما على الأخر.

الخاص

مؤسسة الأسرة في شكلها المثالي تعزز الأدوار الاجتماعية النمطية، رب الأسرة يعمل والأم ترعى الأطفال وتقوم بالمهام المنزلية وتمرر القيم الاجتماعية والموروثات الثقافية. مثالية هذه الصورة الذهنية تضمن استمرار عدم التكافؤ تاريخيا بين الجنسين وتفاوت في الحصول على الموارد وفي ملكيتها وفي التحكم فيها. فالأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر لا تضمن الأهلية في اتخاذ القرارات الأسرية أو على الأقل لا تضمن المساواة فيها، والتي قد يشملها القرارات الانجابية وقرارات أخرى هي خاصة ولها أثر عام. ماذا لو نفس الأم انضمت لسوق العمل ودرت الدخل على أسرتها، قد يبدو البديهي اكتسابها الأهلية لاتخاذ قرارات داخل الأسرة. حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد الأسر التي تعولها نساء ٣,٣ مليون أسرة7. قد تكون الأم هي المعيلة ومصدر الدخل الأساسي في الأسرة، لكن يتدخل في إتخاذها القرار المصاحب لكسب المال، هيكل الأسرة الهرمي. نرسم هنا صورة ذهنية أخرى، هناك أخرى أرملة تسكن نفس منزل العائلة (الممتدة) وتربي أبنائها وتقوم بالأعمال المنزلية ولا تدر دخل. وما هو الحال لإمرأة تعول وتدر الدخل لأسرتها في منطقة حدودية تبعد عن المركز أميال.، هنالك أخرى تعيش على الحدود بلا بطاقة هوية أو تسجيل ميلاد لأبنائها أو حتى وثيقة رسمية تثبت زواجها، كيف لنا أن نضمن لها الرعاية الصحية ولذويها والتي شددنا على شموليتها بجعلها إلزامية في القانون؟ وكيف نفهم قرارات الأسرة الصحية؟ الفروق في الرعاية الصحية والتغذية للأبن مقارنة بالأبنة؛ وما يترتب على مثل تلك القرارات في المدى البعيد في حياة كلا منهما. هنا تقاطعات القهر تألف مسارات غير ملزمة، في تخطيطنا لم نراها لألفتنا الأرقام أكثر من الواقع.

خارج مركزية القاهرة الكبرى والمناطق الحضرية، التنوع الثقافي داخل الجمهورية يجعل للعديد من المجتمعات ثقافات شديدة الخصوصية، تختلف عن ما هو "مقبول" قاهريا وحضرياً. عند تسكين مقدمي الخدمات في مرافق التأمين الصحي الشامل، هل نوعنا في الخطط الجغرافية لتتسع وتشمل كل الخلفيات الثقافية المصرية؟ على سبيل المثال، نوع مقدمي الخدمة الصحية يتحكم في مدى إتاحتها لنساء عدة في منطقة مناطق نائية، إذا كان مقدم الخدمة رجل، تستحي بعضهن من التقدم لطلب الخدمة وللبعض هو ليس قرارها الفردي، هو قرار عائلي يتدخل فيه عوامل أخرى غير الحاجة إلى الخدمة الصحية، نيابة عنها. ولنضمن الشمول علينا أن نحتفي باختلافنا ونوفر بيئة تدرك تنوعنا.

وقت تخطيطنا لحزمة الخدمات الصحية التي يوفرها التأمين الصحي الشامل، هل أخذنا في الاعتبار التنوع البيئي واختلاف تبعاته على المواطنين، وتشكيله لنمط غذائهم، قطعاً تختلف الطبيعة البيئية وتبعاتها الصحية بين محافظة الوادي الجديد مقارنة بمحافظة الاسكندرية، على سبيل المثال وليس الحصر.

وضع قانون التأمين الصحي الشامل المعايير للمرافق الصحية لتعمل تحت مظلتها، أغلب تلك المعايير تقنية وعلى علاقة مباشرة بتوفير خدمة ذات جودة عالية فنياً. كيف هو الطريق أو "المشوار" الذي يجب أن يسلكه طالبي الخدمة حتى يحصلوا عليها؟ هل المسافة الفعلية بين مسكنهم وبين المرفق الصحي قادرين على تكفل عبئها المالي وقطع المسافة جغرافياً للوصول لها؟ إذا كانت الاجابة ايجابية، هل أخذ التخطيط الفروق المبنية على النوع الاجتماعي في التنقل والحركة؟ هل هناك بنية تحتية ووسائل مواصلات تيسر من الحصول على الخدمة؟ حتى إذا توفرت الخدمة بالمجان لغير القادرين، المجانية في بعض الأحيان مكلفة للمعدمين وذوات الدخل المحدود.

من النساء وساكني الهوامش المجتمعية ما بين الخاص والعام أن يحصلن على حقهن بخدمات التأمين الصحي الشامل، وأن يطالبن بالحق في الصحة. هل بلغهن الحديث عن التأمين الصحي الشامل؟

العام

إلى الأن ومنذ سنوات بدأ التحضير لبرنامج التأمين الصحي الشامل وتفعيله هو خير دليل على الإرادة السياسية لخلق توازن مجتمعي بين الفجوات الاجتماعية . وبعد مرور عقود زمنية على التحضير وسن سياسات لتفعيل ذلك البرنامج، ما يعرفه المواطنون عن التغطية الصحية الشاملة؟ هل يبث الاعلام رسائل معلوماتية حول هذا المشروع القومي الهائل؟ وماهي نوع التغطية الاعلامية لبرنامج التأمين الصحي الشامل، هل يوجد بالفعل تغطية لكنها تغفل نشر مواد مستساغة لكافة المواطنين وتكتفي برصد البيانات الوزارية. ما يميز هذا البرنامج هو إلزام كافة أطياف المجتمع عبر بطاقات هوياتهم بالمساهمة في تنفيذ برنامج التأمين الصحي الشامل، ولضمان مشاركتهم الفعالة يحق لهم التعرف على أركان ذلك البرنامج المخطط أن يتخلل تفاصيل حياتهم اليومية خلال السنوات القادمة.

لنعود مرة أخرى لساكني الهوامش الجغرافية والمجتمعية، هل وظفنا قطاعات الإعلام الرسمية والغير رسمية للوصول للأميين، كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة؟ كيف فصلنا معهم وإليهم ذلك البرنامج و شاركناهم به؟ المشاركة الفعالة هي أن يشارك فيها المواطنون كفاعلون في التطبيق ليس فقط مستقبلي للخدمات والسياسات. لاستعادة الثقة بين القطاع الحكومي والمواطنين وتأكيد إستدامة التأمين الصحي الشامل، دور الإعلام أساسي في بث مسؤوليات وحقوق المواطن من خلال حملات إعلامية تشاركية مع المواطنين لاتعتمد فقط على الاخبارية.

عند الحديث عن واقعية التنفيذ غالباً ما ننجرف لدور الميزانية وتوفرها ونبالغ في التركيز على تمويل المرافق الصحية، بلا شك تمويل بنية تحتية للرعاية الصحية ليس بالأمر السهل، لكن مبالغتنا تغفلنا عن عوائق هيكلية أخرى بنفس الأهمية، مثل غياب نظم معلومات متكاملة، للعاملين بالقطاع الغير رسمي والمقدر نسبة مشاركتهم بين ٣٠ - ٤٠% في الاقتصاد الكلي، ساقطي القيد وأطفال الشوارع، ذوي الاحتياجات الخاصة، كل تلك المجاميع هم مساهمين في الاقتصاد الغير رسمي بشكل أو بأخر ومستفيدين محتملين من الخدمات التأمينية الصحية الشاملة. غياب تلك البيانات يعوق التخطيط الواقعي للتنفيذ، كيف نخطط لنقل قطاع العمل الغير رسمي إلى قطاع رسمي؟ كيف يمكن تفعيل المشاركة السياسية للمواطنين كونهم مستهلكين ومساهمين في تشييد برنامج تأميني صحي شامل؟ خلق نظم معلومات متكاملة يسهل تصميم آليات متابعة ومرقابة وتقييم للتنفيذ، تدلنا على النجاحات والإخفاقات في إتاحة الخدمة الصحية للجميع وتحقيق العدالة الاجتماعية. وبينما نشير إلى أهمية خلق واستدامة نظم معلومات متكاملة نتفادى مركزية المعلومات والبيانات، بنفس أهمية خلق تلك النظم، هو إتاحتها لجميع أفراد الشعب وقطاعاته الحكومية والغير حكومية؛ فمن أسس الحوكمة الرشيدة هو تفعيل المشاركة السياسية في صناعة القرار.


إقتراحات

يتميز التأمين الصحي الشامل عن المبادرات السابقة للإصلاح الصحي في مصر بتنوعها لمصادر التمويل للخدمات ومن أجل ضمان كفاءة التخصيص، ومن أجل قياس ومراقبة فاعلية ذلك التخصيص لابد من إنشاء قاعدة بيانات دقيقة مشتركة بين أجهزة القطاع الحكومي، يشارك في بنائها المواطنون وينسدل منها آليات لمراقبة الصحة العامة كمياً وكيفياً؛ تساهم في تشكيل حلول للظواهر الصحية المجتمعية وتتنبأ بظواهر مستقبلية قبل تفاقمها.

يمكننا من خلال تلك المنظومة بناء مؤشرات مراقبة نجاحات الخدمات الصحية التأمينية الشاملة وإخفاقاتها على أسس الحوكمة الرشيدة، والتي تعتمد على المشاركة الشعبية والمساءلة الاجتماعية والشفافية والاستجابة والعدالة والمساواة8.

وتساعدنا في دمج التحليلات المجتمعية والسياقية في تخطيط وتنفيذ وتفعيل التغطية الصحية الشاملة، فهو بالأساس برنامج يتناول ظواهر مجتمعية وغير مقتصرة على تعاطي مؤسسة الطب لآلام عضوية هي في الواقع أيضاً، مجتمعية. الآن هو الوقت المناسب لدمج منظور النوع الاجتماعي في فهم طبيعة الأسر واختلاف هياكلها في جميع أنحاء مصر.

حتى نصل بخطوات ثابتة نحو التغطية الصحية الشاملة بتفعيل قانون التأمين الصحي الشامل يجب تحديد حزمة الخدمات التأمينية لكافة الأمراض في مختلف المناطق الجغرافية؛ ماقد يسود المناطق الحضرية هو ليس بالضرورة الواقع في مناطق جنوب مصر، والعكس صحيح. تنوع العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية هو دليلنا الأساسي في إنجاح هذا المشروع القومي.

الخلاصة

التغطية الصحية الشاملة وجدت لإتاحة الخدمات الصحية بجودة عالية لجميع المواطنين دون أن يعانوا من أية صعوبات مالية بسبب تكلفة العلاج ما جعل هدف التغطية الصحية الشاملة محورًا أساسيًّا لتحقيق العدالة اﻻجتماعية لكل مواطن دون تمييز.

اعداد

دكتور علاء غنام –خبير سياسات صحية

استاذة نانا ابو السعود – مساعد باحث في النوع الاجتماعي

1 التكلفة الغير مباشرة هي متمثلة بفقد مصدر دخل على المدى القريب والبعيد وأثاره على استكمال التعليم والنشأة الثرية إجتماعياً وصحياً للأطفال من منطلق تكافؤ الفرص الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

2 A Roadmap to Achieve Social Justice in Health Care in Egypt, The World Bank. (2015)

3 المصدر السابق

4 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء (٢٠١٧)

5 منظمة الصحة العالمية

6 المصدر السابق

7 دراسات تحليلية لبيانات التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت لعام ٢٠١٧

8 ملاحظات أساسية حول حوكمة القطاع الصحي، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دكتور علاء غنا