تقييم لمنظومة التحاليل الطبية في مصر

18 ديسمبر 2018

كتب الباحث المتدرب أحمد عزب:

لا خلاف على أهمية التحاليل الطبية ، و دور التحليل الطبي السليم في تشخيص المرض و الوصول للعلاج .

والملاحظ أن الدراسات والأبحاث التي تتناول فرع التحاليل الطبية قليلة مقارنة بقطاع الدواء و أوضاع المستشفيات .

لذلك تهدف المقالة إلى تقييم خدمة التحاليل الطبية في مصر و وضع تصور قابل للتطبيق للارتقاء بخدمة التحاليل الطبية .

وحتى تبدو الأمور أكثر وضوحا كان من المهم أن نلقى بعض الضوء على ثلاث نقاط هي من خصوصية فرع التحاليل الطبية. والنقاط الثلاث هي:

أولاً: نبذة عن تطور علم التحاليل الطبية .

ثانيا: الحسابات الخاصة بفرع التحاليل الطبية.

ثالثا: تبوأ المعامل الخاصة الكبرى مكانة غير حقيقية في ظل التراجع الحكومي .

أولا : تطور علم التحاليل الطبية

قبل ثلاثة عقود وفى أوائل الثمانينيات ، كانت معامل التحاليل الطبية في مصر تعتمد أساسا على مهارة الأطباء والفنيين في العمل على أجهزة يدوية بسيطة ، ومع الطفرة التي صاحبت أجهزة الكومبيوتر ظهرت الأجهزة العملاقة والتي يمكنها استيعاب عدد كبير من عينات المرضى وبتكلفة أقل وسرعة في الأداء.

وبناء على ذلك كان تجميع أكبر عدد من العينات لتحميلها على الأجهزة العملاقة له مردود اقتصادي من حيث توفير الأموال والجهد والوقت.

وقد استغل المستثمرون هذه الميزات في إنشاء معامل خاصة بها هذه الأجهزة العملاقة مع إنشاء فروع لنفس المعمل بأنحاء الجمهورية يكون الهدف منه في الأساس تجميع العينات حتى وصلت فروع بعض هذه المعامل إلى 100 فرع (1).

ثانيا: الحسابات الخاصة بفرع التحاليل الطبية

يتميز فرع التحاليل الطبية عن باقي فروع الطب بإمكانية سحب العينة من المريض وإرسالها للتحليل في مكان آخر على عكس فرع الأشعة الذي يستلزم نقل المريض إلى مكان الأشعة وخاصة أنواع الأشعة التي تحتاج إلى أجهزة كبيرة. وعلى ذلك استحدثت فكرة تجميع العينات لتحليلها على أجهزة عملاقة وكلما زادت حجم العينات كانت التكلفة أقل لأن ذلك يعنى شراء المحاليل بالجملة من المصنع بأسعار الجملة في حين أن تكلفة المكان والعمالة ثابتة.

ولما كان تجميع العينات يعتمد على نقل العينات من فروع المعمل المنتشرة في كل مكان ، فقد استحدثت كذلك فكرة تجميع عينات أخرى من المعامل الصغيرة التي ليس لديها القدرة على تحليل بعض الهرمونات أو الفيروسات أو غيرها وذلك مقابل تقاسم الربح لكلا الطرفين (المعمل الكبير والمعامل الصغيرة).

وقد أدى هذا التنافس إلى حصول مستثمري المعامل الكبرى على أرباح هائلة ، وذلك على حساب المعامل الحكومية التي ليس لديها القدرة التنافسية في هذا المجال التجاري ، وبذلك يحصل أكبر معمل في هذا التنافس على أكبر قدر من الربح وأقل قدر من التكلفة.2 فمثلا يذهب المريض لمعمل صغير ما، وتُسحب منه العينة ويتم إرسالها إلى معمل آخر ، من المعامل الكبيرة ، ويرسل نتيجة التحليل للمعمل الصغير مقابل نسبة من ثمن التحليل . ومن هنا جاءت التسمية Lab to Lab . لدرجة أن هناك وظيفة الآن اسمها مندوب تجميع عينات " لاب تو لاب " وتنتشر إعلاناتها الترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي .

يتم الترخيص للمعامل عن طريق قيام لجنة مكونة من طبيب بشري من المعامل المركزية بوزارة الصحة, وموظف إداري من إدارة التراخيص, وثلاثة من مسؤولي المحافظة التي يُراد ترخيص المعمل بها ،

وهم مدير إدارة العلاج الحر, ومدير إدارة الصيدلة, ومدير إدارة المعامل, وتقوم هذه اللجان بمراجعة الشروط الصحية والفنية المنصوص علیها في القانون رقم 367 لسنة 1954 , ويتم إخطار طالب الترخيص بموعد حضور اللجنة, والتي من صلاحياتها إصدار التوصيات إلى رئيس الإدارة المركزية

للمعامل بوزارة الصحة , أو تحرير محضر بالمخالفات, ومنح صاحب المعمل مهلة شهرين لإصلاحها, أو تحرير محضر و إصدار توصية لإدارة العلاج الحر بغلق المعمل في حالة وجود مخالفات كبيرة وخطيرة . 3

ثالثا: تبوأ المعامل الخاصة الكبرى مكانة كبيرة لدى المواطنين في ظل الغياب الحكومي

أدى الفراغ الحكومي لأن تتبوأ المعامل الخاصة الكبرى منزلة كبيرة لدى الجمهور وغيرهم فالدعاية التجارية والاهتمام براحة العميل أدى إلى اكتساب شهرة كبيرة في جميع الأوساط حتى وصل الأمر إلى أن تتهافت الشركات لوضع أجهزتها بالمجان بتلك المعامل حتى يحصل الجهاز على سابقة أعمال بأنه مورد في معمل مشهور وحتى يكون ذلك من أسباب الإقناع لترويج الجهاز في أماكن أخرى.

أزمات قطاع التحاليل الطبية في مصر

اشتراك خمس فئات في الحصول على ترخيص لمزاولة مهنة التحاليل الطبية » الأطباء البشريون، الصيادلة، الزراعيون، البيطريون، والكيميائيون» وإذا أخذنا في الاعتبار أن القانون الخاص بتنظيم عمل مهنة التحاليل الطبية في مصر صدر عام 1954 ومازال هناك جدل وخلاف كبير حوله، سيُظهر إلى أي مدى المشكلة في قطاع التحاليل الطبية

ازدياد نسبة البطالة في مصر مما دفع خريجي كليات العلوم والصيدلة والطب البيطري للسعي لإنشاء معامل تحاليل طبية لإيجاد فرصة عمل مع بذل كل الجهد لإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف مما ساهم في الزيادة الكبيرة للمعامل الخاصة علماً بأن القانون القديم يسمح لهم بذلك (4).

ومع ازدياد نسبة البطالة في مصر، وقلة فرص العمل اتجه خريجي كليات العلوم والصيدلة والطب البيطري والزراعة إلى مجال التحاليل الطبية للحصول على فرصة عمل، نتج عن ذلك كثرة عدد معامل التحاليل الطبية وفي ظل غياب الرقابة الحكومية وضعف الناحية العلمية و المهنية عند العاملين، ترتب على ذلك مشكلة كبيرة في مجال التحاليل الطبية و خسارة تؤثر على صحة المجتمع و هدر للاقتصاد القومى، فمثلا بعض الأطباء يقومون بترتيبات وتفاهمات مع المعامل لإرسال المرضى إليهم مقابل نسبة من الربح، وأحيانا تحدث ترتيبات ثلاثية بين شركة الدواء والمعمل والطبيب ، حيث يصف الطبيب دواء ( وليكن فيتامين أو دواء حديد أو كالسيوم ) خاص بشركة دواء بعينها، أو يطلب منه القيام بتحاليل معين من معمل معين ( يحدد الطبيب المعمل بالاسم ) ويخرج الجميع رابحا الطبيب بالحصول على نسبة ، والمعمل ، وشركة الدواء . الخاسر الوحيد هو المريض الذي يدفع الثمن من الجيب مباشرة .

القوانين والنظم

يُعد من الأسباب الرئيسية لمشكلة التحاليل الطبية في مصر القانون رقم 367 لسنة 1954 الذي صدر منذ 64 عاما حيث أن هذا القانون يسمح لخريجي خمس كليات العمل في مجال التحاليل الطبية، وهم خريجو كليات الطب البشرى ، والبيطري، والزراعة، والصيدلة، والعلوم، وعلى الرغم من صدور قرار وزارة الصحة في 14 أبريل 2015، لمخاطبة إدارات العلاج الحر في مختلف مديريات الصحة بالمحافظات، بإلزام المعامل بإشهار المؤهل الجامعي وما بعد الجامعي على التقارير والدعايات، واللوحات الإعلانية للمعامل، فلا أحد يحترم التخصصات الدقيقة التي يمنحها أو ينظمها القانون، ويقومون بإجراء تحاليل لم يتخصصوا فيها، إذ أن التحاليل تضم 4 أفرع كبري، تتعلق بأمراض الدم، والكيمياء، والبكتيريا والفيروسات، والمناعة . 5

و نظرا للتنظيم الإداري السيئ، وعدم طلب التحاليل على أسس علمية يتم هدر الأموال في طلب التحاليل الغير ضرورية وذلك فيما يخص تشخيص العديد من الأمراض، فلا يوجد معايير واضحة ملزمة للأطباء لطلب التحاليل القائمة على أسس علمية ومبنية على علم الطب القائم على الدليل وفي ظل ضعف الجودة في المعامل الخاصة يقوم المواطنون بإعادة نفس التحليل عند معامل أخرى للتحقق من صحة النتيجة .

و يظهر من تقارير إدارة التراخيص بمعامل وزارة الصحة أن مستوى مكافحة العدوى بالمعامل الخاصة لا يكاد يبلغ 10 % مما يهدد بانتشار الأمراض والعدوى .6

تعمل المعامل التي تحرص على قواعد الجودة والأمان والسلامة المعملية بمقاییس ومعاییر عالمية, وتستعین بالرقابة و المتابعة و الجودة الداخلية بالمعامل، وخارجياً من خلال التعاقد مع شركات عالمية متخصصة يتم إرسال نتائج التحاليل إليها للتحقق من صحة النتيجة عن طريق معمل خارجي معتمد .

وللتوضيح أكثر تُرسل عينات غير معلومة القيمة لتلك المعامل لتحليلها وبيان مدى مطابقة كل معمل للنتيجة الحقيقية واستنتاج سبب الخطأ في عينات بعض المعامل عن النتيجة الحقيقية، ويجري تطبيق ذلك النظام بالتعاون مع إحدى الشركات المتخصصة في مجال ضبط الجودة، لكن المعامل الخاصة قليلاً ما تطبق هذا النظام لتكلفته المالية العالية ولأنها بالأساس شركات استثمارية حريصة على المكسب وتعظيم الربح .

يتضح من العرض السابق الحاجة لقاننون جديد للمعامل ، يراعي العوامل الاقتصادية والاجتماعية فأزمة التحاليل الطبية هي جزء من أزمة الصحة في مصر ولا تنفصل عنها و تحتاج لسياسات صحية واقتصادية عادلة ، مثلها مثل أزمة نقص الدواء وفي غياب آليات الحماية الصحية الشاملة والتغطية التأمينية الجيدة ستظل الأزمة وستتفاقم .

إن قانون التأمين الصحي الاجتماعي الجديد يمثل فرصة ممتازة لربط إصلاح قطاع التحاليل بالإصلاح الصحي .

المراجع

إدارة التراخيص بالادارة المركزية للمعامل بوزارة الصحة

2- دراسة قصور التخطيط الاستراتيجي للدكتور حسام عبد الرحمن

3-- تحقيق الأستاذ سيد صالح بالأهرام 5/7/2018 وللأستاذ سيد صالح تحقيقات أخرى مهمة في الشأن الصحي

4- دراسة الارتقاء بصحة المواطنين للدكتور حسام عبد الرحمن

5-مقالة في الشروق بعنوان في حوكمة المنظومة الصحية لدكتور علاء غنام

6- تحقيق الإصلاح الإدارى .. مهمة عاجلة لسيد صالح بالاهرام

7- Crossing the Quality Chasm: A New Health System for the 21st Century by Institute of Medicine (US) Committee on Quality of Health Care in America.

8-https://www.nytimes.com/2018/08/18/business/vitamin-d-michael-holick.htm...

9- https://khn.org/news/how-michael-holick-sold-america-on-vitamin-d-and-pr... نشر موقع ساسة بوست ترجمة جيدة للمقال

10- كتاب رؤى حول سياسات صحية بديلة للدكتور علاء غنام ( كتاب يجمع مقالات دكتور علاء غنام من 2012 لفبراير 2017 المنشورة بالشروق

10_ تقرير المصري اليوم منشور يوم السبت 10-09-2016 https://www.almasryalyoum.com/news/details/1007216

11- "أين تذهب أموالنا هذا العام" عن موازنة ٢٠١٧- ٢٠١٨ - المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

12- االعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

13- دراسة للدكتور حسام عبد الرحمن ( قصور التخطيط الاستراتيجي ) ، يمكن حصر عدد الفروع لبعض المعامل المشهورة مثل البرج والمختبر من المواقع الرسمية لها على شبكة المعلومات الدولية .

14-بحث الارتقاء بصحة المواطنين للدكتور حسام عبد الرحمن

15-تحقيق معامل التحاليل في غيبوبة لسيد صالح بالأهرام و ادارة التراخيص بمعامل وزارة الصحة

16- راجع قانون 367 لسنة 1954 .

17- تحقيق معامل التحاليل في غيبوبة - الأستاذ سيد صالح بالأهرام ، وللأستاذ سيد صالح تحقيقات أخرى مهمة في الشأن الصحي

18-إدارة التراخيص بمعامل وزارة الصحة ، ودراسة حسام عبد الرحمن قصور التخطيط الاستراتيجي