الحق في الدواء في إطار نظام صحي وطني شامل
كتب الباحث المتدرب أحمد عزب:
معظم الحديث عن الدواء يتجاهل الترابط بين مكونات النظام الصحي و على وجه الخصوص العلاقات المعقدة بين الأدوية والتمويل الصحي ، والموارد البشرية ، والمعلومات والخدمات الصحية و لا يعطى الاعتبار الكافي للنظر للدواء كجزء في إطار المنظومة الصحية . ونتيجة لذلك ، فإن تناول قضية الوصول العادل إلى الأدوية ، أو أسعار الدواء ، أو مشكلة نقص الأدوية يتم من خلال ماقشة مجزأة بعيدا عن السياسة الصحية ككل ، غالباً ما تكون رأسية تركز عادة على قضية الدواء فقط ، لا علاقة لها بمسألة الوصول إلى الخدمات الصحية في إطار نظام تأميني شامل .
الهدف من هذه المقالة هو لفت الانتباه الى أن مناقشة نظم تسعير الدواء ينبغي أن تكون من منظور إصلاح شامل للنظام الصحي المصري . فالبرغم من كبر حجم السوق الدوائي في مصر وتاريخ مصر العريق في صناعة الدواء لم تتشكل حتى الان سياسة دوائية قومية ولعل ذلك يعود لكثرة التعديل في السياسات الدوائية والضغوط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والعراقيل التي تضعها شركات الدواء متعددة الجنسيات فمثلا الكثير من إنتاج مصانع هذه الشركات يجري في إطار المجموعات الدوائية القديمة مثل المسكنات والمضادات الحيوية والفيتامينات والمعادن ، وهي مجموعات دوائية مهمة بالطبع إلا أنها قديمة ومضمونة البيع ولا ابتكار فيها ، فهذه الشركات لا تستثمر في البحث والتطوير ولا في الأدوية التي يحتاجها السوق المصري بوفرة مثل الأنسولين وأدوية الأورام وألبان الأطفال .
لهذا الغرض ، نشير إلى عدة نقط أساسية من المهم وضعها في الاعتبار عند الحديث عن الدواء و العلاقات الديناميكية بين الأدوية والمكونات الأخرى للصحة .
قائمة الأدوية الأساسية
في عام 1977 ، كانت ولادة قائمة نموذج منظمة الصحة العالمية من الأدوية الأساسية ، نشأت الفكرة من مبدأ أن بعض الأدوية أكثر أهمية من غيرها ، فالأدوية الأساسية ذات أهمية قصوى ، لا غنى عنها وضرورية للصحة واحتياجات الكثير من السكان .
وتحتوي على الأدويةِ الأكثرِ فعاليةً وأماناً في تلبيةِ أهمِ احتياجاتِ نظامِ الرعايةِ الصحية. تُستعملُ هذه القائمة كثيرًا في الدولِ للمساعدةِ على تطويرِ قوائمَ محليةٍ للأدوية الأساسية. تُقسَمُ القائمةُ إلى عناصرَ أساسيةٍ وأُخرى تكميلية. تُعتبر العناصر الأساسية الخيارات الأكثرُ فعالية من حيث التكلفة للمشاكل الصحية الرئيسية ويُمكنُ استخدامها في ظلِ مواردِ الرعاية الصحية القليلة، أما العناصر التكميلية فهي تتطلبُ بنية تحتية إضافية مثل مقدمي رعاية صحية مُدرَّبينَ بشكلٍ خاص أو معداتِ تشخيص أو تقنيات تصنيع متطورة بدرجة عالية . حوالي 25% من العناصر هي في القائمة التكميلية، وهُنالكَ أدوية مُدرجة ضمن القائِمتين. و مُعظم الأدوية المدرجة في القائمة تتوافر كدواءٍ جنيس (مثيل ) .
صرف الدواء بتذكرة طبية
لا وجود لتشريع ملزم واضح خاص بالعقاقير التي تصرف بروشتة طبية بواسطة الطبيب المعالج وتلك التي يُسمح للصيدلي بوصفها بدون تذكرة طبية ، وهي مشكلة كبيرة وخطيرة من نتائجها الاستخدام الغير رشيد للأدوية ، فلو تم إصدار قانون ملزم للجميع في إطار التأمين الصحي الشامل ، يحدد مسؤولية كل فرد في النظام الصحي ، سيحدث ترشيد وتنظيم كبير في صرف الادوية ، فمثلا الكثير من المضادات الحيوية التي تُصرف من الصيدلي مباشرة ، دون الرجوع للطبيب ، أو حتى بعد الرجوع للطبيب ، تتم بدون إجراء مزارع بكتيرية أو اختبار حساسية لتحديد لنوع المضاد المناسب ، مما يسبب في زيادة المقاومة للمضاد الحيوي ، وإهدار المال في دواء قد لا يحتاجه المريض .
قدرة المواطين على شراء الأدوية
هناك 27.8من السكان يعيشون تحت خط الفقر ويلاحظ أن الجزء الاكبر من مبيعات الدواء يدفعه المواطنون من جيوبهم لذلك لا يجب إغفال العوامل الاقتصادية والاجتماعية عند مناقشة تسعير الدواء .
من ناحية أخرى يواجه قطاع الصناع الدوائية أزمة حقيقية خاصة بعد تحرير سعر الصرف ، فالحاجة لتوافر الدولار لشراء المادة الخام ، فتجدر الإشارة إلى أن 80 % من الخامات الموظفة في الصناعات الدوائية مستوردة ، و الحاجة لشراء الأجهزة والمعدات و توفير مرتبات جيدة للصيادلة والفنيين في المصانع ، كل ذلك يدفع المصنعين للمطالبة بزيادة أسعار الدواء . فكيف تواجه السلطات الصحية هذا المأزق ؟
من خلال التركيز على قائمة الأدوية الأساسية التي حدتها منظمة الصحة العالمية ، وتشجيع الدواء المثيل المصري وربط تغيير وتطوير سياسات تسجيل الدواء بتطوير النظام الصحي ككل وبتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل الاجتماعي ، و الاهتمام بالتصنيع الوطني للدواء وتشجيع إدخال تقنيات التكنولجيا الحيوية وتصنيع الخامات بدلا من استيرادها ، وربط كليات الصيدلة بالسوق ، فبرغم الحاجة لتطوير التعليم الصيدلي ، فالصيدلي المصري هو الأكثر طلبا في السوق الخليجي خاصة السعودي والامارتي والقطري ، وحتى في برامج الهجرة لكندا واستراليا ، مما يعني كفاءة وجودة الصيدلي المصري ، فمع حسن الإدارة يمكن الاستافدة من العدد الكبير للصيادلة في التصنيع والبحوث الدوائية مما سيضيف ويثري صناعة الدواء المصرية .
توزيع الأدوية
يقوم على توزيع الأدوية للصيدليات 6 شركات كبرى في مصر، المتحدة للصيادلة وابن سينا وفارما أورفسيز وسوفيكوفارم والمصرية لتجارة الأدوية الحكومية وشركة إيمك ، إضافة إلى مالتى فارم ورامكو ، ووفقا للقانون فهي تحصل على 7% من حجم أرباح الشركات المنتجة للدواء على كل صنف يتم بيعه وتوزيعه، وتضع شركات التوزيع الكبرى شروطًا قاسية على المصانع الصغيرة لكي توزع لها منتجاتها ، و تتعامل مع أصحاب الصيدليات الصغيرة بشروط صارمة ، فتقسم الصيدليات لطبقات وفقا لمقدار السحب ، الأعلى سحبا له الأولوية في الحصول ، ثم الأقل سحبا ، مما يضع الصيدليات الصغيرة والمتوسطة في منافسة غير عادلة أمام سلاسل الصيدليات الكبرى .
وفقا لقرار تسعير الدواء 499، فتحدد نسبة ربح الموزع 7% وفقا للمادة 6 من القانون التسعير، وفي حالة دفع الصيدليات قيمة الدواء نقدا مقدما تحصل على خصم 4.5% زيادة، إضافة إلى الخصم القانوني له 20%، إلا أن شركات التوزيع لا تلتزم دائما بالقانون خاصة في تعاملها مع الصيدليات الصغيرة التي ليس لديها كمية مسحوبات كبيرة .
كما أن مخازن الدواء الغير رسمية ( مخازن المحروق ) تعتبر منافسا لشركات التوزيع في المبيعات، ويقوم مندوبو شركات التوزيع ومندوبو شركات الدواء ببيع الدواء للمخازن لتحقيق الهدف المطلوب من شركته (Target ) وأحيانا يدفع المندوب فرق التكلفة من جيبه بسعر أقل لكي يبيع كميات محددة عندما تضغط الشركة عليه وإلا يفصل من العمل .
ويتبادر للذهن تساؤل لماذا لا نستفيد من تراث الشركة المصرية لتجارة الأدوية وخبراتها المتراكمة في توزيع الدواء ؟ وقدرتها على الوصول لجميع محافظات مصر ، وخبرات وكفاءات الصيادلة العاملين بها ، وكيف سيكون نظام التوزيع عند تطبيق قانون التأمين الصحي ؟
بداية الحل في وضع سياسات دوائية وطنية شاملة في إطار التأمين الشامل تراعي العوامل الإقتصادية والاجتماعية ، والشرائح الأقل دخلا من المواطنين ، و تتسم بالشفافية والاتساق مع التزامات الدولة بالقوانين الدولية لحقوق الانسان والنظر لقضية تسعير الدواء باعتبارها جزء في إطار النظام الصحي .