محمد محمود : العدالة الغائبة
بمناسبة مرور عام على أحداث شارع محمد محمود والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين شهيداً، بالإضافة إلى عشرات المصابين من المتظاهرين، منهم 49 حالة فقدوا نور ابصارهم ، نتساءل لماذا لم يقدم الجناة للمحاكمة؟
جريمة علانية، شهود كثيرون عاينوا تعامل الشرطة مع المتظاهرين، واختراقها للقواعد المنظمة لاستعمال القوة من أجل فض التظاهر حينما يشكل خطراً على الأمن العام، وتعسف رجال الشرطة في استعمال الحق الذى خولهم القانون إياه، وتعمدهم قتل وإصابة المتظاهرين لا تفريقهم.
وقد تم تكليف عدد من القضاة التحقيق في أحداث محمد محمود، وهم المستشارين/ على حسن غلاب، احمد عبد العزيز، حسن صبري، وقام ثلاثتهم بتقسيم ما ارتكب من جرائم في خلال الخمسة أيام بدء من 19 نوفمبر 2011، الى ثلاثة قضايا؛ الأولى ضد المتظاهرين: حيث وجه إليهم العديد من الاتهامات بالتعدي على رجال الشرطة والمنشآت والتخريب والاتلاف، والثانية؛ هي القضية الشهيرة قناص العيون ضد الملازم أول / محمود صبحى الشناوي، حيث لعبت الصدفة البحتة دوراً هامًا في التمكن من إمساكه متهما بالشروع في قتل المتظاهرين بعد أن نشر أحد الافراد مشهد يظهر فيه الضابط وهو يصوب بالخرطوش مباشرة تجاه المتظاهرين، كما تعرف عليه عدد من المصابين يوم 20 نوفمبر2011 وقت كانت خدمته بشارع محمد محمود، ولا زالت القضية متداولة ولم يفصل فيها حتى تاريخه.
أما القضية الثالثة فهي الخاصة بمقتل أكثر من أربعين شخصا من المتظاهرين بطلقات نارية، وقد تقدم العديد من الشهود بشهادتهم على قيام الشرطة بإطلاق الأعيرة النارية صوب المتظاهرين، في مايو 2011 تقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ببلاغ يصحبه أسطوانة مدمجة تقدم بها أحد المصورين الصحفيين، وقد أدلى بأقواله كشاهد عيان أمام قضاة التحقيق باعتباره من قام بالتقاط هذه المادة الفيليمية، التي تنطوي على كثير من المشاهد التي تظهر كيفية تعامل الشرطة بالقوة مع المتظاهرين، واستهدافها قتلهم وإصابتهم، حيث تحوى المادة لقطات واضحة وعن قرب، وقد أمر قضاة التحقيق بعدم نشر أي خبر عن الأمر حتى لا يؤثر على سير التحقيقات.
إن القواعد المنظمة لاستعمال القوة في فض التظاهر في مصر، وإن كانت تبيح لرجال الشرطة استخدام الاسلحة النارية في فض التظاهر (ومطلبنا مازال منع استخدام السلاح في فض التظاهر) إلا أن الأمر ليس على إطلاقه انما جاء محددا بضوابط هامة، فلا يجوز استعمال القوة إلا إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة، بعد فشل كافة الوسائل، ويكون استعمالها من أجل منع الخطر عن الأرواح، كما تحدد القواعد كيفية التدرج في استعمال القوة ومنح المتظاهرين فرصة لفض التظاهر بإعطائهم مهلة زمنية، و فتح احدى الطرق أمامهم، وفى حالة التصويب يوجه نحو السيقان وليس أعلى الجسم، بالإضافة إلى أن الامر بإطلاق النيران صوب المتظاهرين يجب أن يكون من أقدم قائد بالميدان، والذى لا يستطيع إصدار الأمر إلا بعد الرجوع لقياداته.
برزت دلائل عديدة على قيام الشرطة بهذه الجرائم في أحداث محمد محمود، مع ذلك لم يتم سؤال القوات المشاركة في فض التظاهرات رغم إمكانية الوصول الى الأسماء وأماكن تواجد كل منها بسهولة من خلال دفاتر التحركات، ويمكن أيضا معرفة الأسلحة التي خرجت بصحبة هذه القوات وكم الذخيرة التي نفذت من خلال دفاتر الأسلحة والذخيرة.
يظل عدم وجود جهة مستقلة تقوم بالتحريات وجمع الاستدلالات في قضايا تقف فيها الشرطة متهما تمثل أحد العوائق أمام تحقيق العدالة، فهل من المعقول أن يوكل للشرطة جمع دلائل إدانتها، هل من المنطقي أن تظل الدفاتر التي تحوى المعلومات والأدوات التي تشكل احرازا هامة تدلل على ما وقع من انتهاك بحوزتها؟ أليس هذا مما يضلل طريق العدالة، لكن القانون يعتد بالمسئولية عن الامتناع المتمثل في عدم إصدار القيادات أوامر او قرارات بمنع اطلاق النيران حقنا للدماء، مع ذلك لم تساءل هذه القيادات.
قبل حلول الذكرى السنوية لهذه الأحداث بادر رئيس الجمهورية بإصدار قانون بالعفو الشامل عن المتهمين في أحداث تهدف الى مناصرة الثورة، وترك تحديد هؤلاء الأشخاص للنائب العام، والمدعى العام العسكري، وقد شمل العفو المتهمين في قضية احداث محمد محمود فيما عدا اثنين فقط، فهل كان هذا العفو تهدئة لإفلات المجرمين الحقيقين من العقاب، والتغافل عن حق الشهداء ومحاكمة الجناة.
إن كافة الأحداث منذ بداية الثورة حتى الآن، يتمكن فيها الجناة من الإفلات من العقاب، نتيجة القوانين الراسخة والأنظمة الأمنية العتيقة، التي تحول دون إقرار العدالة.