الحق في المعرفة المسبقة بقواعد وإجراءات العملية الانتخابية ... شبهات حول المد المفاجئ لأيام التصويت، وتأثير ذلك على حقوق الأفراد
أثار قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بمد أيام انتخاب رئيس الجمهورية ليوم ثالث حالة من الجدل والتساؤلات داخل المجتمع المصري، سواء من الناحية القانونية أو السياسية، أو من ناحية الحقوق المدنية والسياسية للمواطن.
ترتبط عملية انتخاب رئيس الجمهورية بالعديد من الحقوق والحريات، منها الحق في الترشح والحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة والحق في الانتخاب، وهناك أيضا حقوق مرتبطة كالحق في حرية الرأي والتعبير وتكافؤ الفرص. ويجب أن تكون عملية الانتخابات (حرة وعادلة) وأن تكون الجهة القائمة على العملية الانتخابية (مستقلة وحيادية) وبالضرورة يجب أن تكون العملية قانونية، ويتفرع عن كل تلك الحقوق من حقوق أخرى منها (الحق في المعرفة المسبقة والوافية بالقواعد والإجراءات المنطبقة على العملية الانتخابية)
بناء على تلك الحقوق أوجب الدستور أن ينظم القانون إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية والزم قانون الانتخابات الرئاسية لجنة الانتخابات الرئاسية بإصدار اللوائح والقرارات التنظيمية المتعلقة بعملها ونشرها، ولذا أصدرت اللجنة قراراها رقم واحد بلائحة عملها ونشر في الجريدة الرسمية وهذا عمل تشريعي فوضت اللجنة في إصداره. وكذلك أصدرت اللجنة العديد من القرارات التنظيمية الأخري للعملية الانتخابية.
الأخطار المسبق عن عملية الانتخابات واجراءاتها وقواعدها وفقا للنظم المصرية يعني، الإعلان بالوسائل القانونية اللازمة وواسعة الانتشار عن عملية الانتخابات وإجراءاتها وقواعدها ويشمل ذلك على سبيل المثال كيفية الانتخاب وأيامه ومدته وتوقيت الفرز وكيفيته، وهو فعلا ما نظمته اللجنة بقراراتها وأعلنت عنه بوقت كافي قبل بدء العملية واصبح ساريا في مواجه الكافة ورتب حقوق والتزامات على كل الأطراف بما فيهم المرشحين.
إلزام القانون للجنة أن تنشر قرار تحديد أيام الانتخابات في الجريدة الرسمية وجريديتين واسعتي الانتشار، وهذا يعني وباللزوم العقلي أن تصدر تلك القرارات وتنشر في اليوم السابق للانتخاب على أقل تقدير، فلا يعقل أن تصدر اللجنة قرار بدعوة الناخبين للانتخاب ثم تقوم بنشر الدعوة بعد إجراءه بأسبوع مثلا. فالنشر هنا ليس أجراء شكلي يمكن تجاهله أو الاستعاضة عنه بوسيلة أخرى أو استكماله لاحقاً، بل هو أجراء لازم وضروري وجوهري لتكون العملية الانتخابية قانونية ونافذة في مواجهة الأفراد، ويلزم أن تحدد الدعوة يوم أو أيام الانتخاب تحديدا نافيا لكل جهالة، فلا دعوة انتخابية قانونية صحيحة بغير تحديد أيام.
لا يمكن اعتبار ذات الدعوة تشمل دعوة لأيام أخري غير وارده فيه، إلا بعد تعديلها ولا يجوز تعديل قرار دعوة الناخبين إلا بنفس طريقة إصداره، فإذا ما رغبت اللجنة في أن تضيف يوم جديد لأيام الانتخابات فعليها أن تتتبع ذات الإجراءات القانونية وهي نشر قرارها بمد التصويت قبل بدء اليوم المضاف لا بعد بدايته في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين واسعتي الانتشار. وهذا ما لم يحدث فقد نشر القرار رقم 34 لسنة 2014 بإضافة (يوم اقتراع) جديد لأيام التصويت في نفس اليوم المحدد للتصويت أي يوم 28 مايو. فحتى الحادية عشر من مساء يوم 27 مايو لم يعلن المواطنين رسميا وقانونيا بأن عمليات الفرز قد توقفت وأن هناك انتخابات غدا، ولا يغني عن ذلك نشر الخبر في كل وسائل الأعلام مهما كان انتشارها، لأنه طالما رسم القانون طريقة معينة للإعلان يجب على الجهة الإدارية التزامها. وخاصة بعد أن اصبح الانتخاب وفقا للقانون المصري التزم وليس حق، التزام يترتب على عدم أداءه عقوبة، بما يعني الإعلان المسبق عن الأيام التي ستشكل ركن أساسي في الجريمة.
من ناحية أخرى القرار الائحي رقم 1 الصادر عن اللجنة كان ينص في المادة 35 على أن يبدئ الفرز في "نهاية اليوم الثاني المحدد للاقتراع". وتعديل هذا النص بموجب القرار رقم 34 لسنة 2014 ولكي يكون ساريا في مواجهة الأفراد سواء مرشحين أو ناخبين يجب نشره، ذلك ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة المصري. فالقاعدة العامة هي أن اللوائح والقرارات التنظيمية شكل من أشكال التشريع، وإن كانت نافذة في مواجهة جهة الإدارة من تاريخ صدورها إلا أنها لا تكون نافذة في مواجهة الأفراد والمرشحين إلا بعد النشر في الجريدة الرسمية بوصفه الوسيلة القانونية الوحيدة لنفاذ القرار في مواجهة الأفراد. ومن تلك القرارات التنظيمية قرار لجنة الانتخابات الرئاسية رقم 1 لسنة 2014 بشأن قواعد ممارسة اللجنة لاختصاصاتها المعدل بموجب القرار رقم 22 لسنة 2014، وما يصير على صدور القرار التنظيمي من ضرورة النشر قبل تنفيذه في مواجه الأفراد يصير على تعديله خاصة إذا ما كان التعديل سيرتب التزام قانوني على الأفراد.
لا انكر على اللجنة حقها في تحديد عدد أيام الانتخاب فلها أن تجعله يوم اثنين أو عشرة فهذا سلطتها التقديرية، إلا أنها ملزمة وفقا للقانوني بان تبلغني كمواطن بأيام الانتخاب على وجه التحديد وبنفس طريقة الإخطار وفي اليوم السابق لليوم المحدد للانتخاب بما فيها أي يوم يضاف، ولا يجوز القول أن القرار هو قرار تمديد شبيه بتمديد الساعات في نفس يوم الانتخابات وذلك لأنه لو كان كذلك لكان من اللازم أن تستمر اللجان مفتوحة طول الليل حتى صباح اليوم الثالث ثم لمسائه، وواقع الحال أنها أغلفت وتم فتحها في يوم جديد كلياً.
الحق في الترشح ليس مجرد تقديم أوراق، والمرشح ليس فقط اسما ورمزا في عملية الانتخاب، المرشح شخص له حقوق ومركز قانوني ومصالح يسعى لتحقيقها، وله الحق في أن يتخذ الإجراءات اللازمة والمساعدة لتحقيق فوزه، منها أن يكون له حملة تتكلف نفقات ومندوبين منتشرين في كل اللجان، يضع خطة واستراتيجية وتوقيتات. وعندما يكون المرشح على علم مسبق بوقت كاف بأيام الانتخابات وإجراءاتها يجهز نفسه لذلك جيدا وفقا لتلك المعطيات المحددة سلفاً والمعلن عنها للكافة؛ سواء بتوفير النفقات والأدوات اللازمة والأفراد المساعدين والمندوبين اللازمين لتحقيق هدفه، وعندما يجهز المرشح نفسه أن اليوم هو نهاية الاقتراع ويوم فرز الأصوات وانفق كل ما تملكه الحملة وتجهز بكل إمكانيته لذلك، فلا يجوز أن تفاجئه اللجنة بقرار قبل ساعات من الفرز بأن اليوم ليس يوم الفرز، فذلك خداع له ويضعف من قدرته على متابعة العملية الانتخابية التي سبق وتقدم وتجهز لها وفق شروط محددة ومعلنا سلفا من ذات اللجنة.
إذا ما نظرنا إلى واقع ما حدث، فسنجد أن حملة المرشح حمدين صباحي على سبيل المثال أعلنت عن الاضرار التي تكبدتها من القرار منها أنها لن تستطيع توفير مندوبين لليوم الجديد لأنها لم تكن جاهزة له، ولأنه سبق للمشرح وحملته الاتفاق مع المندوبين على يومين كما تقول القواعد القانونية المنشورة والسارية وهؤلاء المندوبين لديهم أعمال ووجودهم يكلف أموال طائلة سواء كانت أجور أو إعاشة من مأكل ومشرب أو أن لكل منهم حياة يريد العودة إليها. وذلك يدفعنا للتساؤل، هل كان من المفترض أن تكون اللجنة على علم بذلك أو تتوقع ذلك؟ هل كانت تدرك بأن قرار المد المفاجئ سوف يربك حملة حمدين صباحي بوصفه الأقل أمكانيات وموارد بشرية ومالية، وسيجعله غير قادر على متابعة العملية الانتخابية وسيقلل من فرص تواجد مندوبيه عند الصناديق وأثناء الفرز في العديد من اللجان؟ أخذاً في الاعتبار أن ذات التوقيت شهد وبشكل مفاجئ أيضا اعتداءات متعددة على أعضاء من حملة حمدين وتهديد سلامتهم وحرياتهم في العديد من المناطق مما اضطره إلى سحب من تبق منهم.
لا يحدد القانون نسب معينة لمشاركة الناخبين لنجاح العملية الانتخابية، إلا أن ما فعلته اللجنة يثير الشكوك حول ما إذا كانت لها موقف سياسي من تلك الانتخابات تسعى إلى تحقيقه وهو تحقيق معدل مشاركة أعلى من ذلك الذي حقق في انتخابات 2012، مع العلم بأن أحد المرشحين قد اعلن أنه يرغب في نسبة مشاركة معينة، وعلما أيضاً أن قرار المد جاء بعد توجه رئيس الوزراء بخطاب إلى لجنة الانتخابات الرئاسية مطالبا فيه بالمد، واستجابت اللجنة لرغبة الحكومة ومجهولين من المواطنين.
هناك العديد من أحكام المحكمة الإدارية العليا التي تتحدث عن القرارات التنظيمية وضرورة أعلانها ونشرها، وهناك أحكام للمحكمة الدستورية تتحدث عن أن نفاذ القاعدة العامة المجردة في مواجهة الأفراد يأتي بعد النشر بأربعة وعشرين ساعة، وإن كان المحكمة تتحدث عن القانون إلا أنه ينطبق على اللوائح بوصفها عمل تشريعي في الأصل، وما حدث هو تعديل لقرار تنظيم وهو القرار رقم 1 للجنة وتحديدا المادة 35، وهذا ما يثير شبهات قانونية حول منصب الرئيس، ونحن نريد رئيس بلا شبهات قانونية.