ملابسات ما قبل وفاته...تفاصيل عن قرب: عصام عطا...هكذا يموت الفقراء في بلادي

1 نوفمبر 2011

والد عصام ذهب إلى مدير القضاء العسكري ليطلب تمكين ابنه من النقض..فسخر منه سكرتيره ورفض إجراء أي مقابلة.

لم أكن أتخيل أنه سيأتي يوم، أجد عند تصفحي للأنترنت اسما أعرفه كتب بجواره أنه مات من التعذيب...ببساطة أتحدث عن عصام عطا!.

لي قصة أرغب في مشاطرتكم إياها أحد أطرافها هو عصام عطا. ففي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر اتصلت بي الزميلة منى سيف الناشطة في مجموعة (لا للمحاكمات العسكرية) وطلبت مني تقديم المساعدة لشخص يدعى علي عطا، تتلخص الشكوى في أن ابنه قبض عليه بتاريخ 25 فبراير الماضي وصدر ضده حكما من المحكمة العسكرية في اليوم التالي بالحبس مدة عامين بعد اتهامه بالاستيلاء على إحدى الشقق، وصدق على الحكم اللواء الرويني في 29 مارس 2011 و"للمحكوم عليه الحق بالتقدم بطعن في الحكم".

إلا أن المسؤولين في المحكمة العسكرية يرفضون تمكين نجله من التقدم بهذا الطعن وكذلك المسئولين في سجن طرة يرفضون إنهاء الأوراق اللازمة للتقدم بالطعن في الحكم ومرت ستة أشهر ذهب خلالها والد عصام عطا إلى المحكمة العسكرية وسجن طرة عشرات المرات يرجوهم ويتوسل إليهم تمكين نجله من اجراء الطعن فهذا حقه مثله مثل باقي المصريين، إلا أن كلتا الجهتين امتنعتا عن القيام بعملهما وكأنهما تقولان لوالد عصام عطا لم نمكن ابنك من الطعن حتى تمر السنتان وينفذ الحكم ومن بعدها سنمكن نجلك من الطعن ولا يكون للطعن أي قيمة حينها ويضيع مستقبل ابنك. وبوصفي المسؤول القانوني بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إحدى منظمات حقوق الانسان التي تعمل مع مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية" كتبت شكوى طالبت فيها ليس فقط بحل مشكلة عطا ولكن حل مشكلة مئات المصريين المحكوم عليهم عسكريا وغير الممكنين من الطعن أمام محكمة الطعون العسكرية بسبب تعنت العاملين والمسؤولين بالمحكمة العسكرية وبالعديد من السجون المصرية.

ذهبت أنا ووالد عصام إلى المحكمة العسكرية في الإسبوع الثاني من أكتوبر إلى حيث اللواء عادل المرسي مدير القضاء العسكري ووقفنا على باب مكتبه وطالبت مقابلته لعرض مشكلة عصام ومئات المصريين إلا أن سكرتيره الخاص وهو ضابط برتبه نقيب على ما أتذكر رفض تماما تمكيننا من الدخول ومقابلة المرسي مستخفا بالمشكلة التي نعرضها عليه حاولت إقناعه أن حرمان مواطن ولمدة ستة أشهر ومعه مئات المواطنين من حقه في التقاضي هو انتهاك كبير يستحق أن يتدخل فيه اللواء عادل المرسي بشخصه لحلها، الا أن ذلك النقيب أصر على الرفض، فهو لا يرى حرمان شخص من حريتة هذه المدة الطويلة أمرا مهما.

وأرغمنا السكرتير الخاص للمرسي على مقابلة أحد رؤساء النيابة الذي يعتبر ممن نقدم الشكوى ضده، وحدثه في التليفون وكأنه يقول له "خالي بالك دول بيشتكوك عند اللواء عادل وأنا انقذتك". ولم يكن ذلك بالنسبة لي جديدا ففي الجيش عندما تشكو الجيش يحقق معك الجيش ويحكم في شكواك الجيش.

وفي طريقنا إلى رئيس نيابة شرق القاهرة العسكرية شاهدت مجموعه كبيرة من المواطنين الذين يرتدون الزي الابيض للسجن وجميعهم تقريبا وجوههم عليها أثر زرقة ومتورمة وبعضهم بربط رأسه بشاش طبي وآثار الدماء عليه بينما البعض الآخر يربط قدمه ،كانوا متهمي أحداث مسبيرو، ويرافقهم عدد من زملائنا المحامين.

قابلنا رئيس النيابة العسكرية بعد معاناة، أمر سيادته بحل المشكلة ووعد بأن تحل مشكلة عصام خلال يومين وعرفنا بعد ذلك أنه بدلا من إلزام السجن بإنهاء الأوراق وإرسالها للمحكمة، انتقل السجن إلى حيث المحكمة وجاء عصام وسط حراسة من عساكر وضباط حيث وقع عصام على الأوراق وعاد إلى سجنه وهو اجراء كان من الممكن حله بأبسط من ذلك بكثير.

كان والد عصام سعيدا جدا وغير مصدق أن المشكلة التي يعمل على حلها لنجله منذ ستة أشهر لم يستغرق حلها أكثر من ثلاث دقائق في مقابلة مع رئيس النيابة وكان مبتسما وأخذ يدعو لي ولكل من هم يعملون مثلي ولـ منى سيف ولكل واحد بيعمل خير واخذ يدعو لمتهمي مسبيرو ويقول ربنا معاهم شكلهم اتبهدلوا واتظلموا زي ابني، وأصر أن يعزمني على كباية شاي على حسابه كشكل من أشكال التعبير عن الشكر.

بعد ذلك بيومين اتصل بي والد عصام وابلغني أنه تم انهاء الاوراق وقالي لي ما معناه "احنا غلابه ومعناش فلوس ندفعها لمحامي نقض، قابلنا واحد قال عايز عشرة الاف جنيه وارخص واحد عايز خمسة آلاف وإحنا معناش كل المبلغ ده"، وطلب مني أن نتبنى قضية نجله أمام محكمة الطعون العسكرية، قلت له من حق ابنك أن تمكنه الدولة من نقض حكمه وأن توفر له الدفاع والمحامي. بل الدستور كفل هذا حق لكل الموطنين والحكومة المفروض أنها ملتزمة بأن توفرلك محاميا كما هو الحال أي دولة محترمة.

لكن في مصر هذا الحق منصوص عليه في الدستور فقط  لكن في الحقيقة ليس له وجود، وأنا لست محامي نقض وتبني قضيتك يا عم علي يحتاج إلى مراجعة مع أحد زملائنا المقيدين أمام محكمة النقض ونحتاج إلى الإطلاع على الملف قبل تقرير ذلك وإن لم نستطع سنبحث عن محام يقبل بأتعاب رمزية يقوم بالتوقيع على عريضة النقض، وطلبت من والد عصام أن يعاود الاتصال بي مرة أخرى،بعد أن أكون قد راجعت الموقف مع زملائي أو بعد الاتصال بمجموعة لا للمحاكمات العسكرية، ولكنه لم يتصل ولم أتصل به وظننت أنه قد حل المشكلة وسيتقدم بالطعن.

كنت أعلم جيدا أن التقاضي في مصر شبه مقصور على الاغنياء والقادرين فقط، أما الفقراء فلهم السجون، من لا يستطع دفع تكلفة محامي ليطعن في حكم صادر ضده لا توفر الدولة له هذا المحامي رغم  أن ذلك حقه وفقا للدستور ووفقا لمواثيق حقوق الانسان.

في اليوم التالي اتصلت بي صحفية من المصري اليوم "الطبعة الإنجليزية"، تسألني عن الأزمة التي تتعرض لها منظمات حقوق الانسان في مصر وطلبت مني مثلا فيما تنفقه الأموال التي تتلقاها تلك المنظمات قلت لها "لا يجوز أن يرهن تمتع الانسان بحقوقه على مقدرته على دفع تكلفة ذلك فحقوق الانسان لكل انسان وليست للقادرين فقط، والدولة المصرية لا تقوم بدورها ولا توفر للمواطنين حقوقهم ولا تمكنهم من ذلك، ولذا فمنظمات حقوق الانسان كثيرا ما تلعب دور الدولة وتحاول ان تمكن المواطن من حقوقه بعيدا عن إن كان قادرا على ذلك أم لا، وضربت لها مثالا وقلت العدالة في مصر ليست للفقراء، فالتقاضي شبه مقصور على الاغنياء والقادرين فقط، ولذا فنسبة كبيرة من أموال منظمات المجتمع المدني تكون لمساعدة المواطنين على التمتع بحقوقهم وحرياتهم بشكل متساو بغض النظر عن غناهم أو فقرهم.

لا أعلم كيف اقنعت الحكومة المصرية عدد غير قليل من المواطنين أن من يعمل على دفع الدولة إلى احترام حقوق الانسان وتمكين الافراد من التمتع بحقوقهم هم غير وطنيين ويسعون لإفساد البلاد، وأن من ينتهك تلك الحقوق ويحرم المواطن منها بل ويعذبه ويقتله هو ذلك الوطني الغيور على بلاده.