وثيقة من المجتمع لحقوق المرضى
برزت فى الآونة الأخيرة وبشكل متنامٍ العديد من أوجه القصور التى تعانى منها المنظومة الصحية فى مصر ومنها على وجه الخصوص تلك المتعلقة بحقوق المرضى. فلا يخلو أى بيت مصرى من التجارب الأليمة أثناء تلقى الخدمات الصحية سواء كان ذلك فى المؤسسات الصحية العامة والخاصة ما بين أخطاء مهنية وإهمال وغياب للشفافية وانتهاكات لأبسط حقوق المرضى مما يؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة وقد يؤدى فى الكثير من الحالات إلى العجز أو الوفاة دون أن يتبع ذلك أى إجراء لتفادى تكرار تلك الانتهاكات المستمرة.
كذلك، وفى ظل غياب قانون محدد للمساءلة الطبية، أصبح أعضاء الفريق الطبى تحت تهديد مستمر بالإيقاف عن العمل أو تشويه السمعة أو حتى الحبس دون أن يحميهم القانون من الأعراض الجانبية المتوقع حدوثها بعد التدخلات الطبية المختلفة أو حتى من الأخطاء التى لها نسبة حدوث عالمية ويجب أن تتحملها المنشآت الطبية أو جهات تأمينية متخصصة أو الدولة.
فحقوق المريض أو متلقى الخدمات الصحية مصونة فى جميع أنحاء العالم بقوانين أو مواثيق مُلزِمة، محلية أو دولية، يتم بناء المنظومة الصحية على أساسها، وتُحدِد العقد الاجتماعى بين متلقى الخدمة ومقدمها. ولكن مصر تفتقر إلى هذا النوع من الوثائق حيث لا يوجد أى تحديد لحقوق المريض إلا من خلال ما وضعته ادارة الجودة فى الوزارة لعدد من الحقوق كجزء من معايير اعتماد الوحدات والمراكز الصحية، يعلق أحيانا على الجدران دون أية آليات حقيقية لتنفيذها لغياب شرعيتها القانونية.
فإلى متى سوف نستمر فى قراءة هذه القصص المروعة على مواقع التواصل الاجتماعى والصحف وفى برامج التوك شو فى انتظار أن تأتى إلينا حقوق من السماء؟
***
من هنا جاءت فكرة مشروع الكتابة المجتمعية لـ«وثيقة حقوق المريض»، كوثيقة يكتبها الشعب بدعوة مفتوحة للمشاركة، ومن خلال عينة ممثلة للمواطنين، يحددون فيها ــ عبر مشاركتهم الواسعة ــ الحقوق الأساسية، التى يجب على مقدمى الخدمات الصحية أن يضْمنُوها للجميع، وأن تحميها الدولة لكل إنسان على أرضها. ثم العمل على تحويل هذه المخرجات إلى وثيقة قانونية ملزمة تحدد حقوق المريض المصرى.
ففى ديسمبر 2013 دُشنت المرحلة الأولى من المشروع حيث قام متطوعو الحملة بتجميع آراء المواطنين بصورة كيفية من خلال 296 مجموعة بؤرية على مستوى الجمهورية. ثم فى نوفمبر 2014، بدأت الحملة العمل باستخدام أدوات كمية أبسط فى صياغة الوثيقة، فكانت الدعوة للمواطنين بالمشاركة من خلال نماذج ورقية وعن طريق زيارة الموقع http://egyptianpatient.org/. ومع نهاية هذه المرحلة، كان فريق العمل قد قام بتجميع آراء 10,103 مشارك من جميع المحافظات، يمثلون مختلف الأعمار ومستويات الدخل.
أخيرا، فمنذ مارس 2015، قام فريق المشروع بعرض نتائج وأولويات المواطنين على الخبراء والمتخصصين بهدف صياغتها بشكل مناسب فى صورة وثيقة قانونية بسيطة وواضحة يتم إصدارها بشكل قانونى كوثيقة موحدة لحقوق المريض فى مصر.
***
اليوم نعرض النتيجة الأخيرة لهذا العمل المجتمعى فى صورة وثيقة تضم ١٢ حقا يرى المصريين (من خلال هذه العينة الممثلة) أنها حقوق أساسية يجب ضمانها وحمايتها وتحقيقها لكل متلقى خدمة طبية.
تبدأ الوثيقة بالحق فى إتاحة الرعاية الصحية المناسبة وفقا لاحتياجات المريض والحفاظ على كرامته الإنسانية دون تمييز. كما تضم الوثيقة الحق فى الحصول على الخدمات الصحية من خلال فريق صحى مدرب، يتبع معايير الجودة وبروتوكولات التشخيص والعلاج المتفق عليها عالميا، والحق فى توفر خدمات الطوارئ وإسعاف سريعة وفعالة بغض النظر عن تكلفتها، والحق فى توفير الأدوية والمستلزمات والتدخلات الفعالة والآمنة بما فيها اجراءات الوقاية والكشف المبكر والتثقيف الصحى.
كما أظهر العمل الميدانى اهتمام المشاركين بحقهم فى توفير المعلومات الخاصة بحالة المريض أو بعلاجه بصورة مفهومة ومبسطة وفى معرفة أسماء وتخصصات أعضاء الفريق المعالج وظيفة وطبيعة دور كل منهم. كذلك الحق فى موافقة المريض المستنيرة قبل أى إجراء واختيار سبل العلاج المناسبة له بناء على معلومات واضحة ودقيقة، كما يحق لكل مريض طلب استشارة اضافية من طبيب آخر أو عدم الاستمرار فى العلاج والحق فى احترام خصوصيته ومعتقداته وفى سرية المعلومات الخاصة به وفى وجود ملف طبى كامل، دقيق، ومحدث يستطيع أن يحصل على نسخة منه عند طلبه.
كما يحق لكل متلقى خدمة صحية ضمان اتباع إجراءات تحميه من المخاطر أو الإهمال أو الأخطاء أو العدوى أو أى ألم غير ضرورى أو الغش أو المتاجرة بمرضه أو الاستغلال وفى تلقى الرعاية الصحية فى أماكن مناسبة من حيث النظافة والأمان كما له الحق فى احترام وقته وتوفير مكان مناسب للانتظار وقبول أو رفض الزيارات أو اطلاع آخرين على ملفه الطبى إلا فيما يحدده القانون، كما له الحق فى معرفة حقوقه كمريض وأسعار الخدمات المقدمة وفى وجود أطر واضحة للشكوى والتقاضى والتعويض فى حالات الخطأ أو الإهمال الطبى وانتهاك حقوقه كمريض.
أخيرا، الحق فى المشاركة فى الرقابة المجتمعية على الخدمات المقدمة وفى متابعة نتيجة الشكاوى وفى تكوين وعضوية لجان لحقوق المريض.
***
ولضمان تحقيق تلك الحقوق للجميع، تنتهى الوثيقة بالتأكيد على التزام متلقى الخدمة الصحية وزوار المنشأة باتباع سياسات المنشأة واجراءات تنظيم العمل بها واحترام المرضى الآخرين وأعضاء الفريق الطبى والحفاظ على المنشآت والأجهزة والمعدات وإخطار المسئولين بأى خروج عن ذلك.
تمثل هذه الوثيقة نموذجا للمشاركة المجتمعية فى وضع آليات للمساءلة بخصوص حقوق المرضى باعتبارها من الأوليات والالتزامات الدستورية التى يجب احترامها والعمل على تنفيذها من الجهات التنفيذية، فهل ننتظر كثيرا تبنى هذه الوثيقة وتنفيذ هذا الالتزام؟
تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 19 يونيو 2015