براءات نظام مبارك تشدد على أهمية إدراج الجرائم الاقتصادية ضمن المفاهيم المنبثقة من حقوق الإنسان

16 أبريل 2013

تشير منظمة العفو الدولية إلى أن "ظاهرة الإفلات من العقاب توجد في الأساس عندما تتقاعس السلطات المحلية في البلدان التي تأثرت بالجرائم عن العمل، فمن الضروري أن تتمكن النظم القضائية المدنية والجنائية في جميع البلدان الأخرى من النهوض بمهمة النظر في تلك الجرائم بالنيابة عن المجتمع الدولي،" وبناء عليه تنبع أهمية قيام ولاية قضائية عالمية من أجل السماح بتحقيق العدالة في بلد آخر إذا كان هذا البلد يطبق ولاية قضائية عالمية في جريمة محددة والبلد الأصلي يتقاعس عن تحقيق العدالة.

حتى الآن تطبق بعض الدول الولاية القضائية العالمية في جرائم محددة، وعادة ما تكون في جرائم لها علاقة بالحرب والتعذيب، وخطف الرهائن، وهو الحال في المملكة المتحدة على سبيل المثال. لتوضيح المسألة أكثر، يستطيع أي ضحية تعذيب أن يقيم دعوة في المملكة المتحدة ضد من ارتكب التعذيب حتى إن لم يكن أحد أطراف الجريمة يحمل جنسية المملكة المتحدة، وحتى إن لم ترتكب الجريمة على الأراضي البريطانية وفي نطاق ولايتها القضائية.

وبالرغم من الاتفاقيات الدولية العديدة التي تهدف إلى مكافحة الفساد، فإن جرائم الفساد لا تزال جرائم تخضع للولايات القضائية القُطرية، بالرغم مما تتضمنه في بعض الأحيان من تعاون دولي لطبيعة الجريمة العابرة للأقطار، ولكن بالرغم من الطابع الدولي لجرائم الفساد، خصوصا مع النظام الرأسمالي العالمي الجديد، والتطور التكنولوجي الذي يتيح سهولة نقل الأموال حول العالم، وإجراءات تشبيكات معقدة من المِلكية في العديد من الدول، فإن الجرائم المالية ما زالت محرومة من الولاية القضائية العالمية.

ففي الدول النامية يهاجر رأس المال الذي عادة ما يكون ناتجاً عن أعمال فساد إلى الخارج، ويوجد العديد من الحيل لإخفاء هذه الأموال عن أعين السلطات، ويهرب الفاسد من العدالة عادة بسبب كونه صاحب نفوذ سياسي قوي في دولة لا تطبق فيها قواعد العدالة بشكل سليم وتشكل هذه المسألة مشكلة دولية لأنه حسب تقديرات البنك الدولي فإن حجم الأموال المفقودة الناتجة عن الأنشطة الإجرامية، والفساد والتهرب الضريبي في البلدان النامية، يقدر بما بين 500 إلى 800 مليار دولار سنويا ما يمثل حوالي نصف الدين الخارجي لتلك البلدان. وعلاوة على هذا فإن البنك الدولي يؤكد أن التكلفة الحقيقية الناجمة عن فساد الطبقة الحاكمة أعلى بكثير، لأنها تشمل تدهور المؤسسات العامة خصوصا المالية منها، وتدمير مناخ الاستثمار، وتدهور الخدمات العامة الأساسية كالصحة والتعليم والتي يتأثر بها في الأساس المواطن الفقير، وتزداد هذه الأضرار التابعة collateral damage مع زيادة فترة حكم الرؤساء والزعماء الفاسدين.

وتقدر منظمة جلوبال فاينانشال إنتيجريتي-القريبة من البنك الدولي-حجم الأموال المهربة من مصر في فترة حكم مبارك بنحو تريليون (ألف مليار) جنيه مصري، وتعتبر أغلبها إن لم يكن كلها في عداد المفقودات الآن، ولكن يوجد بعض الجهود المتواضعة لتجميد ورد بعض أموال نظام مبارك المهربة، في شكل شركات وعقارات وأصول وحسابات بنكية، لكن هناك عائقا أساسيا يحول دون رد الأموال إلى أصحابها، وهو عدم وجود طرق لمحاكمة مرتكبي الجرائم الاقتصادية إلا عن طريق قوانين من صنعهم هم، في حين أن الانتهاكات الجسدية لها العديد من المحاكم الدولية والولايات القضائية العالمية بالرغم من الارتباط الشديد بين الممارستين بحيث يوجد بينهما دائما علاقة طردية.

فتحت بعض القوانين "سيئة السمعة" الباب على مصراعيه لممارسات فاسدة، مثل قوانين تخصيص الأراضي التي كلفت الدولة ما لا يقل عن عشرات المليارات من الجنيهات، ولكن يؤخذ على مجال حقوق الإنسان، والذي ينبثق منه مفاهيم كالولاية القضائية العالمية، والعدالة الانتقالية، اهتمامها فقط بالانتهاكات الجسدية المباشرة التي يكون فيها الضحية والجاني واضحين، ولكن في واقع الأمر، انتهاكات حقوق الإنسان ما هي إلا نتيجة طبيعية للفساد المالي والظلم الاقتصادي والاجتماعي ولذا ينبغي أن يكون على قائمة أولويات المفاهيم المنبثقة من حقوق الإنسان خاصة الولاية القضائية العالمية وصياغة مفهوم جديد للعدالة انتقالية يشمل الجرائم الاقتصادية وليس فقط الإنتهاكات الجسدية المباشرة.