الفصل الأول: أنواع السجون

وحقيقة الأمر أن ما أمكن حصره من هذه القرارات بلغ سبعة وعشرين قرارًا، كان آخرها قرار وزير الداخلية رقم 2028 لسنة 2013 باعتبار تسعة وعشرين مقرًّا من المقرات التابعة لهيئة الرقابة الإدارية من الأماكن المرخصة قانونيًّا بإيداع المتهمين فيها، وذلك في القضايا التي يتم ضبطها بمعرفة الهيئة، وفقًا للضوابط القانونية المقررة فى هذا الشأن. وخلال نصف القرن السابق تطورت مسألة تحديد السجون، ففي مطلع الستينيات صدر قرار وزير الداخلية رقم 113 لسنة 1962 بشأن السجون المركزية بالمحافظات الذيوفقًا للقانون المصري، بعض حقوق السجناء وإجراءات السجن  تطبق على الجميع وبعضها الآخر يطبق على فئات معينة من السجناء.

فقد حددت المادة الأولى والمادة الأولى مكرر من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 أنواع السجون بمصر وهي كما جاءت بذلك القانون :-

1- الليمانات وتنفذ فيها الأحكام الصادرة بالسجن المشدد على الرجال، ويوجد بمصر أربع ليمانات وهي ليمان أبو زعبل وليمان وادي النطرون وليمان طرة وليمان جمصة.

2- السجون العمومية و تنفذ فيها الأحكام الصادرة على الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة السجن، والنساء المحكوم عليهن بعقوبة السجن المشدد، والرجال المحكوم عليهم بعقوبة السجن المشدد الذين ينقلون من الليمانات لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم نصف العقوبة المحكوم عليهم بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل وكان سلوكهم حسنًا خلالها، المحكوم عليهم بالسجن لمدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم أقل من ذلك ولم يكونوا مودعين من قبل في سجن عمومي.

3- السجون المركزية وتنفذ بها العقوبة على أي شخص محكوم عليه بالحبس البسيط أو الحبس مع الشغل لمدة لا تزيد على ثلاثة شهور والذين يكونون محلًّا للإكراه البدني تنفيذًا لأحكام مالية، المحبوسين احتياطيًّا إذا قررت النيابة العامة إيداعهم السجن المركزي حسب ما جاء بالمادة الأولى، اللائحة الداخلية للسجون المركزية رقم 1654 لسنة 1971.

4- سجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية تعين فيها فئات المسجونين الذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم، ويصدر وزير الداخلية قرارًا بتعيين الجهات التي تنشأ فيها السجون من كل نوع ودائرة كل منها، وعلى سبيل المثال فقد أصدر رئيس الجمهورية قراره رقم 228 لسنة 1990 بإنشاء وتنظيم سجون خاصة بالمحكوم عليهم بجرائم المخدرات.

5- أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، وقد نص على هذا النوع بالمادة الأولى مكرر من قانون تنظيم السجون وأماكن الحجز الملحقة بأقسام الشرطة ومديريات الأمن ومعسكرات الأمن المركزي وغيرها من الأماكن التي أصبحت سجونًا مركزية بقرارات صدرت عن وزراء للداخلية.

حدد مئة وسبعة وثلاثين سجنًا كسجون مركزية. وخلال عقد الستينات صدر قرار وزير الداخلية رقم 5 لسنة 1969 باعتبار أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي أو فروعها من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المعتقلون والمتحفظ عليهم والمحتجزين وكل من تسلب حريتهم على أي وجه، وبالتالي دخلت ضمن تعريف السجون الذي نفهمه من المادة الأولى للقانون 396 لسنة 1956 والساري إلى يومنا هذا.

ويتضح من بيان أنواع السجون على النحو سالف الذكر وتحديد كل فئة من فئات المسجونين الذين يودعون بكل سجن أن المشرع المصري يعترف بأهمية تصنيف المسجونين، وينم عن إدراكه بأن هذا التصنيف لا بد منه كمرحلة أولية لازمة لتطبيق أساليب المعاملة العقابية السليمة لتحقيق الهدف الأساسي من توقيع عقاب سالب للحرية وهو إصلاح المحكوم عليهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيًّا، إلا أنه جعل تصنيف المسجونين وفقًا لجسامة العقوبة وأهمل جوانب عديدة أخرى لا بد من مراعاتها في التصنيف "فمن ناحية يتعين الاهتمام بنظام لفحص المحكوم عليهم، سواء من الناحية الطبية أو النفسية أو العقلية أو الاجتماعية،  وهذا يتطلب أن يقوم بعمل الفحص والتصنيف جهاز مركزي يتوافر فيه عدد كاف من الاختصاصيين من ذوي الكفاءة العالية.

وهناك أهمية لدور القضاة في المساهمة في تصنيف المحكوم عليهم، فقد طالب العديد من الفقهاء الفرنسيين على سبيل المثال بوجوب أن يكون قاضي تطبيق العقوبات هو الذي يقرر، بناء على نتائج الفحص الفني التجريبي، توزيعَ المحكوم عليه على المؤسسة العقابية المناسبة لحالته. ومن ناحية أخرى، فإن نجاح عملية التصنيف يتطلب وجود العديد من المؤسسات العقابية المتخصصة حتى يمكن توزيع كل محكوم عليه على المؤسسة الملائمة لظروفه، ولا زال النظام العقابي المصري يفتقر إلى مثل هذا النوع من المؤسسات العقابية.   

وبالإضافة إلى الانتقادات الموجهة إلى النظام القانوني المصري في تحديده أنواع السجون وتصنيف المسجونين وفقًا لجسامة العقوبة فقط فإن النصوص القانونية المحددة لأنواع السجون في مصر أعطت صلاحيات تقديرية واسعة للسلطة التنفيذية دون رقابة، عرضتها  لعدد من الانتقادات الأخرى منها:

1- إعطاء رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات بإنشاء سجون خاصة تعين فيها فئات المسجونين بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم. ويرى كثيرون، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية  منهم، أن هذا الأمر يفتح الباب للانحراف والتعسف من قبل رئيس الجمهورية وإنشاء أماكن احتجاز موازية خارج الحماية القانونية المعتادة، والأولى أن يتم إنشاء هذا النوع من السجون بقانون يحدد فئات المسجونين الذين يودعون فيها وشروط معاملتهم وشروط الإفراج عنهم حتى لا ينحرف بهذا النوع من السجون بالغرض الذي خصصت من أجله.

2- ما جاء بنص المادة الأولى مكرر من قانون تنظيم السجون المضافة بالقانون رقم 57 لسنة 1968 من جواز إيداع المحبوسين احتياطيًّا والمعتقلين إداريا و المحكوم عليهم في غير السجون المخصصة لذلك والمنصوص عليها في المادة الأولى، وجواز إيداعهم في مكان آخر أطلق عليه القانون "أحد الأماكن" وعدم وضع هذا النص ضابطًا محددًا لهذا المكان وبالتالي جواز إيداع كل من يحتجز أو يعتقل أو يتحفظ عليه أو تسلب حريته على أي وجه في أي مكان يحدده وزير الداخلية بقرار منه، وهو ما يعني إمكانية سوء استخدام هذه السلطة المطلقة لمعاقبة سجناء بعينهم أو ممارسة العديد من الضغوط على هذه الفئات كونهم مودعين بسجون غير تابعة لمصلحة السجون ولا يوجد عليها أي نوع من أنواع الرقابة وإجبارهم على الإدلاء بأقوال أو اعترافات معينة.

3- قصر حق الإشراف القضائي المنصوص عليه في المادة 85 من القانون رقم 396 لسنة 1956  لهذه الأماكن- التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية-  للنائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل يصعب سبل الإشراف القضائي على هذه الأماكن لكثرة أعباء النائب العام ورؤساء النيابات وعدم إعطاء الحق لرؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق ورئيس ووكيل محكمة النقض ولعضو النيابة الأقل درجة من رئيس في التفتيش على هذه الأماكن.

المراجع:

  1. عرفت المادة 14 من قانون العقوبات السجن المشدد بأنه تشغيل المحكوم عليه أشق الأشغال التي تعينها الحكومة مدة حياته إن كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها إن كانت العقوبة مؤقتة ولا يجوز أن تنقص العقوبة المؤقتة عن ثلاث سنين ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونيًّا.
  2.  عقوبة السجن كما جاء بالمادة 16 من قانون العقوبات هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه  في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه، ولا يجوز أن تنقص تلك المدة عن ثلاث سنين ولا تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونيًّا.
  3.  والإكراه البدني كما عرفته المادة 511 من قانون الإجراءات الجنائية يكون لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة، ويكون بالحبس البسيط، وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل خمسة جنيهات أو أقل، ومع ذلك ففي مواد المخالفات لا تزيد مدة الإكراه على سبعة أيام للغرامة ولا على سبعة أيام للمصاريف وما يجب رده والتعويضات، وفي مواد الجنح والجنايات لا تزيد مدة الإكراه على ثلاثة أشهر للغرامة وثلاثة أشهر للمصاريف وما يجب رده والتعويضات.
  4.   د. شريف سيد كامل ـ علم العقاب- ص 277،278  دار النهضة العربية .
  5.   حماية السجناء والمحتجزين، عبد الله خليل
  6. عبد الله خليل- المرجع السابق.