المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تدين حبس أطفال خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، 9 قضايا منذ يناير 2015 أدين فيها 12 متهمًا، 11 قضية ما زالت منظورة أمام النيابة العامة بخلاف الحالات التي اقتصرت على العقاب الإداري فقط
بيان صحفي
أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أحكام الإدانة الصادرة حديثًا في ما يعرف بقضايا ازدراء الأديان وإهانة المقدسات الإسلامية خلال الفترة الأخيرة، والتي كان آخر فصولها الحكم الصادر اليوم من محكمة جنح أحداث بني مزار في القضية رقم 350 لسنة 2015، بالحبس لثلاثة طلاب أقباط هم مولر عاطف داود وألبير أشرف وباسم أمجد، خمس سنوات، وإيداع المتهم الرابع كلينتون مجدي مؤسسة عقابية لصغر السن عند إحالة ملف القضية، وذلك على خلفية تصوير مقطع تمثيلي ساخر يتهكم على بعض ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام. هذا بخلاف الحكم الصادر من محكمة جنح أدكو في 23 فبراير الجاري بتأييد الحكم الصادر غيابيا بحبس مصطفى عبد النبي ثلاث سنوات على خلفية نشر آرائه الدينية على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". وأكدت المبادرة المصرية أن هذه الأحكام تأتي في سياق هجمة شرسة على جملة من الحريات الشخصية والعامة وانتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين، وفي مقدمتها حريات العقيدة والرأي والتعبير.
وقالت المبادرة المصرية إنها وثقت تسع قضايا منذ بداية العام 2015، صدرت في جميعها أحكام بالإدانة ضد اثني عشر متهمًا، أقباطًا ومسلمين ينتمون إلى المذهبين الشيعي والسني، وملحدين. بينما يوجد ما يزيد على إحدى عشرة قضية ما زالت منظورة أمام النيابة العامة، وجهت في هذه القضايا اتهامات إلى نحو أربعة عشر مواطنًا وفقًا لأحكام المادة 98(و)، 160، و 161 من قانون العقوبات المصري والتي تجرم ما يعرف بازدراء اﻷديان. وما زال عدد من هؤلاء المتهمين محبوسًا على ذمة التحقيقات رغم تجاوز المدة القانونية، وعدد آخر أخلي سبيله بكفالة على ذمة قضايا منظورة أمام جهات التحقيق. هذا، بخلاف القضايا التي اقتصر فيها العقاب على الجانب الإداري بالوقف عن العمل وخصم جزء من الأجر الشهري.
وأشار إسحق إبراهيم الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن "جهات التحقيق والجهات القضائية لم توفر الحماية الواجبة لهؤلاء الضحايا، بل ساهمت في الكثير من الحالات في الإخلال بحقوق المتهمين الأساسية، عبر التواطؤ الصريح من قبل النيابة العامة مع جانب الشاكين أو المعتدين إلى تبني القضاة تفسيرات محافظة لمواد قانونية ملتبسة، تنتهك حزمة من الحقوق غير القابلة للتنازل مثل حرية الاعتقاد والتعبير والحق في محاكمة عادلة. كما يتم معاقبة المتهم على نفس الفعل عدة مرات إذ يحدث ذلك عن طريق مراكمة اتهامات مختلفة ضد المتهم بغرض تغليظ العقوبة بتجميع عدد أكبر من السنوات. فبخلاف المواد المتعلقة بازدراء اﻷديان في قانون العقوبات أضيفت مواد أخرى من قانون الطفل وقانون الاتصالات".
من جانبها، حذرت المبادرة المصرية من خطر القيود التي تفرض على المواطنين باسم "حماية اﻷديان" أو "النظام العام" أو "اﻵداب العامة" وهي القيود التي تحد من الحرية الأم، وأساس كل الحريات: حرية التعبير والاعتقاد.
وطالبت المبادرة المصرية بإلغاء المادة 98 (و) من قانون العقوبات، التي يحاكم على أساسها معظم الضحايا، كما طالبت بالإفراج عن جميع المتهمين الصادر بحقهم أحكام أو المحبوسين على ذمة قضايا خاصة بازدراء الأديان، وأن يصدر كتاب دوري من قبل النائب العام ينظم إجراءات تقديم البلاغات وإجراء تحقيقات النيابة وإحالة الدعاوي إلى المحاكم المختلفة.
خلفية الأحداث: اعتداءات على ممتلكات أقباط بقرية الناصرية
شهدت قرية الناصرية بمركز بني مزار شمال محافظة المنيا اعتداءات طائفية على ممتلكات أقباط ومحاولة لاقتحام كنيسة القرية منذ 7 إبريل 2015 ولعدة أيام متتالية، على خلفية اتهام مدرس مسيحي يدعى جاد يوسف يونان و4 طلاب بالمرحلة الثانوية هم ألبير أشرف، وباسم أمجد، ومولر عاطف، وكلينتون مجدي بازدراء الإسلام وإهانة المقدسات الإسلامية وإثارة الفتنة الطائفية، وذلك بأداء مقطع تمثيلي مدته نصف دقيقة، تهكموا فيه على ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" للصلاة و ذبح ضحاياه في نفس الوقت.
وقد تم تصوير المقطع التمثيلي خلال رحلة خاصة نظمت في 4 فبراير 2015، بواسطة كاميرا تليفون شخصي بدون إعداد مسبق، وقد فقد المدرس الذي قام بالتصوير "شريحة الذاكرة" ووجده أحد مسلمي القرية وشاهد مقطع الفيديو، وحرر محضرًا ضد المدرس المسيحي، الذي ألقي القبض عليه في 7 إبريل. وقررت نيابة بني مزار حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات بعد اتهامه بازدراء الإسلام. كما قام أهالي الطلاب المسيحيين بتسليمهم إلى قسم الشرطة.
وفور انتشار خبر مقطع الفيديو، نظم عدد كبير من أهالي القرية مسيرة تجوب طرقات القرية وترفع شعارات مناهضة للمسيحية، كما رددوا هتافات عدائية تجاه المسيحية والمسيحيين، ورشق مشاركون في المسيرة منازل الأقباط بالطوب ودقوا أبواب المنازل ونوافذها. وقد تدخل عدد من اﻷهالي من المسلمين وفضوا التجمهر .
نظمت خلال الأيام التالية مسيرات حطم مشاركون فيها أستديو تصوير وصيدلية وأبواب ونوافذ عدد من منازل الأقباط بالرغم من وجود قوات الأمن على مقربة من مكان اﻻعتداءات.
ونظمت جلسة عرفية يوم الجمعة 17 إبريل بديوان عمدة القرية مجدي إبراهيم وبحضور مساعد وزير الداخلية للمنيا وأسيوط ومدير أمن المنيا وعدد من القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية (الأرثوذكسية والإنجيلية) وبعض أولياء أمور الطلاب المتهمين في الأحداث.
وأقرت الجلسة تهجير المدرس المسيحي جاد يوسف وأسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال من القرية وعدم عودتهم مجددًا،و بقاء الطلاب بالقرية مع تعهد عمدتها بحمايتهم حال خروجهم من الحبس، واستكمال الإجراءات القانونية ضد المدرس والطلاب، وتقديم اعتذار من مسيحيي القرية عن الواقعة.
وقد وقف القس عاذر كاهن كنيسة السيدة العذراء معتذرًا لمسلمي القرية، عن ما أثير بشأن الإساءة. وعقب الاتفاق والتصالح وجه مساعد وزير الداخلية لأمن المنيا وأسيوط إنذارًا إلى الحضور قائلا: "بعد الصلح اليوم لن أسمح بأي تجاوز وسوف أتعامل قانونيا بعد ذلك ولن نتهاون في أمور أخرى بعد هذا الصلح، "مفيش هزار بعد كده هنتعامل بقوة مع أي شخص يخرج عن القانون". وتحدث في ذات الجلسة عدد من المشايخ عن ضرورة التعايش المشترك بين المسيحيين والمسلمين ودعم قيم الإخاء والمحبة.
من جانبها، قررت نيابة بني مزار الجزئية حبس المتهمين عدة مرات بعدما وجهت إليهم تهمًا تتعلق بازدراء الإسلام. وفي 14 مايو 2015، قررت محكمة جنح المستأنف بني مزار إخلاء سبيل المدرس القبطي جاد يوسف بكفالة 10 آلاف جنيه، وقامت أسرته بدفع الكفالة لكنه ظل متحفظًا عليه بقسم شرطة بني مزار عدة أيام قبل أن يطلق سراحه. وقد واجه المدرس تعنتًا من جهة عمله حيث امتنعت عن صرف راتبه الشهري أو نصفه كما هو مقرر في القانون في حالة وقف الموظف العام عن العمل، كما رفضت طلب نقله من المدرسة التي يعمل بها إلى أخرى بعد إخلاء سبيله وتهجيره هو وأسرته من القرية وقبل صدور الحكم بإدانته وحبسه ثلاث سنوات وكفالة ألفي جنيه لإيقاف التنفيذ المؤقت في 27 ديسمبر الماضي.
في 27 مايو 2015، قررت محكمة جنايات المنيا إخلاء سبيل ثلاثة من الطلبة المحبوسين، هم مولر عاطف داوود، باسم أمجد حنا، ألبير أشرف حنا، في حين ظل الطالب الرابع كلينتون مجدي يوسف محبوسًا حتى 3 يونيو 2015.
كانت نيابة بني مزار قد قسمت ملف القضية إلى دعويين، الأولى رقم القضية 19794 جنح بني مزار خاصة بالمدرس جاد يونان، إذ أحالت النيابة المتهم وفقًا للمواد 98 (و) و 102 و 161 من قانون العقوبات، وجاء في أمر الإحالة بأنه قام بأداء شعائر الدين الإسلامي بطريقة لا تتفق مع صحيح الدين، وأذاع ذلك بوسيلة من وسائل الإعلام حال كونه مسيحي الديانة بقصد ازدراء الدين الإسلامي. وحددت أول جلسة في 25 أكتوبر 2015، وتم التأجيل للاطلاع والاستعداد لجلسة 6 ديسمبر، حيث حجزت المحكمة القضية للحكم يوم 27 ديسمبر 2015، وصدر الحكم بالحبس ثلاث سنوات وكفالة ألفي جنيه لإيقاف التنفيذ المؤقت.
وخلال جلسات المحاكمة، نفى محامي المتهم القصد الجنائي والفعل المادي للواقعة، حيث لم يقم المدرس بأداء الصلاة، كما لم يوجد ترتيب وإعداد مسبق، وكانت عملية مفاجئة من قبل الطلاب داخل غرفة مغلقة، ولم يتعد زمن التسجيل نصف دقيقة. وطالب الدفاع بعرض الشريط في وجوده للتعليق على محتواه، ومقارنته بتقرير خبير الإذاعة وهو ما رفضته المحكمة.
الدعوى الثانية رقم 350 لسنة 2015 جنح أحداث بني مزار، والمتهم فيها الطلاب مولر عاطف داود، باسم أمجد حنا، كلينتون مجدي يوسف، ألبير أشرف. ووجهت نيابة بني مزار إلى المتهمين تهم إقامة شعائر الدين الإسلامي بطريقة لا تتفق مع صحيح الدين وإذاعة ذلك بوسيلة من وسائل الإعلام حال كونهم مسيحيي الديانة بقصد ازدراء الدين الإسلامي بالتقليد لشعيرة الصلاة من اأجل إحداث فتنة طائفية.
عقدت الجلسة الأولى 8 أكتوبر 2015، وقامت المحكمة بتأجيلها لتاريخ 22 أكتوبر الماضي، ثم حجزت للحكم 31 ديسمبر الماضي مع ضم الحرز، ثم مد أجل الحكم الذي صدر بجلسة اليوم والقاضي بحبس ثلاثة طلاب خمس سنوات وإيداع الرابع دارًا للأحداث. وقد رفضت المحكمة أيضًا طلب المحامي بعرض شريط الفيديو بحضوره خلال الجلسة لمناقشة محتواه ومقارنته بتقرير الخبير الفني المنتدب لتفريغه.