الإضراب حق دستوري

بيان صحفي

1 مايو 2015

جاء احتفال الدولة بعيد العمال هذا العام مختلفاً عن كل الأعوام السابقة، ومعبراً عن المسار السياسي والاقتصادي الذي تنتهجه، و بدا للكافة أن هديتها للعمال هي محاصرة الحق فى الإضراب وتجريم ممارسته فقد اجتمع رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب مع قيادات عمالية لترتيب الاحتفال بعيد العمال وطالبهم بتشكيل لجان عمالية لمنع الإضراب وبتاريخ 27/4/2015 أقامت الدولة احتفالاتها الرسمية بهذا العيد بمقر أكاديمية الشرطة، وبصرف النظر عن الدلالة السياسية للمكان، فقد أعلن رئيس اتحاد العمال الرسمي في هذا الاحتفال عما أسماه بـ "ميثاق شرف عمالي" تعهد فيه العمال برفض الحق في الإضراب. وفي صباح اليوم التالي صدر بيان من النيابة الإدارية استعرضت فيه أجزاء حيثيات حكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا1 بحظر وتجريم الحق في الإضراب، وأقر عقوبة "الإحالة للمعاش" حال قيام الموظفين بممارسته بزعم مخالفة الإضراب للشريعة الإسلامية،وأن التزام مصر بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أباح الحق في الإضراب "مقيد" بأحكام الشريعة الإسلامية.

وحيث أن تاريخ مجلس الدولة المصرى فى حماية الحقوق والحريات وفى القلب منها الحريات النقابية لا يقل عن تاريخ مجلس الدولة الفرنسى بل ويربو عليه فى العديد من المبادىء، لذا كان حكم الإدارية العليا بما تضمنه من مبادىء وتفسيرات لا تحاصر فقط الحق فى الاضراب بل تجرمه وتجعل الاحالة للمعاش هى العقوبة التى تطبق على كل من يمارسه من الموظفين العموميين، أمراً جلل ستكون له آثاره القانونية على حقوق وحريات الموظفين العموميين، وفى هذا الإطار نوضح عدداً من الحقائق القانونية والدستورية بشأن تلك الواقعة:

أولاً: أن الموظفين الصادر ضدهم الحكم هم (17) موظف من العاملين بالوحدة المحلية بقرية قورص مركز أشمون منوفية، عن احتجاجات عمالية جرت بالوحدة بداية من يوم 13/6/2013 بما يمثله هذا التاريخ من مدلول سياسى واجتماعى على الحراك الجماهيرى فى كل ربوع مصر وليس هؤلاء الموظفين فقط.

ثانياً: صدر حكم المحكمة التأديبية بالمنوفية يوم 29/12/2014 وقضى بإحالتهم للمعاش، وقد تم الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الادارية العليا، ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التى قضت بالمحكمة الادارية العليا، والتى قضت فى 14/3/2015 بوقف تنفيذ حكم المحكمة التأديبية بالمنوفية وأحالت القضية لهيئة المفوضين لإعداد تقرير بالرأي، ومن الجدير بالذكر أن دائرة فحص الطعون تتكون من جميع أعضاء الدائرة الموضوعية عدا رئيس الدائرة فقط.

ثالثاً: انتهت المفوضين الإدارية العليا وأوصت بإلغاء الحكم المطعون عليه لأن الإضراب حق للموظفين، وتحدد لنظر القضية يوم 11 إبريل 2015 أمام دائرة الموضوع، وبهذه الجلسة لم يحضر الموظفين أو محاميهم وبدلاً من إصدار المحكمة قراراً بإعادة إعلانهم بالجلسة للتيقن من معرفتهم بها قررت المحكمة حجزها للحكم دون أن تستمع لدفاع الموظفين، وصدر الحكم فى الأسبوع التالي بتاريخ 18/4/2015 بتأييد حكم المحكمة التأديبية بالمنوفية بإحالتهم للمعاش.

رابعاً: الحكم استند فى تفسير أسبابه إلى أن توقيع مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية جاء مع التحفظ على عدم مخالفته للشريعة الإسلامية، وزعم أن الإضراب مخالفاً للشريعة الإسلامية وبالتالي فمصر غير ملتزمة بنص الاتفاقية الذى يتيح الاضراب عن العمل، وهو تجاهل بين للتطور الدستوري المصري فوقائع القضية تمت فى يونيه 2013 أثناء سريان المادة 64 من دستور 2012 الذى جعل من الاضراب حقاَ دستورياً يعلو على القانون المحلى والاتفاقيات الدولية وأن حكم الادارية العليا صدر فى ظل دستور 2014 الذى أكد على أن الإضراب حق دستورى فى مادته رقم 15.

خامساً: أن الحكم خلط بين مفاهيم (الاضراب عن العمل، والاعتصام، واحتلال المنشآت)، حيث تناولها باعتبارها شكل احتجاجي واحد متجاهلاً حقيقة أنها أنماط متنوعة وغير متشابهة، فالإضراب هو الامتناع عن العمل وقد يكون كلياً أو جزئياً، تبادلياً أو تباطؤي، وقد لا يترتب عليه وقف الإنتاج أو احتلال المنشأة، فالإضراب التباطىء هو الذى يتباطأ فيه العمال أو الموظفين عن معدلات الإنتاج أو الأداء المطلوبة دون أن يوقفوا العمل، والإضراب التبادلي هو الذى يتوقف فيه قطاع عن العمال دون الباقين ويتبادلوا الأدوار كل يوم أو كل فترة زمنية محددة، وهناك الاضراب الكلى الذى يمتنعوا فيه معظمهم عن العمل دون إعاقة من لم يرغب بالإضراب، وهو ما يختلف إختلافاً جوهرياً عن الاعتصام والذى قد لا يترتب عليه أى تعطيل للعمل كأن تدخل وردية للعمل أما الوردية التى كان من المفترض ذهاب عمالها لمنازلهم يعتصوا خارج العنابر وفى ممرات الشركة دون الذهاب لمنازهم مع استمرار وردية العمل فى ممارسة أعمالها دون توقف. وهو ما يعنى بقاء كل الورديات بنطاق موقع العمل وعدم مغادرته وفى ذات الوقت ممارسة الوردية المعنية لأعمالها.

وهو ما يختلف عن أعمال احتلال المنشأت ومنع الغير من ممارسة أعمالهم بالقوة وهذا له إطاره القانونى ومفهومه الاجرائى والعقابى والتأديبى الذى يختلف إختلافاً جوهرياً عن الحق فى الاضراب بكل أشكاله.

سادسا: الحكم زعم أن الاضراب عن العمل جريمة جنائية استناداً إلى أن المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 قد جرمه، وهو ما يعد متناقضاً مع هذا القانون ذاته لكونه قانون مؤقت يطبق فقط أثناء إعلان حالة الطوارئ ووقائع أحداث تلك القضية جرت بداية من 13 يونيه 2013 ولم تكن حالة الطوارىء معلنه من بداية وقوع تلك الأحداث وحتى صدور حكمها الأخير.

سابعأ: أن الحكم يرى أن كل امتناع عن العمل جريمة لكونه يضر بالغير متجاهلاً أن دستورى 2012 و2014 نصا على أن الاضراب حق دستوري، والإضراب معناه إباحة حق العمال والموظفين فى الامتناع عن العمل، فكيف يراه الدستور حقاَ دستورياَ وتراه المحكمة جريمة جنائية وتأديبية.

ثامناً: أن الحكم استند فى حيثياته إلى حكم صادر من مجلس الدولة الفرنسى عام 1961 ضد الاضراب، متجاهلاَ كافة الأحكام التالية التى صدرت من مجلس الدولة الفرنسى أيضا منذ منتصف الستينات وحتى الآن والتى تختلف عن الحكم الذى استند إليه، وترسى مبادىء لحماية حق العمال والموظفين فى الاضراب عن العمل.

تاسعاً: تجاهل الحكم التفرقة بين الاضراب المشروع والاضراب غير المشروع، فالأول هو الذى يلتزم فيه العمال والموظفين بالشروط التى حددها القانون لممارسة هذا الحق، والثانى هو الذى يمارسه العمال والموظفين دون الالتزام بتلك الشروط، وفى التشريع المصرى نجد أن قانون العمل 12 لسنة 2003 الذى ينطبق على عمال القطاع الخاص قد اعترف بحق الاضراب ووضع شروطاَ لممارسته ومتى التزم العمال بتلك الشروط أضحى إضرابهم مشروعاً، أما الموظفين العموميين فكان يحكمهم قانون العاملين المدنيين بالدولة وقت أحداث تلك القضية، ثم قانون الخدمة المدنية وقت صدور الحكم الأخير وكلى التشريعين قد تجاهل وضع ضوابط ممارسة الموظفين لحق الاضراب، وعندما عرض نزاع مماثل على المحكمة التأديبية بطنطا فى القضية 1120 لسنة 17 قضائية وتمسكت هيئة قضايا الدولة بأن الاضراب غير مباح لعدم إصدار الدولة قانون ينظم ممارسة الموظفين لهذا الحق حكمت المحكمة برئاسة المستشار عبد البديع عسران وعضوية المستشار أحمد الشاذلى فى 10 مارس 1991 ببراءة الموظفين من تهمة الاضراب لأنه لم يعد جريمة وأكد الحكم على أن تقاعس الدولة عن وضع ضوابط ممارسة الموظفين العموميين لحق الاضراب لا يعنى مصادرته ولكن إطلاقه للموظفين دون قيود أو شروط، كما قضت المحكمة التأديبية بالقاهرة فى 30 ابريل 2012 ببراءة موظفى مستشفى الدعاة التابعة لوزارة الاوقاف من تهمة الاضراب لكونه حق وليس جريمة وناشد الحكم المشرع المصرى بضرورة وضع تشريع ينظم ممارسة الموظفيين العموميين لهذا الحق وذكر "لا يسوغ أن يكون الموقف السلبى للمشرع مبرراَ للعصف بهذا الحق والتحلل من أحد الالتزامات الهامة التى قبل أن يكفلها من قبل المجتمع الدولى خاصة وأن هذا الحق يعد من أهم مظاهر ممارسة الديمقراطية وهو ما أكدته معظم التشريعات فى العالم"

عاشراً: لجأ الحكم فى حيثياته إلى القول بمخالفة الإضراب للشريعة الإسلامية استناداً لقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله، هو قياس مع الفارق، يطبق قاعدة فقهية تحمل العديد من التفسيرات والتأويلات لكونها نسبيه الأثر وتختلف من مكان لمكان، ومن زمان لزمان، ومن واقعة لواقعة، ولا يجوز استخدامها كقاعدة موضوعية لمصادرة حق الاضراب وتجريمه فالاضراب بزعم مخالته للشريعة الاسلامية.

 

وفى هذا الإطار يؤكد الموقعين على هذا البيان:

أولاً: احترامهم وتقديرهم لتاريخ مجلس الدولة المصرى العريق فى حماية الحقوق والحريات العامة وفى القلب منها الحريات النقابية للموظفيين العموميين، وأنهم لن يتقاعسوا عن اتخاذ كافة الاجراءات القانونية وصولاً لدائرة توحيد المبادىء بالمحكمة الادارية العليا لحماية الحق فى الاضراب وضمانات ممارسته دون انتقاص أو تقييد.

ثانياً: أن الاضراب لم يعد جريمة لكنه حق لكافة العمال والموظفين، اكتسب وجوده بالتشريع المصرى من خلال مصادقة مصر على العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثم قانون العمل 12 لسنة 2003، حتى أضحى حقاً دستورياَ بموجب دستورى 2012 و2014.

ثالثاً: أن جميع النصوص القانونية الواردة بالتشريع المصرى التى كانت تجرم الاضراب، والسابقة على دستور 2014 أضحت معيبه بعيب عدم الدستورية الطارىء وأصبح النص الدستورى هو واجب النفاذ.

رابعاَ: أن الدولة المصرية وضعت قواعد ممارسة العمال للإضراب بمنشآت القطاع الخاص، ولم تضع التشريع الذى ينظم قواعد ممارسة الموظفين العموميين له، وهو ما يعنى إطلاق حق الموظفين فى ممارسة هذا الحق دون شروط، وعلى الدولة وضع الضوابط التى توازن فيها بين تسيير المرفق العام وبين ممارسة الموظفين العموميين لحقهم الدستورى فى الاضراب عن العمل دون إنتقاص أو تقييد.

 

المنظمات الموقعة:

1. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

2. مركز هشام مبارك للقانون

3. مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب

4. مؤسسة حرية الفكر والتعبير

5. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان

6. مؤسسة المرأة الجديدة

7. مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان

8. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية

9. المفوضية المصرية للحقوق والحريات

10. مصريين ضد التمييز الديني

11. نظرة للدراسات النسوية

12. الجماعة الوطنية لحقوق الانسان

13. مؤسسة قضايا المرأة المصرية

14. مركز اندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف

15. مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية أكت

 

رابط حيثيات الحكم :

http://goo.gl/swR5Be