أفكار وقوانين القرن التاسع عشر تحكم اتخاذ دور العبادة في مصر

بيان صحفي

24 ديسمبر 2014

تحت عنوان: "ترخيص بالصلاة: أزمة حرية اتخاذ دور العبادة في مصر"، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ورقة موقف، تقدم تصورًا أكثر شمولية حول هذه الأزمة بعيدًا عن حصرها في مشكلة الافتقار إلى قوانين تنظيم البناء.

ففي أعقاب انطلاق ثورة يناير 2011 تجدد الجدل حول الحاجة إلى قانون ينظم بناء دور العبادة في مصر، وتداول سياسيون وحقوقيون وإعلاميون مقترحات لقانون موحد لدور العبادة، ولاحقًا انحصر الجدل حول ضرورة صدور تشريع لتنظيم بناء الكنائس فقط، وهناك مناقشات جارية حول مسودات بعض مواده وفقًا ﻷحكام الدستور المصري المعدل.

وفي ضوء هذا الجدل، رأت المبادرة المصرية أن جذر الأزمة هو استمرار قرارات إدارية، تعود جذورها إلى أوضاع مؤسسية وفقهية لم تُراجع أو لم يتم تحديثها منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهي أوضاع رسخت تمييزًا واضحًا بين المسلمين وغيرهم في حرية ممارسة النشاط الديني، حيث لا تتمتع أي طائفة من غير المسلمين بحق ممارسة الشعائر إلا وفق ترخيص سابق من الحاكم المسلم يعترف بهذه الطائفة ويحدد المكان المرخص بممارسة النشاط الديني فيه.

وقال عمرو عزت، الباحث، ومسئول حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية، وكاتب الورقة: "صدور تشريع مخصوص للكنائس قد يمثل انفراجة فيما يخص بناءها وترميمها، ولكنه سيمثل في كل الأحوال استمرارًا لسياسات فيها تمييز بين المسلمين وغيرهم، بخصوص حرية ممارسة الشعائر الدينية واتخاذ دور العبادة، كما أن التراجع عن التفكير في قانون موحد لدور العبادة جميعها لصالح قانون للكنائس فقط، يشير إلى رسوخ سياسات التمييز، وإلى أن هناك جهات متعددة تدافع عن هذا التمييز".

وهذا الترخيص بممارسة الشعائر الدينية، يعود إلى تاريخ سياسات دولة الخلافة القائمة على إطار "الحرية الدينية في الإسلام"، والتي تجعل للمسلمين سيادة على غيرهم في دولتهم، وتجعل الحريات الدينية لأي مجموعات دينية أخرى رهن ترخيص من المسلمين عبر الحاكم المسلم أو من ينوب عنه، وبذلك يكون الأصل في إتاحة أي حقوق دينية لغير المسلمين هو استثناء من التقييد وفي إطار من التمييز وعدم المساواة. وهو إطار مختلف ومناقض لإطار الحرية الدينية ـ التي تؤسس لها الدساتير ،وفق المرجعية الحقوقية ـ الذي يضمن ابتداءً حرية الدين والمعتقد وممارسة الشعائر لأي مجموعة من المؤمنين بأي دين في إطار من المساواة وعدم التمييز.

وتشير الورقة إلى أن إطار الخط الهمايوني العثماني الصادر سنة 1856 والذي ينظم الترخيص بممارسة النشاط الديني لغير المسلمين و"الاعتراف" بهذه الطائفة الدينية قبل إتاحة أي حقوق دينية لها، ما زال حاضرًا، وأيضًا هو حاضر في التقييد الدستوري لحرية اتخاذ دور عبادة لأبناء "الديانات السماوية الثلاث" فقط، واعتبار غيرها "ديانات غير معترف بها"، وفق أحكام قضائية عديدة تعرضها الورقة، كما أن نفس الإطار لا يزال حاضرًا في سياسات إدارة الشئون الدينية الإسلامية وفق ما أشارت له دراسة سابقة أصدرتها "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعنوان: "لمن المنابر اليوم؟ سياسات الدولة في إدارة المساجد”.

وتوصي الورقة بعدة توصيات من أجل إصلاح شامل لسياسات ضمان الحرية الدينية، منها: إلغاء أي آثار للخط الهمايوني العثماني الذي يشترط ضرورة صدور ترخيص بالنشاط الديني لغير المسلمين من رأس الدولة، والاكتفاء فيما يخص دور العبادة جميعها بالترخيص من جهات الإدارة المختصة بشئون التنظيم في الدولة بدون الحاجة إلى إصدار تشريعات جديدة تضع ضوابط على مواصفات ومكان دار العبادة، وترك ذلك لأعضاء المجموعة الدينية وحريتهم، وللضوابط العمرانية التي تحددها جهات التنظيم، يستوي في ذلك المساجد والكنائس وغيرها من دور العبادة.

كما توصي الورقة بتفعيل دور "مفوضية التمييز" التي أوصى بها الدستور في متابعة أعمال جهة الإدارة وتراخيصها ورصد أي تعنت أو تمييز، بدلًا من أستخدام تقارير الأمن كتوصية لقبول الترخيص باتخاذ دور العبادة أو رفضه، وتوصية الأمن بالتصدي لأي ردود فعل طائفية على محاولة اتخاذ دور للعبادة، بدلًا من استخدامها هذا السلوك الطائفي كذريعة لتعويق إصدار التراخيص.