المبادرة المصرية: الإسكان الاجتماعي بين سياسات الماضي وفرص المستقبل

بيان صحفي

7 ديسمبر 2014

اهتمت الحكومات والأنظمة المصرية بمشاريع الإسكان المدعم لمن تسميهم بـ"محدودي الدخل" منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية. تغيرت الأسماء، ما بين إسكان شعبي، وإسكان اقتصادي، وإسكان الشباب والمستقبل، وأخيرًا، "إسكان اجتماعي"، كما حمل أحدهم اسم الرئيس المخلوع، حسني مبارك. أنفقت الحكومة المليارات من الاستثمارات والدعم على هذه المشاريع، رغم بناء معظمها، قبل نَصِّ الدستور المصري صراحةً على حق المواطنين في السكن، حيث كان أول دستور يحمل مثل هذا النص هو دستور 2012 ثم الدستور الحالي، دستور 2014.

وقد اتضح لوزارة الإسكان قصور هذه السياسة حيث بدأت الوزارة في شهر مايو الماضي عملية لوضع سياسة إسكان جديدة لمصر، تشارك فيها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بدراستها الجديدة بعنوان "سياسة الإسكان في مصر بين استمرار سياسات الماضي ووضع سياسات عادلة للمستقبل" لتحليل معمق لسياسة الإسكان الراهنة من خلال أكبر مشروعين للإسكان في تاريخ مصر، برنامج الإسكان القومي والمعروف بـ"إسكان مبارك"، وبرنامج الإسكان الاجتماعي والمعروف بـ"المليون وحدة"، ومقارنتهما بالدراسات الاجتماعية والاقتصادية وبمعايير الحق في السكن، ظهر فشل سياسة الإسكان الراهنة، المعتمدة اعتمادًا رئيسيًّا على بناء الإسكان المدعم، وعلى رفع المعاناة عن كاهل الأسر الفقيرة في حيازة مسكن ملائم وآمن وصحي.

مشروع الإسكان الاجتماعي، والمعروف باسم مشروع المليون وحدة، لم يَسْلم من المصالح السياسية للنظم الحاكمة. فَوُلد المشروع في قلب العاصفة الشعبية التي أطاحت بمبارك، وعاصر التقلب بين أربعة عهود سياسية خلال الثلاث سنوات الماضية. ورغم تبنى كلٍّ من هذه الأنظمة المشروع، وإنفاق نحو 20 مليار جنيه عليه، فهو لم ينجح إلا في تنفيذ فقط 11% من إجمالي عدد الوحدات التي كان من المخطط تنفيذها خلال السنتين الماليتين 2012-2013 و2013-2014، واستفادت أقل من 1000 أسرة منه حتى كتابة هذه الأسطر. كما أن الحصول على هذه الوحدات محدود ومقتصر على فقراء الموظفين من القطاعين العام والخاص الرسمي، حتى أصحاب الدخول فوق المتوسطة، فيما تم تهميش غالبية من يعملون دون عقود، وخارج الإطار الرسمي، وهم أكثر الأسر في حاجة إلى إسكان مدعم لاتباعه نظام التمويل العقاري في تخصيص الوحدات.

في المقابل قام القطاع الخاص غير الرسمي ببناء نحو 6.5 مليون وحدة خلال السنوات الثلاث الماضية*، أي بمعدل 1.8 مليون وحدة سنويًّا. فإذا افترضنا أن ثلث هذه الوحدات تخدم شرائح الفقراء ومتوسطي الدخل، فهذا بمثابة ثلاثة أضعاف ما سَعَت الحكومة إلى توفيره من مساكن، ونحو 43 ضعف ما قامت الحكومة بتنفيذه بالفعل في الفترة نفسها.

ويثير هذا النمط الانزعاج بسبب التشابه بينه وبين أخطاء مشروع إسكان مبارك سابقًا. فرغم إنفاق 34 مليار جنيه، فقد تجاهل مشروع "إسكان مبارك" الأسر محدودة الدخل (تلك التي تقع في شريحتي الدخل الفقيرة والأكثر فقرًا) حيث لم تشكل الوحدات الأنسب للفقراء، مثل: محور "الإيجار" ومحور "الأولى بالرعاية"، إلا أقل من عُشر الوحدات المكتملة تمامًا، بالإضافة إلي ضيق مساحات وحدات الأولى بالرعاية وعدم ملاءمتها كسكن أُسري. كما لم ينفذ المشروع وعده ببناء نصف مليون مسكن في ست سنوات، حيث لم يكن قد نُفذ سوى ثلاثة أرباع عدد الوحدات المستهدف تنفيذها، وهذا بعد مرور سنة إضافية على ميعاد انتهاء المشروع، فيما تم تمويل وبناء ثلث هذا العدد من قبل الأفراد والأهالي والقطاع الخاص (محورا ابني بيتك والمستثمرين). فعلى الرغم من أن البرنامج ظهر في بدايته وكأنه يقدم مساهمة ملموسة للإسكان الحضري، فإنه لم يستوفِ أيًّا من مستهدفاته الاجتماعية.

ورغم توافر المشورة من الخبراء على المستويات الحكومية العليا بشأن مسائل متعلقة بالعدالة الاجتماعية مثل تسرب الدعم وفحص المستفيدين المحتملين، فيبدو أن الدافع الأساسي وراء برنامج الإسكان القومي لم يكن سوى تحقيق المكاسب السياسية للنظام في المقام الأول، وتحقيق مكاسب اقتصادية لمناصريه من جميع الفئات في المقام الثاني.

ولذا يتطلب الوضع الراهن عملية دقيقة لإعادة هيكلة السياسات والتشريعات التي تحكم آلية توفير الحكومة المسكن الملائم للفقراء والمهمشين، إذا كانت هناك النية فعلًا لتطبيق حق المواطنين الدستوري والحد من الامتداد العشوائي للعمران وتآكل الأراضي الزراعية. وفي إطار وضع سياسة إسكان جديدة لمصر، يتوجب دمج المشاريع والاستثمارات العامة المعنية بالمسكن في خطة واحدة شاملة، وهذا عن طريق:

ضبط ومراقبة السوق العقاري حيث انخفضت القدرة الشرائية للأسرة المصرية بنحو 13 ضعفًا بالمقارنة بسعر الإسكان المدعوم، وأكثر من 25% بالنسبة إلى السوق الحرة، وهو ما له أثر ضخم في قدرتها على حيازة مسكن ملائم أو حتى غير ملائم. لذا تأتى على رأس التوصيات ضبط ومراقبة السوق العقاري، وهذا عن طريق طرح جميع وحدات مشروع الإسكان الاجتماعي بنظام الإيجار، و تأسيس جهة مستقلة لمراقبة السوق العقارية وحماية المستهلك، و خروج أجهزة وزارة الإسكان من المتاجرة في الأراضي والعقارات.

توجيه دعم الإسكان للفقراء واﻷكثر فقرًا، وبخاصة من يعملون بالقطاع غير الرسمي، وهذا يتم من خلال تأسيس جهة حكومية غير تنفيذية على مستوى رئاسة الوزراء، تنظم برامج الإسكان المدعم بين الجهات الحكومية المختلفة، وتضع خطة متكاملة لدعم الإسكان وتأسيس قاعدة بيانات موحدة للمستفيدين من دعم الدولة. وتقوم بتعديل حدود الدخل والتعريف القانوني لـ"محدودي الدخل"، حسب الإحصاءات الرسمية للدخل لتضم فقط من هم من فئتي الفقراء والأكثر فقرًا.

وضع خطة لدعم المسكن تضم عشرة برامج مختلفة تستجيب إلى التحديات المختلفة لتقليص عدد الأسر التي تسكن بمسكن غير ملائم، تقع أولويته على دعم فئتي الفقراء والأكثر فقرًا وهذا عن طريق توجيه كامل وحدات مشروع الإسكان الاجتماعي بالإيجار، وإعادة توجيه الإسكان التعاوني لتوفير قطع أراضٍ مدعمة بريف مصر والمناطق الحدودية لهاتين الفئتين فقط، بالإضافة إلي استحداث برنامج لتأجير مساكن خاصة قائمة، واستحداث برنامج مِنَح لدعم ترميم وصيانة المساكن الصادر لها قرارات ترميم، واستحداث برنامج لإعادة تسكين الأسر التي تسكن بمسكن مزدحم.

*“التفتيش الفني : 318 ألف عقار مخالف في مصر تضم 6.5 مليون وحدة"، البورصة، 01-10-2014 http://tinyurl.com/k6o9hfv (استرجاع: 30-10-2014).