على الحكومة المصرية ضمان حقوق المواطنين في مساكن ملائمة قبل هدم مساكنهم الحالية، منظمات حقوقية تدين عمليات إزالة المساكن وإخلاء المواطنين قسرًا في "الدويقة"

بيان صحفي

10 أبريل 2014

قامت محافظة القاهرة صباح يوم الاثنين الموافق 7 من أبريل 2014، ببدء حملة الإزالة لمساكن شارع الرزاز في "الدويقة"، الصادر بشأنها قرار الإزالة رقم 16 لسنة 2014، من رئاسة حي "منشأة ناصر" بتاريخ 9 من مارس 2014، وهي المباني الواقعة بين حارة "المأذون" وحارة "محمد ثابت"، في حضور محافظ القاهرة الدكتور جلال سعيد، ونائبه للمنطقة الغربية، ورئيس حي "منشأة ناصر" وعدد من القيادات الأمنية، وبتوجيهات صادرة من رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب. وتدين المنظمات الموقعة عدم توفير الضمانات الكافية للمواطنين لحقهم في المسكن الملائم، وتعريضهم للإخلاء القسري والتشريد، حيث بدأت القوات التابعة للحي في تنفيذ عمليات هدم وإزالة العقارات قبل الانتهاء من إجراءات الإخلاء وإعادة التسكين. كما تتم العمليات بدون كوردون أمني في أثناء ذلك، مع تواجد للعديد من المواطنين في الموقع ـ منهم أطفال ـ مما يعرض سلامتهم وحياتهم للخطر. وهذا يمثل إكراهًا على الإخلاء القسري، دون الوصول إلى شروط عادلة مع الأهالي، ودون ضمان توفير سكن بديل ملائم لجميع المتضررين. وقد اضطرت هذه الإجراءات التعسفية عددًا من المواطنين وذويهم إلى المكوث في الشارع بلا مأوى، وما زال عدد أكبر مهددًا بنفس المصير. كما ندين سياسات المسئولين في إدارة التفاوض مع السكان في نفس وقت تنفيذ الإزالة، بطريقة تشكل ضغطًا على السكان، ولا تتيح فرصًا عادلة لضمان حقوقهم، حيث يتفاوض السكان بشأن حق أساسي تتعلق به كل حقوقهم الأخرى، كالعمل والصحة والتعليم، أيْ أنهم يتفاوضون على مصائر حياتهم وهو ما لا يجب الاستهانة به أو أخذ قرارات غير مدروسة بشأنه.

قال الحاج "رمضان" ـ أحد أصحاب العقارات التي تحوي شققًا سكنية مؤجرة و "ورش" ـ عن تعامل المسئولين يوم الإزالة: "أنا مش هاطلع من بيتي من غير ورق التمليك حسب الاتفاق مع رئيس الوزراء. وكلمت المحافظ وقلتله: مش هاطلع من بيتي من غير ورق يضمن حقي. قاللي: هاجي أهد البيت عليك."، ويشهد أيضًا "ربيع محمد" ـ صاحب وساكن عقار آخر، مهدد بخسارة ورشته الخاصة مصدر رزقه ـ : " باطالب إن بيتي وورشتي مايتهدوش. بل ما يضمن حقي. المحافظ قاللي: هاتتهد يعني هاتتهد. ليه الكلام بالعصاية والنار؟ إحنا مالناش حقوق في البلد دي!"

أما بخصوص توفير المساكن البديلة، فقد صرح محافظ القاهرة لوسائل الإعلام المختلفة بأن المحافظة وفرت 102 شقة بشكل مبدئي لهؤلاء السكان، ولن تستمر في عملية الإزالة إلا بعد توفير مساكن بديلة للسكان، بينما رصدنا أن هذه الوحدات السكنية قد عُرضت على بعض المتضررين قبل عملية الهدم بوقت غير كافٍ لمعاينتها (أقل من 24 ساعة) وفي أثناء عملية الإزالة لأغلبهم، ودون بيان التزاماتهم أو التزامات الدولة كطرفين للتعاقد، كما لم يحصل أي من المتضررين حتى الآن، على أي أوراق رسمية تمثل سندًا للحيازة يضمن لهم عدم إخلائهم مجددًا من المساكن البديلة. ولقد فوجئوا بمطالبتهم بدفع مبالغ نقدية لم يتم الاتفاق عليها كمقدم للشقق، وأخرى سيتم دفعها بشكل دوري شهريًّا لأمد غير معلوم و بدون عقد موثق.

وحسب الشهادات المتطابقة للمستأجرين الذين تم إرسالهم لاستلام مساكن تابعة لمدينة السادس من أكتوبر، في اليوم السابق للإزالة وهو يوم الأحد مساءً، فإنهم قد واجهتهم مشاكل أمنية عند استلام الشقق حيث اعترضهم ملثمون يسيطرون على هذه المساكن الحكومية، واعتدوا عليهم بالأسلحة وطالبوهم بدفع مبالغ نقدية لاستلام الشقق، غير ما دفعوه لموظفي التسكين بالحي. تقول المواطنة ش.هـ. في شهادتها: "إمبارح جَت عربيات ونقلتنا بعفشنا لأكتوبر. استلمنا هناك مفاتيح الشقق بعد مَدَفعنا لموظف الحي 404 جنيه مقدم للشقة. وعرفنا إننا هندفع في الشهر 55 جنيه ايجار. بعدها رحنا المساكن إللي هِيَّ جنب طريق الواحات. وصلنا هناك بعد المغرب. رحنا لقينا الكهرباء مقطوعة عن المنطقة. مع أول عربية جت تنزل العفش، فجأة طلع علينا ناس ملتمين ومعاهم سلاح وقالولنا عايزين 300 جنيه عشان العفش ينزل مالعربية، و300 جنيه عشان المفتاح يدخل في الكالون, لما مارضيناش ندفع ضربوا علينا نار، فاحنا طلعنا نجري وفيه ناس اتعورت في وسط الجري, موظف الحي إللي معانا فضل يكلم القسم لحد ماجالنا أمين شرطة على مسافة بعيدة من المساكن, بنقوله نعمل إيه؟ قالنا: مفيش حل غير إنكوا تراضوهم عشان تعرفوا تدخلوا. أنا رجعت من غير عفشي. المكان هناك مش أمان. أنا حامل ومفيش هناك لا مستشفى ولا سوق ولا حاجة. ده غير إن الناس دي ممكن يطلعوا علينا في أي وقت ياخدوا أتاوة ولا حد هيحمينا هناك."

كما تكررت ملابسات شبيهة مع أصحاب العقارات الذين تم إرسالهم لاستلام وحدات سكنية بديلة في حي المقطم حيث وجدوها غير مؤهلة للسكن، تفتقد المرافق الأساسية كالماء والكهرباء وغير مجهزة بالأبواب والنوافذ، ما يهدد بالضرورة أمن وسلامة واستقرار معيشتهم. فحسب شهادة إحداهم: " في الأول قالولنا المنطقة دي خطر، وهننقلكم المقطم في شقق تمليك. جوزي وافق وقاللي: مادام هنتعوض خلاص. جت عربيات الزبالة بتاعت الحي ونقلت عفشنا للمقطم. رحنا لقينا خرابة. الشقق أوضة وصالة على المحارة وأرضها طوب ورمل، ومفيهاش لا مياه ولا كهرباء ولا صرف ولا شبابيك ولا أبواب، ده غير إننا مش عارفين دي إيجار ولَّا تمليك. خدنا بعضنا أنا وعيالي السبعة وجوزي ورجعنا. والحمدلله ماكانوش لحقوا يهدوا البيت."

وأخرى: "إحنا عندنا بيت دورين: الدور الأرضي ورشتين حدادة وخراطة، والدور إللي فوق إحنا ساكنين فيه. قالولنا: هنعوضكم بشقتين وورشة. رحنا هناك مالقيناش الورشة، وهي شقة واحدة صغيرة جدًّا، على المحارة ومفيش لا أبواب ولا شبابيك ولا كهرباء ولا صرف ولا مياه. اتقهرت ورجعت بطولي من هناك من غير العفش. رجعت لقيتهم هدوا حِتة من الدور إللي فوق، وكانوا هيكملوا هد على الدور إللي تحت على المَكَنْ بتاع جوزي، لولا إن الناس منعهتم, الورشتين دول أكل عيشنا الوحيد من غير مايبقى فيه ورشة مش هنعرف ناكل، وده كان الاتفاق: إن إللي عنده محل ولَّا ورشة يتعوض بزيهم ."

وشهادة ثالثة: "قالولنا: هننقلكم المقطم في شقق تمليك في المقطم عشان المكان هنا خطر. جت العربيات ونقلتنا بعفشنا على مساكن "صبحي حسين" في المقطم. رحت لقيت شقة أوضة وصالة وأنا هنا شقتي 3 أوض. لقيت الشقة على المحارة وأرضها فيها طوب ورمل والحمام مش متركب، ولا فيها كهرباء ولا مياه ولا صرف ولا أي حاجة. رجعت بعفشي تاني لقيت البيت نصه اتهد. وأهو عفشي اتمرمط ومرمي في الشارع وأنا بايتة جنبه من امبارح أنا وعيالي ."

مما اضطر أغلب المتضررين من مستأجرين وأصحاب عقارات إلى العودة إلى منطقة "الدويقة" على مدار اليومين الماضيين، وسكن منازلهم مرة أخرى، وهو ما نتج عنه تشريد الأسر التي تم هدم منازلها بالفعل وبقاؤها بلا مأوى تحت سمع وبصر محافظ القاهرة.

نؤكد على أنه كان يجب على الأجهزة الحكومية الانتهاء من التشاور مع الأهالي، وإتمام إجراءات تخصيص المسكن البديل الملائم لجميع المتضررين من الإخلاء، وإتاحة المعلومات كاملة عن عملية الإخلاء، وإعادة التوطين قبلها بوقت كافٍ، ونقلهم وممتلكاتهم إلى مساكنهم البديلة قبل البدء في عملية إزالة مساكنهم الحالية، تجنبًا لما حدث من تشريدٍ للعديد من الأسر، التي تتكون من أطفال وذوي حالات صحية خاصة، كالمرضى والمسنين والنساء الحوامل، دون مراعاة لحقوقهم الصحية، كما لم تراعِ حقوق الأطفال في الأمن والاستقرار وفي وقتٍ حرجٍ بالنسبة إليهم قبيل الامتحانات الدراسية.

وبتتبع ورصد التحركات الحكومية منذ صدور قرار الإزالة وحتى تاريخ تنفيذه، لم يحظَ الأهالي بعملية تشاور حقيقية، حسب القواعد المتعارف عليها دوليًّا، لضمان الحماية من الإخلاء القسري، فلم تُتِح المحافظة لهم حق التشاور في البدائل المتاحة طوعًا، ولكنها اضطرت إليه بعد رفض الأهالي الإخلاء، والضغط عليها لفرض عملية التشاور بتقديم بلاغات للنائب العام للمطالبة بوقف القرار، الأمر الذي وصفه نائب المحافظ للمنطقة الغربية اللواء "محمد أيمن عبدالتواب" بـ "تعنت المواطنين"، ليس "مطالبتهم بحقوقهم"، وهو ما يعطي صورة واضحة عن تجاهل الجهات المحلية حقوقَ المواطنين الدستورية وعدم استعدادها للالتزام بها.

الأمر الذي تأكد بعد التراجع عن الاتفاق الموثق كتابيًّا، والموقع من مسئولي الحي، ضمن بنود محضر الاجتماع، الذي حضره بعض أصحاب العقارات في مقر المحافظة بتاريخ 18 من مارس 2014، وبرئاسة نائب المحافظ اللواء "عبدالتواب"، بأن تتم إزالة عقار واحد فقط، هو منزل المأذون، الواقع على حارة المأذون "حتى تتمكن المعدات من الدخول والالتفاف خلف العقارات، ولتنفيذ أعمال التهذيب وإزالة الخطورة"، و يتم إخلاء المنازل مؤقتًا، و"يسمح بعودة السكان الذين تم إخلاؤهم بعد تنفيذ الأعمال الهندسية من الشركة المنفذة. ومتى قررت اللجنة العلمية زوال أسباب الخطورة وانتهاء الأعمال."، كما ينص البند رقم 4 من الاتفاق.

ورغم أن التفاوض لم يقتصر على الجهات المحلية كحي "منشأة ناصر"، أو محافظة القاهرة، بل تدخل في عملية التشاور السيد رئيس الوزراء المهندس/إبراهيم محلب، ووزير التنمية المحلية اللواء/عادل لبيب، إلا أن هذا التصعيد من قبل المسئولين المعنيين بالتفاوض لم يؤدِ إلَّا إلى المزيد من إهدار حقوق الأهالي، حيث اعتبرته مجموعة من الأهالي الذين حضروا هذا الاجتماع ترهيبًا لهم، لعدم تقديم ضمانات لحماية حقوقهم في حالة "رفضهم لتعليمات مجلس الوزراء" ـ حسب تعبيرهم ـ الذي بدوره تجاهل اتفاق المحافظة الموثق مع السكان وطالبهم بإخلاء منازلهم نهائيًّا ودون رجعة، ووعدهم بتعويضهم بشقق تمليك تابعة لحي المقطم في مشروع إسكان "الأسمرات" الذي اتضح أنه مشروع تحت الإنشاء، ترفض الجهات المسئولة في المحافظة إلى الآن، منح الأهالي أي أوراق رسمية تضمن حصولهم على شقق به، بعد إتمام إنشائها وتطالب المتضررين بالاكتفاء بالوعود الشفوية. وبحسب أحد الأهالي الذين حضروا الاجتماع أنه عندما طلب الحصول على محضر اجتماع موثق يضمن ما تم الاتفاق عليه، أجابه المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء: "هو يعني رئيس الوزرا هيكدب عليك عيب تقول عايز ورق ."

بالإضافة إلى ذلك امتنعت الجهات المسئولة في الحي أيضًا عن إتاحة سند قانوني لحيازة وحدات الاستضافة المؤقتة بمساكن "صبحي حسين" بحي "المقطم" ، الذي تقرر تسكين أصحاب العقارات بها حال هدم مساكنهم، بشكل لا يضمن حمايتهم من الطرد من هذه الوحدات والتشريد في أي وقت، ودون التكفل بتجهيزها بشكل لائق بالمرافق والخدمات الأساسية لتكون مؤهلة للسكن.

أما من لم يتم تضمينهم عملية التشاور ومورس ضدهم إخلاء قسري أكثر وضوحًا، فهم الفئات الأضعف من المجتمع المتضرر كالمستأجرين وأصحاب العقارات من النساء. حيث تجاهل المسئولون على مستوى الحي والمحافظة ورئاسة الوزراء تمامًا حقوق الفئة الأكبر عددًا من المتضررين، وهي فئة المستأجرين، فلم يتم دمجهم أو ممثلين عنهم في أي عملية تفاوض وأجبروا على الإخلاء بشكل تعسفي، ونقل معيشتهم إلى مساكن تابعة لمدينة "السادس من أكتوبر" مساحتها حوالي 30 مترًا دون مراعاة القرب من أماكن عملهم ومدارس أطفالهم، مما يعد تعويضًا جائرًا وغير ملائم. وتم التفاوض مع فئة أصحاب العقارات فقط. كما مارس المسئولون المحليون التجهيل وعدم إتاحة المعلومات الكاملة لكل المتضررين واستغلوا ذلك لإتمام التنفيذ دون موافقة عدد كبير من السكان.

تم أيضًا رصد عقارين مملوكين لسيدتين، يسكنهما حوالي 30 أسرة من المستأجرين وصاحبتي العقارين وأبنائهم. رفض السكان البدائل المقدمة من المحافظة جميعًا، ولم يتم ذكرهم في عملية التفاوض أو إدراجهم في كشوف الحصر التي قامت بها لجان الحي المختصة للأسر المستحقة لوحدات بديلة. يعتقد سكان العقارين أنهم بذلك ضمنوا أن لا يتم إزالة منازلهم ولا إخلاءهم، ولكن لم يؤكد ذلك أو ينفهِ المسئولون التنفيذيون، وهو ما يعرض هذا العدد من الأسر لخطورة إزالة منازلهم تنفيذًا لقرار الحي دون الحصول على سكن بديل.

تطالب المنظمات الموقعة أدناه رئيس الوزراء ومحافظ القاهرة ورئيس حي منشأة ناصر بعدم الالتفاف على حقوق المواطنين التي يكفلها الدستور المصري، والتدخل فورًا لحل الأزمة بإتمام تسكين الأهالي في مساكن ملائمة وآمنة، بعد موافقتهم و قبل استئناف عمليات هدم وإزالة مساكنهم الحالية و ضمان حصولهم على الأوراق الرسمية الموثقة التي تضمن قانونيًّا حقوق الأهالي في أمان واستقرار الحيازة.

وتطالب أيضًا بسرعة توفير المعلومات الكاملة عن مصير سكان المنازل الرافضة للإخلاء نهائيًّا، الذين امتنعوا عن الحصر، والتفاوض معهم بشكل عاجل وعدم التراخي في مسألة تبلغ الغاية في الحساسية والدقة لحياة المواطنين، وتهدد بإهدار الكثير من حقوقهم في أي لحظة. كما تعرب عن قلقها الشديد من احتمال لجوء القوات المكلفة بتنفيذ عملية الإخلاء لاستخدام العنف ضد الأهالي الرافضين للإخلاء ومحاولة إخلائهم قسريًّا بالقوة قبل الوصول إلى اتفاق مرضٍ لهم.

الموقعون:

  • المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
  • المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
  • المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي