ثلاثة أسابيع على جرائم الاتحادية: من المسيرات السلمية إلى التحريض السافر ونذر الاقتتال الأهلي تحت نظر الدولة

بيان صحفي

27 ديسمبر 2012

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم نتائج تحقيقاتها في الجرائم التي وقعت عقب هجوم مجموعات تابعة للحزب الحاكم على اعتصام سلمي أمام قصر الاتحادية الرئاسي. وأكدت المبادرة المصرية أنها تحمل رئيس الجمهورية وأجهزة الأمن المسؤولية الكاملة عن الأحداث التي اندلعت في يوم 5 ديسمبر 2012 واستمرت أكثر من 12 ساعة أمام القصر الجمهوري - أي على بعد أمتار من مكتب رئيس الجمهورية - وتحت مرأى قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية والحرس الجمهوري الذين فضلوا عدم التدخل، بل انحازوا أحيانا إلى جهة مؤيدي الرئيس الذين بدأوا بالهجوم على الاعتصام.

 

وقالت المبادرة المصرية إن أجهزة الدولة المختصة لم تقم بالتحقيقات اللازمة التي تشمل كل من حرض أو تقاعس عن أداء وظيفته لحماية أرواح المواطنين، رغم مرور  ثلاثة أسابيع على وقوع الجرائم.

كما أدانت المبادرة تقاعس النيابة العامة عن التحقيق في وقائع القتل والإصابة والاحتجاز غير القانوني والضرب المبرح للمتظاهرين - بينهم خمسة من القُصّر - من قبل مجموعات تابعة لحزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، تنفيذًا لأوامر صريحة من القيادات الحزبية التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية، بحسب شهادات باحثي المبادرة المصرية الذي تواجدوا في محيط الأحداث لرصد التجاوزات والانتهاكات.

ولم تقم الشرطة بالتدخل والقبض على من قاموا باحتجاز وتعذيب عشرات المتظاهرين، وهو ما كان يجب عليها فعله فورًا طبقا لقانون الإجراءات الجنائية، باعتبار أن هؤلاء الأشخاص كانوا متلبسين بجريمة احتجاز غير قانوني وضرب مبرح. كما كان يجب على الشرطة في قسم مصر الجديدة التحفظ على من يقوم بتسليم مصابين ظهرت عليهم آثار تعذيب واضحة، لوجود دلائل كافية على ارتكابهم جرائم الاحتجاز والضرب، وليس الاكتفاء باستلام المجني عليهم كمتهمين دون تسجيل أسماء وبيانات من قاموا بالقبض عليهم وسلموهم لقسم الشرطة.

وقد أسفرت هذه الأحداث عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة 748 طبقا لوزارة الصحة. وأكدت تقارير الطب الشرعي أن الوفيات ـ التي وقعت في صفوف كل من المؤيدين والمعارضين ـ جاءت نتيجة الإصابات بالرصاص الحي والخرطوش. 

وقالت ماجدة بطرس، مديرة وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية: "عجز قوات الأمن عن منع أفراد مسلحين من الاعتداء على الأرواح وفشلها في الحفاظ على أرواح وممتلكات عشرات من المعتصمين ومئات من أهالي منطقة مصر الجديدة، هي نتائج طبيعية لتجاهل المطالب المتكررة بإصلاح وزارة الداخلية وإعادة هيكلة الجهاز الأمني بما يضمن ممارسة مهامه بشكل محترف وفي الوقت ذاته بعيدًا عن أي استخدام للقوة المفرطة أو انتهاك لحقوق الإنسان. فما يحدث حاليا هو استمرار التعامل مع المظاهرات والاضطرابات العامة بالنهج القديم، ما بين عدم التدخل لوقف الاشتباكات، أو التدخل بعنف مفرط يؤدي لتفاقم الموقف."

ولفتت المبادرة المصرية إلى خطورة ما صاحب فض الاعتصام من خطاب تحريضي صدر من قيادات نافذة في حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين ضد المعتصمين المعارضين لرئيس الجمهورية. وقال عمرو غربية، مدير وحدة الحريات المدنية بالمبادرة المصرية: "مرت علينا منذ بداية الثورة أحداث جسام تجاهلت فيها النيابة العامة اشتراك المحرضين على الاعتداء خصوصا المتنفذين منهم في الدولة، وهم من تزداد مسؤوليتهم بازدياد نفوذهم وقدرتهم على التأثير. وفي هذه الحالة، فإن لدى حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين من النفوذ الآن ما لا يقل عن نفوذ من تجب ملاحقتهم قضائيا من أعضاء المجلس العسكري لمسؤوليتهم عن الأرواح التي أزهقت. وعلى النيابة العامة إثبات استقلاليتها بملاحقة المعتدين جميعهم."

 

تسلسل الأحداث:

بناء على دعوة عدد من الأحزاب والقوى السياسية، انطلقت يوم الثلاثاء 4 ديسمبر مسيرات من مختلف مناطق القاهرة متجهة صوب القصر الرئاسي بمصر الجديدة، ترفع شعارات ضد الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس محمد مرسي في يوم 21 نوفمبر، والذي حصن قرارات الرئيس بما فيها الإعلانات الدستورية الصادرة عنه من الطعن أمام أية جهة قضائية، وأعطى الرئيس الحق للجوء لأية اجراءات استثنائية يراها ضرورية. كما أدانت مسيرات الثلاثاء مشروع الدستور الذي استفتي عليه المواطنون لاحقا في يومي 15 و 22 ديسمبر، من حيث المضمون والطريقة الإقصائية التي شكلت بها الجمعية التأسيسية والمنهجية التي اتبعتها أثناء صياغة وإقرار مواد الدستور.

ومع تزايد الأعداد بشكل عفوي، كان مفاجئًا لمنظمي التظاهرات أنفسهم، اضطرت قوات الأمن للتراجع وفتح الحواجز التي كانت قد أقامتها في الشوارع المؤدية للقصر الرئاسي. واحتشد مئات الآلاف حول أسوار القصر مرددين هتافاتهم دون أن تُرصد أي مظاهر عنف أو محاولة لاقتحام القصر الرئاسي حتى عقب انسحاب قوات الأمن التي كانت قد أعادت انتشارها بمحاذاة أسوار القصر.

وبحلول الفجر وتناقص أعداد المتظاهرين عادت حركة المرور في الشوارع المحيطة بالقصر الى طبيعتها، فيما قرر عشرات المتظاهرين بدء اعتصام أمام بوابة القصر المطلة على شارع الميرغني. واتسم الوضع بالهدوء التام الى أن تواترت الأنباء بحلول ظهر الأربعاء 5 ديسمبر عن قيام مجموعات من أنصار الرئيس محمد مرسي (أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين وجماعات أخرى) بالاحتشاد للتوجه إلى مقر القصر الرئاسي. وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا يدعو أعضاءها للتظاهر أمام القصر من أجل "حماية الشرعية"، بينما صرح الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة أن "الحزب سيشارك في التظاهرة التي تنظمها القوى الشعبية للتظاهر أمام مقر قصر الاتحادية عصر اليوم لدعم الشرعية التي انتخبها الشعب المصري."

وشهد باحثو المبادرة المصرية الذين تواجدوا بموقع الاحداث لرصد التطورات أنه بحلول الساعة الثانية ظهرًا بدأ توافد المتظاهرين المؤيدين للرئيس بأعداد كبيرة، إلا أنه خلال الساعة الأولى وقف الجمعان، كل يطلق هتافاته ولا تفصلهما سوى أمتار قليلة، ولم تحدث اشتباكات إلا بعض المناوشات اللفظية والمشادات بالأيدي والتي حاول الطرفان في البداية السيطرة عليها. وفي حوالي الساعة الثالثة والنصف – وبعد تجمع الآلاف من مؤيدي الرئيس - بدأ مؤيدو الرئيس مرسي بمهاجمة خيام الاعتصام وضرب المعتصمين والصحفيين الموجودين بمكان الحدث ضربًا مبرحًا باستخدام العصي والشوم والحجارة مما أدى إلى إصابتهم بجروح، في غياب تام لقوات الأمن. وأفاد عدد من شهود العيان أنه كان هناك ما يكفي من الشواهد بأن التعليمات التي تلقاها المتظاهرون المؤيدون للرئيس كانت "بإزالة الاعتصام المعارض" بأي وسيلة ممكنة، وهو ما يتسق مع تصريحات القيادي في حزب الحرية والعدالة عصام العريان في اليوم ذاته بأنه "إذا كانت أجهزة الدولة ضعيفة ومثخنة بجراح الفترة السابقة، فإن الشعب قادر على فرض إرادته، وسيكون أعضاء الحزب إن شاء الله في مقدمة الصفوف"، ما يحمل في طياته تهديدا باستخدام قوات غير نظامية لقمع المعارضين.

ومع غروب الشمس كان أنصار الرئيس مرسي قد سيطروا تمامًا على محيط القصر الرئاسي طبقا لرصد المبادرة المصرية. وبدأت مجموعة من المعتصمين الذين انضم لهم مئات من المواطنين - كانوا قد هبّوا لنجدة المعتصمين المعتدى عليهم - في الاحتشاد للتوجه لمحيط القصر الرئاسي مجددًا. الا أنهم اثناء توجههم لمحيط القصر – حوالي الساعة السابعة - فوجئوا بمدنيين يحملون أسلحة خرطوش يصوبون عليهم، كما تعرضوا لإطلاق قنابل الغاز بشكل كثيف من قبل نفس المجموعات من المدنيين.

بدأت قوات الأمن في الظهور في حوالي الساعة السابعة مساء، حيث قامت تشكيلات من قوات الأمن المركزي بالانتشار كحواجز بشرية على أغلب مداخل الشوارع المؤدية للقصر الرئاسي ماعدا شارع الخليفة المأمون وامتداد شارع الميرغني، حيث كان العدد الاكبر من المتظاهرين المؤيدين متواجدًا من بعد فض الاعتصام مما منع توافد المتظاهرين على محيط القصر، وأدى لتركز الاشتباكات في شارعي الخليفة المأمون والميرغني.

وباءت محاولات الأمن الضئيلة بالفشل، وشهد باحثو المبادرة المصرية على استمرار الاشتباكات برغم انتشار قوات الأمن وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي، مع تمركز المتظاهرين المؤيدين للرئيس مرسي خلف صفوف قوات الأمن، والتي سمحت في بعض الأحيان للمتظاهرين المؤيدين بالعبور إلى الجانب الآخر. وتبادل الجانبان التراشق بالطوب وإطلاق الخرطوش، ثم عاد المتظاهرون المؤيدون للرئيس إلى التمترس خلف جنود الأمن المركزي. وأفاد شهود عيان ومقاطع فيديو[1]  أن عددا من المسلحين كانوا يطلقون الرصاص في وجود قوات الأمن التي لم تحاول القبض عليهم.

كما أفاد شهود العيان من باحثي المبادرة المصرية أن قوات الأمن كانت تقوم أحيانا بإطلاق قنابل الغاز تجاه المتظاهرين المعارضين للرئيس، ولكن في معظم الوقت كانت تقف ساكنة فيما تمركز المتظاهرون المؤيدون خلفهم. ولم تتدخل القوات إلا مرة واحدة قامت فيها بالمرور عبر الفواصل إلى منطقة متوسطة بين الطرفين، وأطلقت قنبلة غاز واحدة قريبة من مكان تمركز المؤيدين ثم تبعتها بإطلاق قنابل غاز بكثافة شديدة على المتظاهرين المعارضين مما دفعهم إلى الركض في الشوارع الجانبية الخلفية.

 

الاصابات والمتوفون 

أفاد الدكتور كريم سيدراك، الطبيب بمستشفى القصر العيني الفرنساوي - والذي تواجد بدءًا من الساعة السابعة من مساء الأربعاء في المستشفى الميداني التي أقيمت في الكنيسة الإنجيلية وعند سور نادي هيليوليدو - أن أغلب الإصابات كانت بطلقات خرطوش في منطقة الرأس والرقبة، وأشار الى أنه عالج بنفسه 20 حالة كان نصفهم على الأقل مصابين بطلقات خرطوش. وأكد أن معظم الاصابات كانت في صفوف المتظاهرين المعارضين، بينما تعرضت المستشفى الميداني التي أقيمت لدى سور نادي هيليوليدو إلى تهديدات بالاعتداء على المستشفى الميداني والأطباء من المتظاهرين المؤيدين.

وحسبما أفاد بيان جمعية أطباء التحرير الصادر في 9 ديسمبر 2012، والتي تواجد عدد من أعضائها في نقطة الإسعاف التي أقيمت في تقاطع شارع الخليفة المأمون وشارع الميرغني (أمام محطة وقود موبيل)، فإنه بدءًا من الساعة الثامنة مساءًا سُمع دوي إطلاق نار كثيف، تلقت نقطة الإسعاف عقبه عددًا كبيرًا من الإصابات وتم نقل عدد من المصابين إلى مستشفى منشية البكري ومستشفى الدمرداش. وأشار الدكتور محمد فتوح رئيس جمعية أطباء التحرير إنه بحلول منتصف الليل بدأت نقاط الإسعاف في تلقي مصابين بطلقات رصاص حي.

وذكر الدكتور محمد فتوح أنه في أثناء تواجده هو وزملاؤه في مستشفى منشية البكري، استقبلت المستشفى حالتين لشخصين توفيا في المستشفى يوم الأحداث، وهم هاني محمد سند، مصاب برصاصة في الصدر استقرت قرب القلب، ومحمد السنوسي، مصاب برصاصة في البطن اخترقت الكبد، والذي توفى في غرفة العمليات. كما استقبلت الصحفي الحسيني أبو ضيف مصابًا بطلق ناري في الرأس، والذي توفى يوم 12 ديسمبر. وأضاف د. فتوح أن المستشفى استقبلت حالات أخرى بإصابات خطرة، منها حالة أ. ف. وكان مصابًا برصاصة دخلت من ذقنه وخرجت من رقبته، والذي تلقى عملية جراحية لوقف النزيف في الشريان الرئيسي، و م.ع.، والذي كان مصابا برصاصة في الصدر. 

وطبقا لما صرح به الدكتور أيمن البغدادي مدير مستشفى الدمرداش، فقد استقبلت المستشفى 35 مصابًا بطلق رصاص حي في أماكن متفرقة بالجسم.

وقد نجم عن هذه الأحداث وفاة 10أفراد، استطاعت المبادرة المصرية التأكد من أسماء ثمانية منهم: محمود محمد إبراهيم (35 عاما) ومحمد ممدوح الحسيني (30 عاما) ومحمد خلاف (35 عاما) وهاني محمد سند الإمام (32 سنة) ومحمد محمد سنوسي علي (22 عاما) وعلاء محمد توفيق (28 سنة)، والحسيني أبوضيف (32 عاما)، وخالد طه أبوزيد (25 عاما). بينما أضافت مصادر حزب الحرية والعدالة اسمي ياسر محمد إبراهيم (34 عاما)، ومحمد سعيد سلام (42 عاما).  

 

الخلاصة والتوصيات:

تؤكد أحداث 5 ديسمبر على ضرورة التحقيق في انتهاكات جسيمة ارتكبها أفراد مدنيون، تشمل التعذيب والاحتجاز غير القانوني بحق المتظاهرين. كما تؤكد الأحداث على تقاعس الأجهزة الأمنية عن أداء دورها، بل و التحيز التام أحيانا من قبل هذه الأجهزة لصالح بعض المؤيدين للرئيس مرسي على حساب معارضيه.

ولذلك، توصي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الجهات المعنية بالآتي:

1. توسيع نطاق التحقيق الذي تجريه النيابة العامة في الأحداث ليتضمن الأفراد الذين قاموا باستخدام القوة لفض الاعتصام السلمي والاعتداء على المعتصمين والأهالي والاحتجاز غير القانوني واستخدام التعذيب لانتزاع اعترافات منهم.

2. التحقيق في إهمال وتقاعس الشرطة والحرس الجمهوري عن وقف العنف في محيط القصر والحفاظ على الأمن وحياة وسلامة المواطنين، ومحاسبة القادة المسئولين.

3. ملاحقة المحرضين جنائيا باعتبارهم شركاء في جرائم القتل والإصابة والاحتجاز والضرب المبرح.

4. الإعلان الفوري عن خطة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية ، بما في ذلك حل قطاع الأمن المركزي ووقف سياسة التحاق مجندي الخدمة العسكرية بجهاز الشرطة، واستبدالها بقوات محترفة لحفظ الأمن العام ومواجهة أعمال الشغب في حدود القانون، على أن تتضمن هذه الخطة برنامجًا زمنيًا وأن تشمل التدريب والتأهيل المناسب لأفراد القوات الجديدة.

  



[1] انظر على سبيل المثال:

http://www.youtube.com/watch?v=oZ8uesrky_U&feature=youtu.be

http://www.youtube.com/watch?v=fKDfHQrfJJ4 

http://www.youtube.com/watch?v=-dYq3D7DM4w&feature=youtu.be