في دراسة حول دعم الطاقة في الموازنة العامة: سياسيات الدعم معادية للفقراء ومخالفة لمبادئ الرشادة الاقتصادية... علي برلمان الثورة اعادة توجيه الدعم المقدم للشركات العملاقة لصالح قضايا العدالة الاجتماعية

بيان صحفي

30 يناير 2012

تصدر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم دراسة مختصرة حول سياسات دعم الطاقة في مصر، والحاجة الماسة لإعادة تشكيلها ورسمها لتحقيق العدالة والإنصاف الغائبين في الإنفاق العام. وجاءت دراسة "دعم الطاقة في الموازنة المصرية نموذجا للظلم الاجتماعي"  لتؤكد  أن برامج  الدعم الحكومي دليل فج على استمرار انحياز الدولة ضد الفقراء.

وقال د.عمرو عادلي، مدير قسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية: "دعم الطاقة الذي خرج في موازنة المجلس العسكري  ليلتهم ١٩٪ من إجمالي الإنفاق العام لا يمس غالبية المصريين ممن يستحقون الدعم". فعلاوة على كونه لا يتمتع بأي قدر من الرشادة الاقتصادية كونه يزيد من معدلات الاستهلاك غير الفعالة في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وفي قطاعات كالنقل فإنه لا يخدم أي غرض اجتماعي حقيقي لرفع مستويات المعيشة للفقراء الذين باتوا يمثلون نحو نصف سكان البلاد. واضاف عادلي: "يكفي أن نعلم أن الربع تقريبا من قيمة الطاقة المدعومة تذهب لقطاع الصناعة، وخاصة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالأسمنت والأسمدة والحديد والصلب والألومنيوم والزجاج والسيراميك".

فطبقا لتقديرات هيئة التنمية الصناعية في ٢٠٠٧،  يستهلك أربعون مصنعا فقط ما قيمته ٦٥٪ من البترول المدعوم لصالح قطاع الصناعة. ومن ضمن المستفيدين إما أركان النظام السابق كأحمد عز، وإما شركات متعددة الجنسيات كحال لافراج الفرنسية وهولكيم السويسرية عملاقي الأسمنت اللذين يحوزان على ما يقرب من ثلث الإنتاج وما يقرب من ٨٠٪ من الصادرات.

وأوضحت الدراسة أن دعم الطاقة في ٢٠٠٧ كان يعني تحويل الحكومة المصرية لصافي ٧ مليارات جنيه لصالح الأربعين مصنع المذكورة وأن دعم صناعة كالأسمنت على سبيل المثال لم ينعكس على المستهلك بشكل عام بل خضع سعر البيع لزيادات كبيرة نتيجة ممارسات احتكارية رصدها ووثقها جهاز منع الاحتكار، أي ببساطة شديدة فإن قسما كبيرا من دعم الطاقة يتحول إلى أرباح لشركات كبرى.

وأكدت الدراسة أن سياسات دعم الطاقة ما هي إلا سياسات فاشلة تبناها فريق عمل أحمد نظيف للاعتماد على توفير أسعار طاقة رخيصة بالمقارنة بالسعر العالمي من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات، وهو أمر تم بالفعل ولكن بتكلفة كبيرة ومضنية للاقتصاد، حيث أن هذه السياسة ببساطة غير قابلة للاستمرار بحكم محدودية احتياطيات مصر من الطاقة، وغير مجدية لما تتسبب فيه من تلويث للبيئة وزيادة في تكاليف الصحة العامة، ولا تغير من فرص مصر التنافسية في الاقتصاد العالمي، والتي ينبغي لها أن تكون قائمة على الموارد البشرية وليس رخص الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ، وسريعا. فنجد أن دعم الطاقة في السنوات الست الأخيرة قد بلغ حوالي أربعة أضعاف الإنفاق على الصحة في الموازنة العامة للدولة وضعفي الإنفاق على التعليم، وهو ما يثبت غياب أي إستراتيجية تنموية لهذا البلد.

وذهبت تقديرات البنك الدولي إلى أن إلغاء كافة صور دعم الطاقة في مصر سيزيد من فرص حدوث الفقر بمقدار لا يتعدى ١.٤٪، وهو ما يعني ببساطة أن المستفيدين من دعم الطاقة هم إما أصحاب الصناعات الكبيرة كثيفة رأس المال وكثيفة استهلاك الطاقة، وإما من الطبقات المتوسطة والعليا، بينما لا يستفيد الفقراء كثيرا من الدعم هذا نظرا لضعف استهلاكهم  للطاقة فهم لا يملكون سيارات ولا شقق كبيرة ولا أجهزة تكييف.

وأضافت الدراسة بأن الوقت قد يكون مناسبا للبدء في تخفيض دعم الطاقة بالبدء بالصناعات ومن ثم توفير ربع قيمة هذا الدعم دفعة واحدة، والعمل بالتدريج على إلغاء باقي دعم الطاقة بصورته الحالية وتحويل جزء من الأموال لبرامج دعم أكثر توجيها لصالح الفقراء سواء في المناطق الحضرية المهمشة أو في الريف أو لصالح فئات عمرية كالأطفال أو للنساء الفقيرات. وقد ثبت من تجارب بلاد كثيرة كإندونيسيا وإيران أن اقتران إزالة دعم الطاقة بإيجاد برامج تستهدف الفقراء مباشرة يخفف من الضغط السياسي على الحكومة من جانب المستفيدين غير المستحقين عادة للدعم، ويخلق شرائح اجتماعية واسعة من المستحقين للدعم من الفقراء قادرة على توفير التأييد السياسي لإعادة رسم سياسات الدعم ضمن سياسات اقتصادية أخرى لتكون أكثر عدالة وإنصافا.

واختتمت الدراسة بأنه من الواجب على البرلمان-وهو أول برلمان حر منتخب بعد الثورة-أن يعيد تقييم برنامج دعم الطاقة برمته مستهدفا العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية إلى جانب تخفيض العجز في الموازنة وتدارك أزمة مالية الدولة العامة. وذلك بتقديم خفض جدي وسريع للدعم المقدم للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي تستحوذ على ما يقرب من ٢٠٪ من إجمالي الدعم، ومن ثم فإن إلغاء الدعم الموجه لها من شأنه أن يوفر على الدولة حوالي عشرين مليار جنيه..مع اتخاذ تدابير سريعة لاحتواء أثر هذه الزيادة حتى لا تقوم الشركات الكبرى بنقل التكلفة إلى المستهلك برفع الأسعار، وذلك عن طريق تلويح الحكومة بفتح باب الاستيراد حال رفع الأسعار، والقيام بحظر التصدير واتخاذ كافة الإجراءات القانونية في حال ثبت إقدام هذه الصناعات على أي ممارسة احتكارية طبقا للقانون. والمعلوم كما تظهر الدراسة أنه حتى مع تحرير أسعار الطاقة لهذه الصناعات فإن أرباحها لن تقل عن نظيراتها في العالم، ولن تقوض التنافسية التي تحظى بها وإنما ستحرمها من أرباح مبالغ فيها لا تأتي إلا على حساب خزانة الدولة العامة ومصالح المصريين عامة. وفي الوقت نفسه ينبغي أن يرتبط أي برنامج مستقبلي لإزالة دعم الطاقة بإعادة توجيه أموال الدعم إلى برامج أكثر قدرة على استهداف الفقراء والمستحقين الفعليين للدعم.

وأكد عادلي أخيرا: "لم تقتصر ثورة يناير على المطالبة بالحقوق والحريات السياسية فحسب بل عبرت عن رفض عميق للسياسات العامة لنظام مبارك وما أحدثته من تدهور في مستوى الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لغالبية المصريين في مقابل إثراء فئة صغيرة من المستفيدين. وقد كان حريا بمن خلف هذا النظام بعد سقوطه المدوي أن يستجيب ولو بصورة أولية للمطالب الاجتماعية والاقتصادية بدلا من أن يعتمد موازنة هي نسخة مكررة من موازنات وزير المالية الأسبق يوسف غالي المنحازة لرأس المال الكبير، الأجنبي والمصري على حد سواء، على حساب ملايين الفقراء والمهمشين".

للاطلاع علي الدراسة اضغط هنا.