فحوص العذرية الإجبارية: عذر أقبح من ذنب

6 June 2011

قامت 19 منظمة مصرية يوم 20 مارس الماضي بإرسال رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة  تطالبه فيها بالتحقيق في قيام أطباء تابعين للجيش بإجراء فحوصات عذرية إجبارية على عدد من الفتيات اللاتي تم القبض عليهن أثناء فض اعتصام ميدان التحرير في التاسع من مارس 2011 بالقوة، وجاء في الرسالة أن النساء المحتجزات تم تفتيشهن عرايا على أيدي سجانة لكن باب العنبر كان مفتوحا أثناء التفتيش، وقالت هذه المنظمات إن فحوص العذرية الإجبارية منافية تماما لآداب مهنة الطب وطالبت الوزير بالتحقيق في الأمر، كما طالبت المجلس العسكري بتقديم اعتذاره للضحايا.

وقد تابعت منظمة العفو الدولية هذه القضية وقامت بعمل مزيد من البحوث الاستقصائية حول المسألة، وأصدرت يوم 23 مارس بيانا صحفيا يحوي مزيدا من التفصيلات تخص وقائع التعذيب الذي تعرضت له الفتيات المحتجزات – اللائي لا يقل عددهن عن 18 فتاة - تعرضن للضرب والصعق الكهربائي وخضعن للتفتيش عرايا بغرفة مفتوحة، وقام بعض الرجال بتصويرهن وهن عرايا، كما تم تهديدهن بتلفيق تهم الدعارة لهن، بالإضافة لفحص العذرية الإجباري بالطبع، وطالبت منظمة العفو الدولية في بيانها بإجراء تحقيق في الواقعة وتقديم المسئولين عنها للعدالة وتوفير الحماية للنساء اللاتي فضحن هذه الانتهاكات.

وجاء رد المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 28 مارس من خلال بيانه رقم 29 الذي وعد فيه باتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من صحة هذا الخبر، وإن كان ذيل بيانه بمناشدة المواطنين بعدم الالتفات إلى الشائعات.

ونظرا لتوالي الأحداث الجسام وتواترها، نسي الناس – حتى المهتمين بين صفوفهم – الموضوع برمته لتفاجئنا تصريحات مصدر عسكري رفيع المستوى لشبكة سي إن إن الإخبارية، في 31 من مايو الماضي يقر فيها بعمل هذه الفحوصات الإجبارية على الفتيات، وبعكس ما يوحي به عنوان الخبر بأن هذا المصدر سرب تأكيدا لهذه الواقعة بهدف فضح الانتهاكات، جاءت هذه التصريحات كمحاولة لتبرير الواقعة مدعيا أن هؤلاء الفتيات ليسوا كبناتنا أو بناتكم، لقد كن يقمن في مخيمات في الميدان إلى جانب المعتصمين الذكور، وكان الغرض من الفحوص هو نفي أي مزاعم لاحقة لهؤلاء الفتيات بأنهن تعرضن للتحرش أو الاغتصاب في السجن الحربي.

استخدام العنف الجنسي ضد الناشطات وانتهاك سلامتهن الجسدية ليس بجديد في الحياة السياسية المصرية ولعل واقعة "الأربعاء الأسود" خير مثال على ذلك، عندما قام عدد من البلطجية المدفوعين من قيادات الحزب الوطني يوم 25 مايو 2005 بالتحرش بالمحتجات المتواجدات في تظاهرة لرفض التعديلات الدستورية التي سمحت بإجراء انتخابات رئاسية بدلا من الاستفتاء لكن مع وضع قيود على مرشحي الرئاسة، وقد قام البلطجية بتمزيق ملابس الناشطات والتحرش بهن وضربهن، وبالرغم من البلاغات التي قدمت للنائب العام آنذاك، إلا أنه قام بحفظ القضية بدعوى عدم الاستدلال على مرتكبي هذه الانتهاكات. ما لا يختلف ذلك كثيرا عن فحوص العذرية الإجبارية التي استخدمت للحط من قدر النساء وإهانتهن وتعميق إحساسهن بالانتهاك، فاستخدام أشكال العنف الجنسي ضد الناشطات يحمل رسالة قوية مؤداها أن هذا العمل ليس من شأن النساء، وأن أي امرأة تشارك في الحركات الاجتماعية مع نظرائها من الذكور يجب أن تكون محل شك، كما يجب إخضاع أخلاقها للفحص الدقيق، فالتلويح باستخدام جنسانية المرأة ضدها هو سيف مسلط على رقاب النساء لنفيهن من المجال العام.

فداحة هذه الحادثة تتمثل في أن مسئولية هذا الانتهاك تقع بشكل مباشر على الجهة المسئولة عن إدارة المرحلة الانتقالية للبلاد، أي أنه انتهاك على يد الدولة، والتي هي- افتراضا - الجهة الحامية لحرمة النفس والجسد وحق المواطنين في الخصوصية، إن دور الدولة هو ضمان هذه الحقوق ومحاسبة كل من ينتهكها فما بالكم بأن تكون الدولة هي الطرف المسئول عن الانتهاك.

ولا يمكن لأي غاية – نبيلة كانت أو غير ذلك – أن تبرر مثل هذا الانتهاك، فلا يجوز بأي حال من الأحوال التحجج بأن السلطات العسكرية أرادت أن تدرأ عن نفسها شبهة الاتهام باغتصاب هؤلاء المحتجزات فتقوم في سبيل ذلك بالتفتيش في أجسادهن بحثا عن دليل على عذريتهن، إذ تمثل هذه الفحوصات وطبيعتها القسرية جريمة هتك عرض في حد ذاتها ومعاملة غير إنسانية ترقى إلى حد التعذيب، وفي سبيل تبرير هذه الممارسات يتمادى المصدر العسكري في استخدام مبررات غير مقبولة على الإطلاق، فيحاول التلويح بسوء سمعة المحتجزات – اللاتي لا يرقين بحال إلى أن يكن كبنات اللواءات – فهؤلاء كن يبتن في مخيمات ميدان التحرير مع الذكور، وهذه التصريحات تذكرنا بتصريحات الفنان طلعت زكريا أثناء الثورة في أحد المحطات التلفزيونية التي تم انتقاده عليها بشدة والتي اتهم فيها الثوار بممارسة الجنس الجماعي.

وبغض النظر عن محاولات تشويه سمعة الناشطات، فلا يوجد أي سبب يمكن أن يقدم مبررا لانتهاك أجساد النساء بهذا الشكل، ذلك أن الحق في الأمن وفي السلامة الجسدية ليس امتيازا يحظى به البعض دون الآخر إنما هو مكفول للجميع على حد سواء.