عالمية حقوق الإنسان وخصوصية الوضع المصرى

8 مايو 2016

فى اللقاء الصحفى الذى عُقد بين الرئيس المصرى ونظيره الفرنسى، أجاب الرئيس المصرى عند سؤاله عن حالة حقوق الإنسان فى مصر بأن هناك اختلافا وتباينا بين حالة حقوق الإنسان فى مصر عن الحالة فى أوروبا، وأن المعايير الحقوقية الأوروبية لا تصلح للوضع المصرى.

وأنا أتفق مع ما قاله رئيس الدولة المصرية، لكونها تمثل الحقيقة فعلا، وأن الحالة الحقوقية المصرية تختلف تماما عن الحالة الأوروبية، فهل يوجد فى أوروبا حالات تعذيب واحتجاز دون وجه حق؟ هل يوجد عند الأوروبيين معدلات قتل على يد أمناء الشرطة بنفس النسبة المصرية، وبنفس الأسباب (ثمن كوب من الشاى، أو الاختلاف على أجر نقل بضاعة، وحالات أخرى لم تتبين أسبابها) ويجمعها كلها مقولة إنها حالات فردية. وهل توجد فى إحدى الدول الأوربية هذا المعدل فى انهيار الحقوق الاقتصادية (السكن الملائم ــ البيئة ــ الصحة ــ الغذاء )؟ فعندنا مثلا ما يؤكد خصوصية الحالة مصرف مجارى بالجيزة يصب فى نهر النيل عند قرية الرهاوى بمنشأة القناطر، وعندنا نسمح للمصانع بتلويث البيئة باستخدام الفحم وقتل الناس بالأمراض الصدرية، مصنع تيتان بالإسكندرية، وهل عندهم حالات إهمال طبى وعجز عن توفير العلاج بالآلاف؟ وهل عندهم مثلنا غياب أية معايير لمفهوم الحق فى السكن أو الخصوصية؟ كل هذا مجرد أمثلة فعلية تؤكد خصوصية الحالة الحقوقية المصرية.

وهذه الخصوصية على الرغم من تصديق مصر على معظم الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، ووفقا للمدونات الدستورية المصرية فإنها باتت جزءا من النسيج القانونى المصرى مما يستوجب تطبيقها، ولكن لتفرد الحالة المصرية فإنها تنضم للاتفاقيات الدولية لحق من الحقوق، ثم تُصدر قانونا يتعارض مع هذه الاتفاقية، ولكم فى الحق فى التجمع والتنظيم مواجهة مع قانون التظاهر أو الجمعيات مثالا يؤكد على خصوصية الحالة المصرية «وفيما يحدث من محاولة السلطة فرض وصايتها ورقابتها على المؤسسات الحقوقية كما هو الشأن فى القضية 173 المشهورة، وما يخرج من تحت عباءتها من قرارات بشكل مستمر مثل المنع من التصرف فى الأموال» خير دليل.

***

وإذ إن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تؤكد على عالمية هذه الحقوق، ووجود لجان دولية لمراقبة تطبيق هذه الاتفاقيات خير دليل على عالميتها، كما أن مصر تتقدم بتقارير دورية لهذه اللجان، وهذا دليل آخر على قبولها لعالمية حقوق الإنسان، وهذا القبول الدولى لعالمية حقوق الإنسان لا يعنى أى إخلال بسيادة الدول، وإنما يعنى قبول الدول على احترام وتطبيق هذه الحقوق، وهو الأمر الذى يستوجب احترام تلك المعايير واعتبارها هى النموذج المثالى الواجب التطبيق، الأمر الذى يلزم الدول على أن تتدخل تشريعيا بإدخال النصوص الحقوقية ضمن المدونات التشريعية الداخلية، وإلغاء أية قوانين تتعارض مع الاتفاقيات التى انضمت إليها، وهذا ما عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا المصرية بقولها فى الحكم رقم 12 لسنة 13 ق د بتاريخ 7 نوفمبر سنة 1992: «أن خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يُعد التسليم بها فى الدولة الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام دولة القانون، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة. «فهل فرقت المحكمة الدستورية بين أوروبا ومصر فى تطبيق حقوق الإنسان؟ وهل اعتبرت وجود معايير مختلفة للتطبيق ما بين الحالتين؟ للأسف اعتبرت المحكمة الدستورية أن هذه الحقوق من مفترضات قيام الدولة ذاتها.

وهنا نجد السؤال: إلى متى ستظل الحالة المصرية متفردة فى مجملها «نظرية وتطبيقًا» عن الحالة الأوروبية؟ ومتى سندقق القول إلى المساواة بين حالتنا كبشر مثلهم؟

أقول لكم إن حقوق الإنسان هى النموذج الواجب لكل فرد فى كل وقت وفى كل مكان.

 كتب هذا المقال طارق عبد العال المحامي بالنقض عبر موقع الشروق الإلكتروني يوم 1 مايو 2016