فشلت سياسات الحكومة خلال الأربعين عاماً الماضية في حماية حق الفقراء في سكن ملائم بالرغم من إنفاق المليارات من الأموال العامة كل سنة لبناء وحدات إسكان لمن تطلق عليهم الحكومة اسم "محدودي الدخل" طبقا لدراسة أصدرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

فعلى سبيل المثال، تم إنفاق أكثر من 34 مليار جنيه من الأموال العامة، ومليارات الأموال الخاصة في مشروع "الإسكان القومي"، المعروف بـ"إسكان مبارك"، ولم يستفد منها إﻻ متوسطو الدخل فما أعلى ـ لا الفقراء ـ نظرًا إلى خلل سياسة تخصيص الوحدات التي تمت عن طريق البيع لا الإيجار، وشابتها الحسابات السياسية والواسطة في التخصيص. وفي الوقت نفسه زاد عدد الأسر التي تعيش في مسكن غير ملائم، سواء لبنائه في منطقة خطر، أو كونه آيلًا للسقوط، أو محرومًا من المرافق أو مزدحمًا ازدحامًا شديدًا.

وأوضحت الدراسة استمرار هذه السياسة مع برنامج "الإسكان الاجتماعي"، المعروف بـ"المليون وحدة"، الذي تم إنفاق نحو 9 مليارات جنيه عليه من الدعم والاستثمارات العامة منذ 2012، وقد أثبتت المبادرة المصرية في بحث سابق أن المستفيد من هذا المشروع هم متوسطو الدخل فمن أعلى، وليس الفقراء. كما تعمل تعديلات قانون التمويل العقاري الأخيرة على تخصيص الأراضي دون مقابل للمستثمرين الراغبين في بناء إسكان لمحدودي الدخل، وإعطاء الهيئة العامة للرقابة المالية الحق في زيادة نسبة قسط التمويل العقاري إلى الدخل، وكل هذا هو استمرار للسياسات التي تهمش الفقراء، وفقاً للدراسة.

وتظهر الخطة الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية 2014-2015 خلل سياسة الحكومة في مجال الإسكان، وبخاصة في دعم الفقراء في تحقيق حقهم في مسكن ملائم، حيث لن يستفيد الفقراء من القدر الأكبر من المخصصات المالية لمشاريع الإسكان هذا العام، التي تقدر بنحو 11.2 مليار جنيه (انظر ورقة سياسات الإسكان 3).

وأبدت وزارة الإسكان في الأشهر القليلة الماضية استعدادها لتغيير هذه السياسة، عندما عقدت جلسة نقاش حول وضع سياسة إسكان جديدة لمصر يوم الخميس الموافق 22 من مايو 2014، و ضمت مسؤولين من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ومنظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بالإضافة إلى خبراء في مجال الإسكان والعمران، من مصر وخارجها، وممثلين عن المجتمع المدني المعني بالعمران. حضرت المبادرة المصرية هذه الجلسة بناءً على دعوة وزارة الإسكان، وقدمت عددًا من التوصيات، توصلت إليها حسب دراساتها وعملها في مجال حقوق الأرض والسكن، لتمكين السكان من حقهم الدستوري في مسكن ملائم، ولبلورة سياسة واضحة للإسكان في أسرع وقت، ليتم تطبيقها من خلال التشريعات القانونية لوقف هدر الأموال العامة وتلبية احتياجات المواطنين إلى مسكن ملائم، وكان من أهم التوصيات:

ضبط ومراقبة السوق العقاري: الغرض الأساسي من دعم الدولة للإسكان هو تقريب الفجوة بين أسعار السكن والدخول. ولكن في الوقت الذي تنفق الدولة مليارات الجنيهات على مشاريع إسكان مدعمة، تضع سياسات تزيد الفجوة بين الأسعار والدخول بنسبة تفوق نسبة الدعم، منها: رفع أسعار أراضي البناء، وأسعار مواد البناء، وعدم تشجيع عملية البناء الرسمي. لذا يجب تأسيس جهة مستقلة تراقب سوق العقارات والسياسات الحاكمة له.

إعادة توجيه دعم الإسكان ليصل إلى الفقراء: حسب شروط برنامج "الإسكان الاجتماعي" الحالي، سيتم حرمان نحو نصف المصريين - وهم النصف الأقل دخلًا - من الاستفادة من المشروع، نظرًا إلى أن تسليم وحداته يتم عن طريق البيع بالتمويل العقاري. فلابد من إعادة صياغة التعريف القانوني لـ"محدودي الدخل" كي يضم فقط أقل شريحتين للدخل حسب الإحصاءات، وتخصيص الوحدات لهذه الشرائح بالإيجار، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة لكل المنتفعين من مشاريع الإسكان المدعم المختلفة، وتأسيس جهة حكومية تنظم أعمال الإسكان المدعم بين الجهات المختلفة التي لها حق استغلال موارد وأموال الدولة لبناء إسكان مدعم.

وضع خطة لدعم المسكن تستجيب للتحديات المختلفة بالعمل على أكثر من محور: زيادة محاور دعم الدولة للإسكان، التي اقتصرت على بناء وحدات إسكان نمطية جاهزة، وتوفير قطع أراضٍ للبناء بسعر مخفّض عن سعر السوق، وتوفير قروض ميسرة لبناء الإسكان التعاوني. يجب التركيز على توفير برامج تستجيب بطريقة أفضل لإحتياجات المواطنين الإسكانية المختلفة و التي تختلف باختلاف طبيعة منطقة السكن (الريف أو الحضر) وباختلاف العادات والثقافات.

كما يجب أن يتم توجيه دعم إسكاني للأسر التي لها مساكن غير ملائمة لأسباب تتعلق بأخطاء البناء، قانونية الحيازة، نقص المرافق والخدمات، أو غيرها من الأسباب التي تجعل المسكن غير ملائم.

لقراءة ورقة سياسات الإسكان (2): اضغط هنا

للاطلاع: اضغط هنا