مقدمة: لا شك أن زراعة الأعضاء هي واحدة من أكثر إنجازات الطب الحديث إعجازاً. فزراعة الأعضاء غالباً ما تكون الحل الوحيد والأخير في المراحل المتقدمة من الفشل العضوي كما في أمراض القلب والكبد والكلى المزمنة، الأمر الذي أعطى وما زال يعطي الأمل في الحياة لملايين المرضى على مستوى العالم.

في عالمنا اليوم يوجد عدد كبير من الدول تجري عمليات زرع الأعضاء، وتتضمن البرامج الناجحة في هذه الدول نماذجاَ لم تكن موحدة في كل الأوقات للحصول على هذه المواد من المتبرعين ذوي الخلفيات الثقافية والدينية والاقتصادية المتنوعة. ولكن يظل ارتفاع درجة وعي المجتمعات بما فيها الأطباء ورجال التشريع والمتبرعين المحتملين والمتلقيين للأعضاء هو مفتاح النجاح وراء هذه الأنظمة.

تشير تجارب الدول في جميع أنحاء العالم إلى أن التجارة في هذا المجال تطورت لتصبح سوقاً لتداول البشر، بعد أن كانت سوق لتداول الأعضاء، حيث يتم استغلال الفقراء والأكثر عرضة – سواء بشكل علني أو عبر معاملات وسيطة

تقرير الجمعية العالمية للصحة رقم EB124/15 عن الجلسة رقم 124 المنعقدة يوم 20 نوفمبر 2008، الفقرة رقم 5

وإن كان من المسلمات أن التبرع هو الأصل في عمليات زراعة أو نقل الأعضاء والأنسجة، لكن مع ندرة الأعضاء والأنسجة بدأت عمليات التجارة فيها على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي في التصاعد، مما أدى لتزايد الانتهاكات والاستغلال خاصة ضد الفقراء لصالح الأغنياء، ولصالح بعض شركات الوساطة والسمسرة في عمليات محلية أو عابرة للبلدان فيما يعرف بسياحية زرع الأعضاء، وهو الأمر الذي يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية، خاصة الحق في الحياة والحق في الصحة.

وترصد منظمة الصحة العالمية نمو ظاهرة سياحة زرع الأعضاء التي بدأت في منتصف التسعينات من القرن الماضي، حيث تشير التقديرات إلى أن حجمها قد بلغ 10% من إجمالي ممارسة زراعة الأعضاء على مستوى العالم. 1وتستمر تجارة الأعضاء وظاهرة سياحة زراعة الأعضاء في الانتشار خاصة في ظل عدم كفاية الدراسات الوافية وغياب الإحصائيات الموثقة حولها رغم مؤشرات انتشارها محليا وإقليمياً وعالميا، ويستدعي ذلك أن تزيد الدول والحكومات المسئولة من جهودها للحد من الظاهرة بسرعة عن طريق إصدار التشريعات اللازمة لتجريم تلك الظاهرة، إضافة لتنسيق الجهود بين الجهات المحلية والإقليمية والدولية في هذا المجال للحد من انتشار هذه السوق السوداء المهيمنة عليها.2

وقد مضت سنوات طويلة ومازالت مصر من بين الدول القليلة في العالم التي تفتقد وجود تشريع يجرم تجارة الأعضاء وينظم عمليات نقل وزرع الأعضاء والأنسجة – خاصة من المتوفين إلى الأحياء. ورغم ذلك فأن القضية شهدت جدلاً واسعاً، وسط حملة من التحذيرات المتكررة من "مافيا تجارة الأعضاء البشرية" التي يقع ضحيتها الفئات الأفقر والأكثر عرضة لتجارة الأعضاء في المجتمع، في الوقت نفسه انتشرت مطالبات حثيثة للتوصل إلى تشريع واضح وصارم ينظم الفوضى التي تسود هذا المجال الحيوي في قطاع أكثر حيوية كقطاع الصحة.

ومن ناحية أخرى، تظل نسبة كبيرة من اللذين قد يكونون بأمس الحاجة إلى نقل أو زرع عضو في مصر دون فرصة للحصول على العضو المطلوب، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة هذا النوع من العمليات الجراحية خاصة وأنها تتم خارج المظلة التأمينية الشاملة التي تغطي التكلفة بالكامل، والتي تتضمن ليس فقط تكلفة العملية الجراحية، لكنها تتضمن أيضا العلاج والنقاهة فيما بعد العملية.
 
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على المتبرعين الأحياء كمصدر وحيد للحصول على الأعضاء – كما هو الحال في مصر -  يؤدي إلى نقص شديد في الأعضاء المتوفرة بسبب قلة الأشخاص الراغبين في التبرع وهم أحياء، خاصة مع الخوف من الأضرار التي قد تلحق بهم بعد نزع العضو. وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية لحرمان أحياء آخرين من حقهم في الحياة والصحة، فضلا عن انتشار سياحة زراعة ونقل الأعضاء على حساب الفئات الأكثر عرضة.

وفي ظل هذه الفوضى تقدم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ورقة موقف تحدد فيها الرؤية الحقوقية لسياسات زراعة ونقل الأعضاء والأنسجة، كأحد الطرق التي تلبي بها الدولة التزاماتها في الحق في الصحة دون تمييز والحق في الحياة. وتحاول هذه الورقة تحليل الموقف الحالي واستشراف المستقبل آخذة في الاعتبار حيوية هذا المجال. كما تسعى المبادرة المصرية من خلال هذه الورقة إلى التأكيد على أهمية وجود تشريع يضع حدا لتجارة الأعضاء وإتاحة هذا النوع من الرعاية الصحية لكافة الأفراد تحت مظلة تأمينية شاملة. كما توصي المبادرة المصرية جميع الجهات المعنية بتنحية الجدل حول تعريف الموت والنظر إلى عواقب تعطيل هذا القانون. وأخيرا، تطالب المبادرة المصرية واضعي السياسات بضرورة مراعاة أن القانون هو حبر على ورق إذا لم تقم الدولة بتخصيص النفقات الأساسية لتفعليه، والرقابة على تنفيذه وتشجيع المجتمع على تبني ثقافة التبرع.

---

1-   World Health Organization, "WHO proposes global agenda on transplantation", 30 March 2007 http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2007/pr12/en/index.htm

2- World Health Organization, "WHO proposes global agenda on transplantation", 30 March 2007