"الحرية الشخصية أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها، لا قوام لها بدونها، إذ هي محورها وقاعدة بنيانها." المحكمة الدستورية العليا- 1994 1

مقدمة- تتعرض الحقوق والحريات الشخصية هذه الأيام لهجمة غير مسبوقة هي الأسوأ على مستوى التشريع منذ عقود. حيث تسعى الحكومة المصرية خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى تعديل دستور البلاد ليتضمن باباً جديداً حول مكافحة الإرهاب، تمنح مادته الوحيدة- رقم 179- حصانة دستورية دائمة للإجراءات الخاصة التي سيتضمنها قانون مكافحة الإرهاب المزمع إصداره قريباً.

 لا يعلم أحد بخلاف مسئولي الحكومة والحزب الحاكم ما سيتضمنه قانون مكافحة الإرهاب الجديد من جرائم أو إجراءات. ولكننا نعلم أن الحكومة اكتشفت أثناء صياغته أنه سيصطدم بالحقوق المكفولة للمواطنين في الدستور—فاختارت بمنتهى البساطة التضحية بمواد الحريات في سبيل حماية قانون الإرهاب. قررت الحكومة في نصها المقترح أن تمنح قانون الإرهاب الجديد سلطة التحلل من احترام ضوابط القبض على الأفراد واحتجازهم، وتفتيش منازلهم، ومراقبة وتسجيل أحاديثهم ومكالماتهم ومراسلاتهم. كما قررت أن تمنح رئيس الجمهورية سلطة دستورية أبدية في حرمان المتهمين من المحاكمة أمام النظام القضائي العادي وإرسالهم إلى محاكم عسكرية أو خاصة.   

إن تجربة الحكومة المصرية في مكافحة الإرهاب منذ إعلان حالة الطوارئ وتجديدها بشكل متصل بعد اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981 تكشف عن حجم الانتهاكات الهائلة والمنهجية لحقوق الإنسان والتي نتجت عن منح الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لتجاهل كافة الضمانات الدستورية والقانونية وارتكاب ما يحلو لهم من تجاوزات وهم بمأمن من العقاب بدعوى التصدي لخطر الإرهاب.  وإن كان التعديل المقترح للمادة 179 يثير القلق بشأن أثره على حقوق وحريات المواطنين، فإن هذا القلق يتضاعف مرات عدة عند الأخذ في الاعتبار أن النظام القانوني الموازي الذي أقامته حالة الطوارئ لتمكين أجهزة الأمن من الالتفاف حول أحكام الدستور والقانون سيدمج اليوم في دستور البلاد ليصبح نظاماً قانونياً قائماً ودائماً. 

تسعى هذه الدراسة إلى عرض وتحليل الحماية الحالية للحقوق والحريات التي يقدمها الدستور والقوانين المصرية والاتفاقيات الدولية الملزمة والتي ترغب الحكومة في تعطيل العمل بها بموجب التعديل الجديد، وتتقصى الأثر المتوقع لتمرير التعديل على البنية التشريعية للبلاد.  وتلخص الدراسة مسار التعديل الدستوري منذ طرحه علناً لأول مرة وحتى خروج الصياغة النهائية للمادة 179 إلى النور. كما تعرض بإيجاز تجربة الحكومة المصرية في استغلال دعوى مكافحة الإرهاب من أجل انتهاك حقوق الإنسان على مدى العقدين الماضيين. وأخيراً فإن الدراسة تلخص المبادئ والمبادرات الدولية في شأن احترام الحقوق والحريات الأساسية أثناء مواجهة الإرهاب، قبل أن تنتهي بتوصيتها إلى نواب مجلس الشعب برفض التعديل المقترح.   

---

1- المحكمة الدستورية العليا، الطعن رقم 23 لسنة 16 ق- جلسة 18 مارس 1994.