خطوة مرتبكة على الطريق الصحيح: تعليق على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة

بيان صحفي

23 June 2015

ترحب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإصدار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، وهو المطلب الذي طالما نادى به عدد كبير من المنظمات الحقوقية والنسائية والمبادرات القاعدية الناشطة ضد كافة أشكال العنف واﻻستغلال الجنسي.تقدم المبادرة من خلال هذه الورقة قراءة في الاستراتيجية الوطنية، وأهم محاورها، والمقاربة التي تستخدمها الاستراتيجية في تعريف العنف، وأهم المكتسبات المذكورة في هذه الاستراتيجية وكذلك النقاط التي أغفلها القائمون على هذه الوثيقة.

وبقدر الترحيب بإصدار وثيقة بهذه الأهمية، فإن المبادرة المصرية ترى أن الاستراتيجية لم تتقدم بالقدر الكافي باتجاه تبني تعريفات للظاهرة تسمح بإدراك نطاقها الحقيقي أو توظيف الموارد المتاحة بشكل فعال لحصارها. فبشكل عام، غابت اللغة الحقوقية في أحيان كثيرة من تعريفات أشكال العنف التي تواجه النساء، خصوصًا العنف الجنسي، واقتصرت الوثيقة في بعض الأحيان على تعريفات قانون العقوبات المصري الإشكالية بسبب لغتها المشحونة أخلاقيًا والتي لا توفر حماية وافية للمعنفات المحتملات. كذلك جاء تصنيف أشكال العنف الجنسي المتفشية في مصر قاصرًا ومحدودًا بدوره، و تجاهل ذكر الاعتداءات الجنسية الجماعية وتجاهل العنف الجنسي الذي تمارسه أجهزة الأمن، وهي أشكال العنف الجنسي اﻷخطر واﻷكثر تواترًا والتي تواجهها المرأة المصرية. عكس هذا القصور المفاهيمي أيضًا نفسه في صورة غموض والتباسات هيمنت على الخطوات التشريعية أو العملية المقترحة سواء على الصعيد الصحي أو التعليمي أو اﻷمني. تسعى المبادرة في تعليقها المختصر هذا إلى التنبيه ﻷوجه اﻻلتباس تلك وتقديم بعض توصيات ختامية محددة بما يسهم في تطوير هذه اﻻستراتيجية في المستقبل وتفعيلها في الواقع.

ملامح الاستراتيجية

الاستراتيجية هي خطة خمسية اعتمدت منهجيتها على استعراض للأدبيات وورش عمل واستبيان في المحافظات للوقوف على الوضع الحالي والتحديات الخاصة بالعنف ضد النساء، كما شملت المنهجية تحليلا للفرص والتحديات ونقاط القوة والضعف أجراه كل طرف مشارك في الاستراتيجية. و تستند الاستراتيجية إلى 12 بروتوكولا موقعة بين المجلس القومي للمرأة وعدد كبير من الوزارات منها وزارة الداخلية والعدل والصحة والشباب والتعليم والسياحة والأوقاف، وكذلك الكنيسة الأرثوذكسية وعدد من المجالس القومية المتخصصة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للأمومة والطفولة وعدد من منظمات المجتمع المدني والمبادرات النسائية. تبدأ الاستراتيجية باستعراض للرؤية والرسالة والأهداف ثم تنقسم إلى أربعة محاور رئيسية: أولها محور الوقاية الخاص بالتعليم والتوعية وتنقيح القوانين، والمحور الثاني هو محور الحماية الخاص بتنفيذ القوانين والتوعية بها وتشجيع النساء على الإبلاغ، ثم محور التدخلات المتعلق بالخدمات النفسية والصحية ودور استضافة النساء ونظم الإحالة بشكل عام، وأخيرا محور الملاحقة القانونية الخاص بالتقاضي، يلي ذلك ملخص للخطط التنفيذية ومؤشرات قياس الأداء. هذا بخلاف ستة ملاحق تتضمن استعراضًا للأدبيات السابقة، وأنواع العنف ضد المرأة والفتاة، والإطار القانوني الوطني والدولي، والجهود الوطنية للجهات الحكومية وغير الحكومية، وتحليل البيئة الداخلية للجهات المعنية، وخطط العمل التنفيذية.

تتضمن الاستراتيجية العديد من الخطط التنفيذية التي تتبنى منظورا مختلفا عن النهج السائد في السياسات العقابية ووسائل الحماية، على سبيل المثال هناك ميل لتبني منظور إعادة تأهيل المتحرشين ومرتكبي جرائم العنف الجنسي وعدم الاكتفاء بعقوبات الغرامات أو العقوبات السالبة للحريات والاتجاه إلى الجهود المعنية بتغيير الأفكار الخاصة بحقوق النساء. وفقًا للاستراتيجية ستقوم وزارة العدل بإعداد دليل إجرائي وتدريبي ﻷعضاء النيابة العامة وجهات إنفاذ القانون والطب الشرعي للتعامل مع قضايا العنف, بالإضافة إلى إعداد دليل إرشادي للعاملين بوزارة الداخلية في مجال العنف ضد المرأة، كما ستقوم وزارة التضامن بالإعلان عن خط ساخن للإبلاغ وزيادة أعداد دور استضافة النساء المعنفات وإن بعدد ضئيل جدا لا يتناسب بأي حال مع أعداد النساء المعنفات في مصر.

بالنسبة للدراسات، فوفقا للاستراتيجية هناك العديد من الدراسات عن أسباب العنف ضد المرأة من جوانب مختلفة ستقوم بإعدادها العديد من الجهات والوزارات للبحث في تكلفة العنف ومظاهره وحجمه. وبشكل عام تهدف الاستراتيجية إلى تحسين نظم جمع المعلومات في الوزارات حول العنف، كما تم بالفعل إطلاق بروتوكول طبي للتعامل مع ضحايا العنف.

تعتزم الجامعات كذلك إنشاء وحدات لسلامة الفتاة داخل الحرم الجامعي، فيما ستقوم وزارة العدل بتكوين وحدات سريعة الانتقال لنجدة الضحايا (تتكون هذه الوحدات من ضابط شرطة، وطبيب شرعي، وطبيب نفسي) وعلى مستوى التشريعات تهدف الاستراتيجية إلى إصدار قانون شامل لكافحة العنف ضد المرأة، كما سيقوم المجلس القومي لحقوق الإنسان بمراجعة المناهج الدراسية لجعل لغتها أكثر حقوقية والتزاما بمبادئ المساواة.سينشئ المجلس القومي للمرأة مرصدا لمتابعة تنفيذ أنشطة الاستراتيجية وتقييمها، وتوصي المبادرة المصرية أن يكون هذا المرصد متاحا للجمهور ليتمكن المواطنون من متابعة وتنفيذ الاستراتيجية ومدى التزام الجهات المختلفة بالمسئوليات التي اضطلعت بها.

ملامح غموض والتباس:

على الرغم من اجتهاد كتاب اﻻستراتيجية في محاولة اﻻلتزام بالمعايير الدولية السائدة في هذا الشأن، إﻻ أن هذا الالتزام نفسه جاء قاصرًا وانتقائيًا وفي بعض اﻷحيان أتى على حساب السياق المحلي. تتجسد أوجه القصور تلك في التعريف الانتقائي والمحدود لمفهوم العنف وكذلك في غياب أي ذكر لأهم مظهرين للعنف الجنسي في مصر وهما الاعتداءات الجنسية الجماعية ودور أجهزة الأمن كمرتكب للعنف الجنسي.

أتى تعريف العنف في الاستراتيجية شاملا ووافيا إلى حد بعيد، ففي العنف المجتمعي تم إدراج الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، والتحرش الجنسي، والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر وغيرها، أما العنف المنزلي فشمل تعريفه أشكال الإكراه على الزواج، الحرمان أو التمييز في الميراث ختان الإناث...إلخ. إﻻ أن تعريف وتصنيف أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في مصر جاء محدودًا ومتناقضًا في الكثير من اﻷحيان. أتت اﻹستراتيجية على تصنيف أشكال العنف ضد النساء في موقعين، أولها في بداية الاستراتيجية والموضع الثاني هو الملحق الثاني للاستراتيجية "أنواع العنف ضد المرأة والفتاة". وفي الموضعين كانت اللغة المستخدمة مرتبكة وغير محددة، فاللغة تتأرجح بين المصطلحات الحقوقية الموجودة في العهود والمواثيق الدولية وبين اللغة المستخدمة في قانون العقوبات المصري. فسنجد على سبيل المثال الاستراتيجية تذكر "إجبار الزوج لزوجته على ممارسة الجنس ضد رغبتها" أي ما يعرف بالاغتصاب الزوجي ضمن أشكال العنف، رغم عدم تجريم القانون المصري للاغتصاب الزوجي والاعتراض الواسع الذي يبديه رجال القانون لإدراج الاغتصاب الزوجي كشكل من أشكال العنف الجنسي. وأوردت الاستراتيجية تعريفين للتحرش الجنسي: التعريف الذي أدخل حديثا في قانون العقوبات وكذلك تعريف اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) ولكن عند التعرض للاعتداء الجنسي، على سبيل المثال، نجد أن الاستراتيجية أوردت تعريفا للاعتداء الجنسي يليه تعريفا لما يسمى بهتك العرض، وهي الكلمة المستخدمة في القانون المصري لوصف الاعتداء الجنسي ولكنه مصطلح إشكالي كونه يربط الاعتداء "بحياء المرأة"وليس بسلامتها الجسدية، بما يجعلها كلمة مشحونة أخلاقيا ﻻ تشير لمدلول واضح. أما فيما يتعلق بتعريف الاغتصاب، فقد اكتفى القائمون على الاستراتيجية بتعريف القانون المصري له وهو "مواقعة أنثى بغير رضاها" في حين تتجاهل تعريف منظمة الصحة العالمية للاغتصاب بأنه "إدخال القضيب، أو أي جزء من الجسد أو أداة خارجية أخرى، في الفرج أو الشرج بالإجبار أو الإكراه"1. الفارق بين التعريفين كبير، ففي الوقت الذي يقصر فيه القانون المصري الحماية للنساء فقط ولا يعد اغتصابا سوى الاغتصاب المهبلي، فتعريف منظمة الصحة يمد الحماية للرجال والنساء على حد سواء ويعد اغتصابا كل من الاغتصاب الشرجي أو الاغتصاب بآلات حادة وهي الأشكال التي يعتبرها القانون المصري بشكل غامض "هتك عرض”.

الأهم من عدم توحيد اللغة المستخدمة في توصيف مظاهر العنف ضد النساء هو ضعف التأصيل الحقوقي لهذه القضية الهامة، ففي الملحق الخاص بالإطار القانون الوطني والدولي لم تشر الوثيقة سوى إلى حقوق المساواة وعدم التمييز، في حين أن التأصيل الحقوقي لمحاربة العنف ضد النساء يتعلق بحقوق عديدة منها الحق في سلامة الجسد والتحرر من العنف والمعاملة المهينة والحق في الأمان والحياة والصحة. ضعف اللغة الحقوقية يمكن ملاحظته في أجزاء عديدة ويقابله على الجهة الأخرى اهتماما زائدا بدور الخطاب الديني، وعلى الرغم من أهمية الخطاب الديني ووجود بروتوكولات تعاون مع وزارة الأوقاف والكنيسة الأرثوذكسية لكن مثل هذا التناول المحدود لقضية العنف يجعل دائما من معارك حقوق النساء معارك أسيرة لخطابات الأصالة وفي نفس الوقت يخفف من مسئولية الدولة عن الوفاء بالتزاماتها في صون حقوق المواطنات و يعزز فكرة أن النساء رعايا الأديان التابعات لها.

هذا إلى جانب الإشكاليات العديدة التي لا تزال تشوب نظرة مسئولي الدولة للعنف الجنسي والتي قد تصل إلى حد الإنكار. ففي كلمة رئيس الوزراء في مستهل الاستراتيجية يعزي زيادة العنف ضد النساء إلى "الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمتغيرات السريعة التي مر بها المجتمع في الفترة الأخيرة". وفي أجزاء أخرى من الاستراتيجية تم التعامل مع العنف الجنسي بوصفه "الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا وثقافتنا"، في حين أن مصر تعاني من زيادة وبائية في معدلات العنف الجنسي ضد النساء لأكثر من عقد من الزمان، كما ورد ضمن أهداف الاستراتيجية تحسين صورة مصر الدولية أو كما جاء نصا "إعلاء شأن الوطن ومحو الصورة السلبية التي انتشرت دوليا ومحليا عن العنف ضد المرأة". هذه العبارات تلقي ظلاﻻً من الشك على مدى استيعاب الدولة لأزمة العنف العميقة في مصر. عانت النساء في مصر طويلا من استغلال الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال بقضاياهن في سبيل تحسين صورة تلك الحكومات أمام المجتمع الدولي دون أن يترجم ذلك إلى تغييرات ملموسة في حياتهن، الاهتمام المبالغ فيه بصورة مصر أمام العالم على حساب التزام الدولة بدورها في تحسين حياة مواطنيها وحمايتهم من الانتهاكات كان وﻻ يزال باختصار نهجًا للحكومات السلطوية التي تعاقبت على حكم هذا البلد.

وفي مواطن عدة، تدعو الاستراتيجية ﻹجراء دراسات من جانب وزارات مختلفة للوقوف على أسباب العنف الجنسي وهو أمر في غاية الأهمية خاصة في ظل اعتراف أجهزة الدولة بالنقص الشديد في الأبحاث والبيانات الخاصة بالعنف وعلى الرغم من ذلك نجد أن الاستراتيجية تتجاهل العديد من الإحصائيات والدراسات الخاصة بنطاق الظاهرة ومدى انتشارها في مصر والتي صدرت عن جهات دولية ومحلية حكومية ومدنية تتعاون معها الحكومة المصرية. فاعتمد الجزء الخاص بعرض الأدبيات في الاستراتيجية بكثافة على استراتيجيات مشابهة في الدول العربية مثل الجزائر وفلسطين والمغرب والعراق، واعتمدت الاستراتيجية على دراسات بعينها خاصة دراسة المجلس القومي للمرأة عام 2009 في الجزء الخاص بحجم العنف ضد المرأة، في حين مثلا أغفلت دراسات هامة مثل استبيان هيئة الأمم المتحدة في مصر والذي جاءت نتائجه أن 99.3 من النساء في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي، أو دراسة "غيوم في سماء مصر"التي أعدها المركز المصري لحقوق المرأة، مثل هذا التجاهل لا يمكن تفسيره سوى على اعتباره محاولة للتقليل من حجم ظاهرة العنف ضد النساء وتجاهل الإحصائيات الأحدث أو تجاهل جهود المجتمع المدني والمنظمات الدولية فيما يخص الأبحاث.

أما بخصوص نطاق الظاهرة التي تسعى اﻹستراتيجية لمواجهتها، فأي متابع ولو من بعيد لحوادث العنف ضد النساء في مصر، يعلم أن الاعتداءات الجنسية الجماعية التي تعاني منها النساء والفتيات خلال الاحتفالات والمظاهرات والتجمعات الكبيرة هي الشكل الأكثر حدة للعنف ضد النساء في مصر خلال العقد الأخير إلى الحد الذي وصلت فيه الاعتداءات الجنسية الجماعية على النساء خلال المظاهرات في محيط ميدان التحرير في الأسبوع من 28يونيو – 7يوليو 2013 إلى 186حالة. بل إن فداحة هذه الاعتداءات كانت هي الدافع الأساسي لتبني الدولة لهذه القضية، خاصة بعد زيارة الرئيس السيسي لضحية الاعتداء الجنسي خلال احتفالات التنصيب. المظهر الآخر للعنف الذي تغافلت الاستراتيجية عن التطرق إليه هو العنف الجنسي الذي تمارسه قوات الأمن ضد النساء سواء معتقلات أو غير معتقلات داخل وخارج أقسام الشرطة وأماكن اﻻحتجاز، خاصة في ظل ظهور تقارير لجهات حقوقية محلية ودولية تحذر من زيادة وتيرة العنف الذي تمارسه الأجهزة اﻷمنية ضد الجميع نساء ورجالا وأطفالا، فرصد مركز النديم 16 حالة اعتداء جنسي و8 حالات تحرش جنسي ارتكبها أفراد الشرطة ضد المواطنين في الفترة بين 8 يونيو 2014 إلى 7 يونيو 2015. الإقرار بتورط أفراد الأمن في حوادث عنف جنسي يعني تعاملا جديا وواقعيا مع ملف العنف ضد النساء ولا يقلل من الجهود التي ذكرتها اﻹستراتيجية مثل قيام وزارة الداخلية بإنشاء أقسام لمكافحة العنف ضد المرأة في مديريات الأمن ووجود آلية بالوزارة خاصة بتلقي شكاوى النساء، ولكن إنكار قيام أفراد من الشرطة بالاعتداء على سجينات سياسيات أو غير سياسيات وتورط أفراد الأمن في عمليات التحرش الجنسي اليومية التي تحدث في الشارع وكذلك إنكار استخدام التعذيب الجنسي كأداة في مقار الاحتجاز سيجعل من جهود الوزارة مجرد إجراءات شكلية غير معنية بتغيير عقلية ضباط الشرطة وأفراد الأمن تجاه حقوق النساء. هذا التجاهل يمتد لتجاهل الشرطة وقوات الأمن ضمن مرتكبي العنف الجنسي المحتملين من اﻷصل والذين حددتهم الاستراتيجية كالأقارب وأرباب العمل والغرباء وغيرها.

تجاهل السياق المحلي لا يتبدى فقط في تجاهل عنف الشرطة والاعتداءات الجماعية ولكن أيضا في تحليل البيئة الخارجية والظروف المحيطة، إذ جاء ضمن نقاط القوة خبرة المنظمات النسائية والائتلافات والتحالفات والمبادرات المختلفة ضد العنف دون النظر إلى وجود قوانين مقيدة للحق في التنظيم ودون النظر كذلك إلى الصعوبات التي تواجهها بعض المبادرات المجتمعية لمواجهة ظاهرة العنف الجنسي الجماعي، والتي استمرت في العمل على الرغم من تراجع الفعاليات اﻻحتجاجية بشكل عام، في الحصول على الموافقات الأمنية أو تعنت أجهزة الأمن ضد الحركات والمبادرات التي تعمل على رفع الوعي أو مكافحة التحرش في الشارع.

الميل لوضع حلول مؤقتة لمشاكل مزمنة هو أيضا أحد عيوب هذه الاستراتيجية. فرغم التشديد على القوانين والسياسات التي تحارب العنف ضد النساء والتركيز على إصدار قانون شامل لمكافحة العنف واستغلال وحدات تكافؤ الفرص داخل الوزارات،إلا أنه يلاحظ مثلا غياب اقتراح بسياسات فعالة لمكافحة التحرش في أماكن العمل مثل المستشفيات أو المدارس والشركات وهي الظاهرة التي تحتاج تدخلا فعالا وسريعا يحمي النساء من استغلال رؤسائهن أو زملائهن في العمل. كما أشادت الاستراتيجية بفلسفة تغليظ العقوبات التي تبنتها الدولة لمدة طويلة باستثناء التعديل التشريعي الأخير، ففي 2011 قام المجلس العسكري بتغليظ عقوبات الجرائم الجنسية فأصبحت عقوبة الاغتصاب الإعدام أو المؤبد بدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة وهذه الرؤية في الإصلاح القانوني اعترض عليها طويلا النشطاء والعاملين في المجتمع المدني لإيمانهم بأهمية تناسب العقوبة مع الجرم وكذلك لضرورة تطبيق العقوبات بدلا من أن يتردد القضاء في إنزال العقوبات بالمتهمين نظرا لغلظتها.

قصر النظر هذا لا يظهر فقط في السياسات والقوانين المقترحة ولكنه يظهر بشكل أكثر جلاء في المكون الخاص بالتعليم في الاستراتيجية، فعلى الرغم من أهميته الشديدة يأتي هذا المكون معيبا، فهو يعيد إنتاج التصورات النمطية عن الرجال والنساء من خلال فصل التدريبات التي ستتلقاها الفتيات حول الحفاظ على الجسد عن تدريبات الفتيان حول احترام حقوق المرأة ونبذ العنف، في حين أنه يجب استهداف جميع الطلبة في تدريبات الحفاظ على الجسد. ورغم إفراد مساحة كبيرة من الخطة التنفيذية لأنشطة وزارة التربية والتعليم مثل عقد ندوات للطلبة ودورات توعية لأولياء الأمور وبرامج إعداد للمدرسين والاخصائيين الاجتماعيين، وعمل دراسات عن التحرش، إلا أن هناك تجاهلا تاما ﻷهمية معالجة ظاهرة مثل العنف ضد النساء من خلال التثقيف الجنسي الشامل، والذي يعتبر المفتاح ليس فقط لمعالجة قضايا العنف ضد النساء بل وطيف واسع من قضايا النوع الاجتماعي. تجاهل الحكومة لبرامج التثقيف الجنسي الشامل مثﻻً يأتي على الرغم من وجود توصيات واضحة أصدرتها اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في ملاحظتها الختامية التي وجهتها إلى مصر في الدورة الخامسة والأربعين والتي جاء فيها "توصي اللجنة بتشجيع التربية الجنسية واستهداف المراهقات والمراهقين على نطاق واسع”.2

المأخذ الأخير على الاستراتيجية هو ضعف مؤشرات قياس الأداء وبالأخص المؤشرات الكمية لأهداف مثل زيادة إبلاغ النساء عن حوادث العنف، أو تقديم الاستشارات والمساعدات القانونية.

خلاصة وتوصيات:

مرة أخرى، تثمن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تبني استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة من حيث المبدأ، إﻻ أن مواجهة ظاهرة على هذا القدر من التعقيد والاتساع يقتضي تحوﻻً كامﻻً في منهجية النظر لمسألة العنف ضد المرأة تبدأ من تبني تعريف شامل للظاهرة وفصلها عن الرؤى الغامضة ذات الطابع الأخلاقي وﻻ تنتهي بتحديد أمين لنطاق الظاهرة ورصد لمصادر التهديد الأكثر حدّة وإلحاحًا لسلامة المرأة الجسدية وما يرتبط بها من حقوق. وكخطوة أولى على طريق هذا التحول المبتغى تدعو المبادرة إلى:

- ضبط اللغة والمصطلحات المستخدمة لتوصيف مظاهر العنف ضد النساء تبدأ بتبني تعريفا أكثر شموﻻً للاغتصاب والاعتداء الجنسي يحمي الجنسين ويتجاوز جريمة "هتك العرض" الغامضة.

-فتح تحقيق شفاف في انتهاكات أفراد الأمن المختلفة بحق النساء، واستخدام العنف الجنسي كأداة عقاب أو إذلال أو ترهيب أو وسيلة لانتزاع الاعترافات من المقبوض عليهم أو السجناء.

-كما تدعو المبادرة إلى الاعتراف بحجم العنف الجنسي الجماعي الذي ارتكب ضد النساء في مصر خلال السنوات السابقة وإدراج حوادث العنف الجنسي الجماعي بوصفها الشكل اﻷخطر من أشكال هذه الظاهرة بما يقتضيه ذلك من جهود تتعلق بتخصيص الموارد الﻻزمة لمواجهة الظاهرة ونشر الوعي بها وتدريب الكوادر الصحية واﻷمنية على كيفية التعامل معها ومواجهة آثارها. .

-إدراج برامج التثقيف الجنسي الشامل للجنسين في المدارس وغيرها من المؤسسات الاجتماعية باعتبارها واحدة من المداخل لمحاصرة ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء في مرحلة مبكرة.

-تطوير مؤشرات كمية وكيفية أكثر دقة وإحكاما لقياس الأداء.

-كما توصي المبادرة بإدماج أكبر لمنظمات المجتمع المدني في خطوات التنفيذ والمتابعة والتقييم لهذه الاستراتيجية.

http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs239/ar-1

http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs239/ar-2