المبادرة المصرية : تؤكد أن قرار وزير العدل بشأن الزيجات ذات فارق السن الكبير يتنكر لالتزامات مصر بمكافحة الاتجار بالنساء و يعتبِر الاتجار بالنساء واقعًا لا يمكن تغييره

بيان صحفي

9 ديسمبر 2015

انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قرار وزير العدل رقم 9200 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام المرسوم باللائحة التنفيذية لقانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 والذي تلزم المادة الأولى فيه طالب الزواج الأجنبي بتقديم شهادات استثمار ذات عائد دوري للزوجة المصرية بقيمة خمسين ألف جنيه بالبنك الأهلي، وذلك إذا جاوز فارق السن بينهما 25 سنة.

وتعرب المبادرة المصرية عن قلقها من هذا القرار الذي يتجاهل واقع الزواج الموسمي والسياحي في مصر، وهي ظاهرة اتسع نطاقها خلال العقد الماضي ويقوم خلالها سماسرة زواج محليون بالاتفاق مع نساء فقيرات وأسرهن على الزواج بأثرياء عرب مدة زمنية محددة مقابل مبلغ مالي معين، وهي الظاهرة التي اعتبرتها لجنة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء التابعة للأمم المتحدة في ملاحظاتها الختامية للحكومة المصرية سنة 2010 أحد أشكال الاتجار بالبشر تحت غطاء الزواج، ووصفتها بالظاهرة السلبية التي يجب مقاومتها.

وتستغرب المبادرة المصرية وضع شرط مادي لإقرار الزيجات في حال وجود فارق سني كبير، فبدلًا من أن تضع الدولة شروطًا وضوابط ومعايير ودراسة كل حالة على حدة للتحقق من كون عملية الزواج المطلوب توثيقها حقيقية ورضائية وليست شكلًا من أشكال الاتجار بالنساء، تعيق الزواج الرضائي بين البالغين حال عدم امتلاك الزوج للمبلغ المالي ورضاء الزوجة، وتسهل في نفس الوقت الأمور على المتاجرين بالنساء، وتكتفي بوضع شرط مادي لتوثيق تلك الزيجات. ومن السذاجة اعتبار أن مبلغ 50 ألف جنيه قد يكون مثبطًا لمثل هذه الزيجات التجارية، بل على العكس قد يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات الزواج الموسمي والمؤقت وبخاصة في غياب الرقابة واعتبار مثل هذه الممارسات شرعية. وكان قانون التوثيق المصري لا يتيح توثيق عقود زواج الأجنبي بمصرية إذا كان فارق السن بينهما أكثر من 25 عامًا إلا بتصريح من وزير العدل أو من يفوضه، وتشير المبادرة أنه كان يجدر بالوزير أن يعدل القرارات بما يتسق مع قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر سنة 2010 لا أن يجيز الزيجات التي يشتبه في كونها اتجارًا بالنساء.

وبناء عليه، تعتبر المبادرة المصرية هذا القرار بمثابة تقنين لجريمة الاتجار، فبدلًا من شعور سماسرة وطالبي الزواج بالخوف ومحاولة إخفاء جريمتهم عن طريق تجنب الطرق الرسمية سيقومون باستيفاء شرط شهادات الاستثمار ويتوجهون إلى وزارة العدل لإتمام أوراق الزواج بمباركة الدولة، فالوزارة تتخلى هنا عن دورها في مكافحة هذه الجريمة المشينة وتعتبر أن هذا الشكل من الاتجار هو شكل لا يمكن منعه وبالتالي تحاول تحسين شروط استرقاق النساء من خلال ضمان حد أدنى مقابل الخدمات الجنسية التي ستقدمها المصريات للأزواج الأجانب. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تتدخل الدولة في تنظيم هذه الممارسات وتضع نفسها في نفس الخانة مع سماسرة الزواج من خلال ضمان حصول النساء على المقابل المادي عن طريق اشتراط إيداع شهادات الاستثمار المطلوبة في البنك الأهلي.

وتعيب المبادرة على القرار الجديد تقديم تسهيلات قانونية لمرتكبي جريمة الاتجار بالبشر سواء السماسرة أو الأثرياء العرب في حين أن الأولوية القصوى في محاربة جرائم الاتجار يجب أن تولى دائمًا لحماية الضحية وصون كرامتها وتقديم المساعدة القانونية لها، وبخاصة أن أغلب ضحايا هذه الزيجات من النساء الريفيات أو القاطنات على أطرف المدن والأقل حظًّا في التعليم والثروة.

وتشدد المبادرة المصرية على أن هذا القرار يعد انتهاكًا لالتزامات مصر ببروتوكل باليرمو الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وكذلك للقوانين المحلية.

وعليه فتوصي المبادرة المصرية بإلغاء هذا القرار وتكثيف النشاط الرقابي لوزارة العدل وموظفيها المسئولين عن توثيق عقود الزواج مع الأجانب وبخاصة في الحالات التي يشتبه في كونها اتجارًا مع تدريب موظفي وزارة العدل على كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، وتشجيع استخدام الخطوط الساخنة لمكتب شكاوى المرأة التابع للمجلس القومي للمرأة، ويجدر بالدولة تذكر التزاماتها الخاصة بتفعيل قانون مكافحة الاتجار بالبشر ولائحته التنفيذية اللذين صدرا سنة 2010 وتتجاهل الدولة تفعيلهما على الرغم من استمرار تزايد حالات الاتجار واستمرار مصر كبلد منبع ومحطة انتقالية ومحطة نهائية للاتجار بالبشر. وكذلك تشدد المبادرة المصرية على أهمية ملاحقة المجرمين المشتركين في جريمة الاتجار ومعاقبتهم قانونيًّا، وتوفير الحماية للضحايا، ويظل رفع الوعي بمشاكل الزواج الموسمي والتحذير من خطورته هو المفتاح الرئيسي لحل هذه المشكلة إلى جانب تبني مقاربة شاملة ترتكز على النهوض بأوضاع النساء والفتيات من الفئات المحرومة بتعزيز فرصهن في التعليم والصحة والالتحاق بسوق العمل.