مع موافقة مجلس الوزراء على استخدام الفحم لتوليد الطاقة، منظمات حقوقية: "لن يحل الأزمة وسيزيد من الأعباء الحالية وسيقضي على فرصة التنمية المستقبلية"

بيان صحفي

9 أبريل 2014

أعربت منظمات المجتمع المدني المنضمة إلى هذا البيان عن استيائها العميق لصدور قرار مجلس الوزراء، الذي يسمح باستخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة في مصر، وحذرت من أن هذا القرار الذي يعارض توجهات الدستور بخصوص التنمية المستدامة، ستكون عواقبه وخيمة على الصحة والاقتصاد، وعلى حق الأجيال القادمة في التنمية، وأعلنت عن عزمها مقاومته والعمل على إلغائه.

وكان اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد بتاريخ 2 من أبريل 2014، بشأن بحث مصادر بديلة للطاقة للقضاء على الأزمات التي تواجهها البلاد، من انقطاع للتيار الكهربائي ونقص في الوقود في المصانع، قد انتهى بصدور قرار استخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة في مصر، رغم الاعتراضات الشديدة والتحذيرات المتكررة من خبراء البيئة المحليين والدوليين ونشطاء ومنظمات المجتمع المدني، وأيضًا من وزارتي البيئة والسياحة.

وأوضحت المنظمات أن هذا القرار يجافي المبررات نفسها، التي سيقت لتمريره كحل رخيص لأزمة الطاقة الحالية. فاستخدام الفحم يحتاج إلى تعديلات كبرى في تقنيات التشغيل في المصانع أو محطات الكهرباء، وفي تجهيز البنية التحتية لنقله وتخزينه والموانئ المعدة لاستيراده، وهي إجراءات ستستغرق وقتًا طويلًا، وتحتاج إلى استثمارات كبرى، ليس من السهل توفيرها، طبقًا لآراء العديد من الخبراء المستقلين، وخبراء وزارة البيئة أيضًا، بالإضافة إلى أن مؤسسات التمويل الدولية تضع قيودًا على تمويل المشروعات "كثيفة الكاربون"، في سياق التدهور المناخي الذي يمر به العالم.

ويظل سعر الفحم أرخص ـ فقط ـ بقياس ما ينتجه من وحدات حرارية، ولكن تكلفته الحقيقية عالية، لأن الفحم أكثر مصادر الوقود التقليدية تلويثًا ـ على الإطلاق ـ سواء من حيث نوعية وكمية المواد الضارة والمسرطنة، أو من ناحية غازات تغير المناخ. وفي نهاية المطاف، لا يتحمل أصحاب الأموال أو قطاع الصناعة، الذي يستخدم الفحم تلك التكلفة، وإنما يدفعها، للأسف، المواطنون من صحتهم ومن أموالهم، ويدفعها القطاع الصحي وجميعهم ينوءون بعبء تلوث البيئة الحالي، حتى دون الفحم. وقد قدرت دراسة مبدئية، أعدتها وزارة البيئة أن التكلفة الصحية بسبب الانبعاثات من استخدام الفحم في صناعة واحدة هي "الأسمنت"، دون حساب باقي المواد الضارة، تتراوح بين 3 -5 مليار دولار سنويًّا.

ويضر استخدام الفحم ضررًا بالغًا بقطاعات أخرى من الاقتصاد المصري، خصوصًا السياحة، وهي مصدر مهم للدخل القومي، وأيضًا كبير التشغيل للعمالة، التي ستتضرر بشدة بسبب استخدام موانئ البحر الأحمر والمتوسط لاستيراد الفحم. كذلك ستتضرر قطاعات النقل والطرق والسكك الحديدية والموانئ وقطاعات البنية التحتية، التي ستتحمل عبء استقبال وتخزين ونقل هذه الكميات الهائلة من الفحم .

ونبهت المنظمات إلى أنه رغم أن قرار مجلس الوزراء تضمن ضرورة الالتزام بالضوابط والمعايير البيئية، واتباع أحدث التكنولوجيات التي من شأنها تقليل الانبعاثات، إلا أنه لم يتضمن أية إجراءات عملية أو حديثًا عن تكلفة استخدام التكنولوجيا الحديثة. وتظل مخاطر الفحم قائمة حتى مع أفضل التقنيات المتقدمة، والمعارضة ضده شديدة في الدول المتقدمة التي تستخدم تلك التقنيات وتطبق أشد المعايير. كما أنه ليس خافيًا على مجلس الوزراء أن الآليات القانونية والإدارية لحماية البيئة في مصر ضعيفة، وكذلك إمكانيات وإرادة فرض تنفيذها، وسِجلُّ أغلب الشركات الصناعية القائمة حافل بالمخالفات التي تمر دون أي محاسبة، والتلوث البيئي الحالي الذي يتجسد أمامنا خير دليل على ذلك.

وأكدت المنظمات على أن هناك حلولًا متعددة لمواجهة أزمة الطاقة، طرحها الخبراء مرارًا وتكرارًا، وهي تعتمد حزمة متكاملة من إجراءات الترشيد ورفع الكفاءة وتعديل أنظمة دعم الطاقة الموجهة للصناعة، والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة التي تعتبر مصر من أغنى الدول بها، خصوصًا في ظل دستور يتبنى مبادئ التنمية المستدامة. وأضافت المنظمات أنه من شأن توجيه الاستثمارات الضخمة إلى الفحم ـ كـمصدر رخيص للطاقة ولكنه ملوث للبيئة ـ القضاء على فرص التقدم نحو مستقبل من التنمية تمتلك فيه مصر مصادر طاقتها.

وأوضحت المنظمات الموقعة أدناه أن من يستفيد فعليًّا من هذا القرار هم أصحاب المصانع كبيرة الاستهلاك، ولصعوبة الحصول على مصادر طاقة مدعومة بأرخص الأسعار (غاز وسولار وكهرباء) فإنهم يسعون الآن إلى مصدر رخيص آخر للطاقة، وإن كان مدعومًا من صحة المصريين ومستقبل الأجيال القادمة. كما أضافت أن الحسم الذي اتخذت به الحكومة الانتقالية ـ في غياب برلمان منتخب ـ قرارًا إستراتيجيًّا سيؤثر على حياة السكان ومستقبل البلد لعشرات السنين، يقابله تخاذل واضح في اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية، مثل تعديل دعم الطاقة للصناعات، وهذا التناقض بدوره يطرح تساؤلات جدية عن تشابك مصالح الشركات كبيرة الاستهلاك مع السلطة، وعن استمرار سياسات المنظومة الحاكمة التي أهدرت موارد الطاقة سابقًا وأوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.

 الموقعون:

  • المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
  • المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
  • جمعية التنمية الصحية والبيئية – أهيد
  • حركة 350 مصر

لمزيد من المعلومات: اضغط هنا