من أجل دستور شرعي وتوافقي: لا بديل عن جمعية تأسيسية تليق بالمصريين وثورتهم

بيان صحفي

2 سبتمبر 2012

ورقة موقف

في توقيت متزامن مع الجدل الذي صاحب حكم محكمة القضاء الإداري بحل الجمعية التأسيسية الأولى، تقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من جانبها بمقترح تفصيلي للخروج من الأزمة وتجاوز مسبباتها. وحددت عددا من الضمانات اعتبرتها بمثابة المبادئ التي تكفل إخراج دستور ديمقراطي يحظى بأوسع قدر من التوافق الوطني منها: 

  • ضمان تمثيل كافة مكونات المجتمع المختلفة وعدالة نسب التمثيل.
  • ضمان شرعية وديمقراطية تمثيل مكونات المجتمع.
  • ضمان شفافية الجمعية التأسيسية والاتفاق على الأطر الزمنية الملائمة لإنجاز مهماتها.
  • ضمان الدرجة اللازمة من التوافق في مخرجات عمل الجمعية التأسيسية.

لم يكن الغرض من طرح هذه المعايير والضمانات هو تقديم تصور نظري أو نموذجي لطريقة تشكيل وعمل الجمعية التأسيسية، لا يأخذ في الاعتبار طبيعة التعقيدات الناجمة عن صراعات القوى السياسية والمؤسسية في البلاد، بل على العكس رأينا فيما اقترحناه الإطار العملي والشرط اللازم لضمان استمرارية الجمعية التأسيسية وصون شرعية مخرجاتها وتحصينها شعبيا من أي طعن قد يرد عليها حفاظا على استقلالها ووقاية لها من أن تستخدم كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية آنية لهذه القوى أو تلك.

إلا أن التشكيل الثاني للجمعية التأسيسية جاء كسابقه مخيبا للآمال وحاملا لذات العوار الذي أصاب تشكيل الجمعية الأولى، مما عرضها للطعن على شرعية تشكيلها أمام محكمة القضاء الإداري للمرة الثانية.

فقد طغى المكون السياسي على باقي المكونات بتمثيل حزبي الحرية والعدالة والنور الإسلاميين بما يزيد عن ثلث أعضاء الجمعية، إلى جانب عشرة ممثلين لأحزاب غير إسلامية. وتضخم حجم المكون الديني في الجمعية حيث بلغ ممثلو الهيئات الدينية الإسلامية والمسيحية أحد عشر ممثلا. في حين انحصر تمثيل النساء مثلا في 7% بما يعكس خللا واضحا في التمثيل.

وبالقدر المحبط ذاته ثارت لدينا مخاوف حول مدى الالتزام بمبدأ الشفافية في عمل الجمعية، وهل تسير في واقع عملها وفق إطار زمني مناسب يضمن لها فترة ملائمة لإنجاز أعمالها. فبالرغم من تحقق شرط شفافية أعمال الجمعية في بداية عملها بالالتزام بنقل أعمالها تلفزيونيا، فقد توقف ذلك ما أن بدأت جلسات الاستماع في لجان الجمعية المختلفة برغم أهمية هذه الجلسات. ورغم تشكيل لجنة للاقتراحات والحوارات والاتصالات المجتمعية، إلا أن هذه اللجنة لا تملك أي آلية لترجمة المقترحات التي تتلقاها إلى نصوص مواد تطرح على لجان الجمعية المتخصصة أو لجنة الصياغة، وهو ما تغيب معه أي جدوى حقيقية للتشاور المجتمعي قي مرحلة ما قبل الصياغة الأولى لمواد الدستور الجديد. 

كما يبقى الالتباس حاضراً حول المدى الزمني الملائم في ظل خروج أعضاء من اللجنة وقياديين في أمانتها العامة بتصريحات متواترة تتحدث عن إنجاز الدستور في خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع؛ علاوة على تصريحات تؤكد السعي إلى إنجاز مجمل عملية صياغة الدستور والنقاش المجتمعي حوله وطرحه للتصويت الشعبي كل هذا قبل جلسة النطق بالحكم في قضية بطلان تشكيل الجمعية في 24 سبتمبر القادم!

إلا أن العوار الأكبر يظل ما أتت به المادة الخامسة من اللائحة الداخلية للجمعية التأسيسية، إذ نصت على إقرار المواد المقترحة لمشروع الدستور مادة مادة بالتوافق، وأضافت أنه في حال لم يتحقق التوافق المطلوب، يعرض النص للتصويت ليقر بأغلبية سبعة وستين (67) عضوا من أعضاء الجمعية، فإذا ما تعذر ذلك، يعرض النص محل الخلاف على اجتماع مشترك قوام حضوره من هيئة مكتب الجمعية واللجنة المختصة بالموضوع، وذلك لإعادة النظر في صياغة هذا النص، ثم يعاد عرض النص المعدل على الجمعية التأسيسية خلال مدة لا تزيد على ثماني وأربعين ساعة من تاريخ إحالته إلى الاجتماع المشترك، وفى هذه الحالة يكتفي بإقرار النص بموافقة سبعة وخمسين (57) عضوا على الأقل.

وإذا ما تأملنا هذا المسار، في ضوء طبيعة تشكيل عضوية الجمعية وفق أغلبية للتيار الإسلامي بمكونيه السياسيين، أي الإخوان والسلفيين، سندرك حتمية انتهاء كل خلاف حول أي من المواد محل الاستقطاب والجدل بين القوى الإسلامية وما عداها لصالح الأولى.

وقد سبق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن اقترحت - تلافياً لمثل هذا المأزق - أن يتم التصويت داخل الجمعية التأسيسية على مواد الدستور بأغلبية 75% من أعضاء الجمعية، تحقيقا للمستوى اللازم من التوافق، وللحد من تصدير خلافات أعضاء الجمعية إلى مرحلة التصويت الشعبي على الدستور في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أعلى مستويات التوافق.

وفي المجمل فقد غابت في طريقة تشكيل وعمل الجمعية التأسيسية الشروط اللازمة لاكتساب صفة الجمعية الممثلة لكل أطياف الشعب والتي تضمن من خلال آليات علمها صياغة دستور ديمقراطي للبلاد. 

إن الدستور هو المرجعية الأعلى، التي ترسم القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة. وهو الذي ينظم السلطات العامة ويحدد العلاقات بينها ويرسم حدود كل سلطة، كما يبين الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات وواجباتها. وإيماننا بعِظم وأهمية هذه الوثيقة التاريخية يجعلنا نؤكد أن شروط  اكتسابها الشرعية والنفاذ والاستمرارية لن يتم إلا باتخاذ المسار السليم في تشكيل الهيئة الموكل إليها صياغة بنودها قبل عرضها للاستفتاء الشعبي. 

لا يبشر المسار الحالي لعملية صياغة الدستور الجديد بحصول المصريين علي دستور يليق بهم، ويعكس طموحاتهم بعد الثورة. ويقيناً فإن دستورا كهذا، لا ضمان لبقائه واستمراره لزمن طويل. ويخشى مع هذا المشهد أن يتحول الدستور المصري لوثيقة يستمرئ الجميع انتهاكها، وتتبدل دون استقرار كلما تغيرت التوازنات السياسية في البلاد. ولنا في دستور 1971 وتعديلاته في 2007 عبرة، فلا يمكن لمتابع حصيف ألا يعي كيف كانت المواد التي عبث بها الرئيس المخلوع لتأبيد حكمه وابنه من بعده واعتدائه السافر على الدستور من بين الأسباب التي دفعت الشعب لإسقاط حكمه.

إن الفرصة لم تفت بعد لاتخاذ مبادرة سياسية جريئة تكفل للمصريين حقهم في دستور شرعي وتوافقي يليق بهم وبثورتهم. وأمام المسار المضطرب والمعيب الذي سارت فيه عملية صياغة الدستور فإننا نرى أن الاحتكام للشعب كمصدر لشرعية الهيئة المنوط بها كتابة الدستور هو المخرج الديمقراطي والسوي في آن واحد، وذلك عبر انتخاب جمعية تأسيسية انتخابا مباشرا من الشعب وفقا لنظام القائمة الموحدة على المستوى القومي، وبما يراعى التمثيل الملائم للخبراء القانونيين والفنيين والنساء وغير المسلمين وكافة فئات المجتمع خاصة المهمشة منها.