المواطنون الشرفاء.. والفضاء السياسي

8 May 2016

هالني ما حدث بالأمس عند نقابة الصحافيين من المواطنين الشرفاء، وفي معية الأمن، وهو الأمر الذي بدأ يدور في فلك شارع عبدالخالق ثروت منذ أزمة اقتحام نقابة الصحفيين، حيث قاموا بالتعدي بالضرب على معظم المجتمعين في النقابة أثناء خروجهم، وكان ضمن الذين أصيبوا الأستاذ/ خالد داوود، والأستاذة بيسان كساب، حيث كان لهما النصيب الأكبر من التعدي، هذا غير ما ناله الآخرون من شتائم وسباب أو تمزيق ملابس.

ولو عدنا للوراء تاريخيا سنجد أن لهذه الظاهرة التي تتلخص في استعانة الأمن بمجموعات من المأجورين لتفريق مظاهرة أو الاعتداء على تجمع، سنجد أن الظهور الأكبر كان في موقعة الجمل الشهيرة إبان فترة الحراك الثوري لثورة يناير 2011، والتي تؤكدها أوراق قضية تحمل ذات الاسم.

ولكن الأهم في هذا الأمر يخلص في سؤال هل ما يحدث من استطراد لاستخدام هذه المجموعات يمثل إفلاساً سياسياً في مواجهة الأزمات؟ أم يمثل إفلاساً أمنياً في الحفاظ على كيان الدولة، واحترام حقوق الأفراد في التجمع والتعبير عن آرائهم بحرية؟ أم ماذا يعني أن يقوم من يرعى وينفق ويستأجر هذه المجموعات المهمشة، مستغلاً في ذلك أوضاعاً تدفعهم وتجبرهم على الدخول في هذه التجربة «سواء كانت هذه الضغوط أمنية، أم دوافع اقتصادية»، فقد تكرر ذلك المشهد منذ بداية أحداث نقابة الصحفيين، التي كان سببها الرئيسي هو الداخلية بتصرفاتها غير القانونية، وقد سبق ذلك بأيام استخدام نفس النمط أمام محكمة عابدين في التعدي على المتضامنين مع المقبوض عليهم وذويهم وفي حضرة أمن المحكمة.

ولن أتطرق لدوافع قبول هؤلاء الأفراد للقيام بهذه الأدوار، وهي دوافع معروفة للكافة، ولكني أتساءل وبحق ماذا يعني لجوء الدولة بسلطتها إلى هذا الأسلوب في التعامل مع الأزمات التي تصنعها السلطة بنفسها بمثل هذا الأسلوب لقمع أصحاب الحق في القضية الأساسية؟ وماذا يعني مقابلة الرأي والفكر بالسب والضرب؟ وماذا يعني محاولة منع الصحفيين من الدخول إلى مقر نقابتهم لحضور جمعيتهم العمومية؟

ومن زاوية مختلفة: أليس ما تم بالأمس يمثل جريمة البلطجة بأركانها؟ وعلى الرغم من تحفظاتي القانونية والدستورية على هذا القانون؟ فهل تمارس السلطة سواء بالفعل المادي أو بالمشاركة التجريمية أفعال مما جرمها قانون العقوبات المصري ضد مواطنيها؟ ألا يجب في دولة القانون أن يتم تقديم كل من ساهم في إحضار هؤلاء الأفراد، وشارك في تجمعهم وحمايتهم وهم يقومون بعمل غير قانوني ومجرم أن يتم تقديمهم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم في هذه الأفعال؟

أيها السادة القائمون على سلطة الأمن في مصر انتبهوا إلى ما تفعلون، فلن يحقق أسلوبكم هذا أمناً يرتجى، أو يهدد أصحاب حق في التخلي عن قضيتهم خشية هؤلاء المأجورون، واعلموا أن حقوق الأفراد وحرياتهم التي هي من أهم دعائم دولة القانون والتي أوجب عليكم مفترضات وظائفكم الحفاظ عليها، لن تنتهي بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة، وغير الهادفة إلا إلى إحداث فوضى في الشارع، واعلموا جيداً إلى أن من يسعى إلى تحقيق واحترام حقه وحريته، إنما يسعى لإرساء مبادئ العدالة في المجتمع، ويهدف إلى صون حقوق وحريات الآخرين.

قد كان الأحرى بكم في الأمس أن تحافظوا على انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين بهدوء، وهو أمر لو كان قد تم، لهون من ردود الفعل على الحدث الأساسي المتمثل في اقتحام النقابة، ولفتح الباب إلى سبل من المصالحة المجتمعية، ولكنكم قد زدتم الطين بلة بهذه الأساليب المهينة لمقام الدولة، ولسلطاتها. وهذا ما ظهر واضحاً في النتائج أو المستخلصات التي انتهى إليها اجتماع الجمعية العمومية بالأمس، فزادت الخصومات السياسية، وزادت حالة الاحتقان العام، ومن ناحية أخرى زاد التضامن مع نقابة الصحفيين سواء من الأفراد أو من النقابات الأخرى.

فهنيئا لنقابة الصحفيين كم هذا التضامن والنجاح في اليوم العالمي للصحافة من النقابات المهنية والعمالية، وهنيئا لكم كم هذه الفضائح على المستويين الدولي والمحلي.

قام بكتابة هذا المقال طارق عبد العال المحامي بالنقض، عبر موقع المصري اليوم بتاريخ 5 مايو 2016