عودة عمال التراحيل للعمل في صناعة الموت

28 يناير 2015

خلال مؤتمر لعمال شركات المقاولات الذين يعملون بشركات الأسمنت بنزلة عليان مركز الصف يوم الجمعة 16-1-2015، كان هذا جزء من الحديث الدائر.

"36 سنة باشتغل في شركات الأسمنت، أخويا اتحرق، وأحمد اتحرق، مافيا المقاولين ناس بتركب عربيات وبتبني فِلل، على حسابنا، إحنا وقود السيجارة اللي بيشربها المقاول، ويدوس عليها بعد كده"، هكذا تحدث أحد عمال الأسمنت من قرية نزلة عليان، مركز الصف، محافظة الجيزة.

ويكمل عامل آخر "نزلة عليان بتورَّد عمال لـ 9 مصانع أسمنت، إحنا أحسن رجالة تطلع إنتاج على مستوى الجمهورية، وفي الآخر ما فيش فلوس، ما فيش علاج، ما فيش أتوبيس.. ولو ربطنا الشغل علشان نطالب بحقوقنا، المجتمع كله يقول علينا بلطجية، عاوزين نعيش، ناكل ونشرب ونربي عيالنا، زعلنا هيكون أكثر مما أي حد يتصور".

هذا وقد بدأ عمال الأسمنت الذين يعملون مع مقاولي الأنفار الذين يوردونهم للعمل في شركات الأسمنت يتجرعون ذكرى أهاليهم وأصدقائهم وزملائهم في العمل الذين قتلوا في حوادث في العمل أو أثناء الذهاب إليه أو أصيبوا ولا يجدون من يدفع لهم ثمن الدواء، ولا لعائلاتهم ما يقتاتون به. فتذكروا "محمد صبحي من النزلة، اتجوز وما لحقشي يشوف المولود اللي جاله، وما فيش معاش لمراته وابنه. محمد عرفة من العرب عنده 25 سنة وعاجز بيمشي بالعصاية ونايم في البيت والمقاول مش راضي يديه إجازة".

ويكمل عامل آخر: "سعيد محروس عنده غضروف، وأحمد محمد عبد الحليم، من نزلة عليان كان بيشتغل في أسمنت العامرية، المقاول من عرب أبو طماع (ماسك شركة العامرية والعربية)، انفجرت أنبوبة البوتاجاز فيهم وهما في السكن ( قاعد في الشقة 2 غرفة 12 عامل) في شهر رمضان عام 2013، المقاول راح معاه المستشفي ساعة الحادثة، ولما خرج من المستشفي بنسبة عجز 75% في دراعه (ذراعه مثنية لا يستطيع فردها) هذا بخلاف حروق في الكثير من الأماكن منها الظهر والصدر والرقبة، محتاج عملية إثر إصابة العمل هذه تحتاج 25 ألف جنيه، والمقاول لم يرض أن يدفع له قيمة العملية ولا العلاج، عندما طالبه أخوه رامي وأخوه الثاني (اللذان كانا يعملان لدى نفس المقاول منذ 4 و10 سنوات) بحق العلاج لأحمد، قال لهم: أحمد ما لوش علاج عندي، أنا دفعت 8 آلاف جنيه بسببه، ثم قام المقاول بطردهما من العمل. ما أضطر أحمد الذي يحتاج للعلاج والراحة للهروب من أسرته بالقرية والذهاب للمصنع بالإسكندرية للعمل وهو بهذه الحالة، حتي يستطيع أن يجد العلاج لحروقه!".

ويستكمل العمال حكايات زملائهم فيقولون: "أحمد أبو ضباش من القومية اتعور من السير في الشركة، قعد يتعالج في المستشفي شهرين وبعدين مات، المقاول لم يدفع جنيه في علاجه. وناصر من القطامية، عمل حادثة وحصل له كسر في القفص الصدري، وانفتحت دماغه، ولم يدفع له المقاول (فريد معاذ) شيء. وكمان لينا زميل عنده مشكلة في عينه محتاج عملية، باع ذهب مراته والفلوس ما كفتشي، وسّط ناس علشان المقاول يرضى يسلفه 1000 جنيه، وبيتخصم كل شهر 250 جنيه من أجره، راح للدكتور رفض أن يعطيه إجازة أكثر من أسبوع".

"عم أحمد 20 سنة في الشغلانة، ولما وصل الستين، قالوا له سنك القانوني جه.. إحنا ما نقدرش نشغلك، راح التأمينات لم يجد مؤمن عليه سوى لمدة 3 سنوات فقط، وقالوا له في التأمينات ما لكش معاش".

وتحدث عامل عن وضعه فقال: "أنا باشتغل في طره للأسمنت: يوم 2-10-2007 وأنا راجع من الشغل حصلتلي حادثة اتقطع دراعي، قعدت 4 سنين في البيت من غير شغل ومن غير أي دخل، وأنا متجوز ومعايا 3 عيال، بعد الثورة زمايلي قالوا لي تعالي هتشتغل تبع الـ 5% في الجامع بتاع الشركة، ورُحت وقدمت الورق، وفي الآخر خدوا 3 منهم 2 محسوبية وأنا لسه زي ما أنا".

بعد كل هذه الحوادث التي تسببت في الوفاة للعديد من العمال ممن ذكرناهم وغيرهم، والإصابات التي تؤدي في الكثير من الأحيان للعاهات المستديمة، كان لا بد من النظر إلي شروط السلامة والصحة المهنية.

تحدث عمال العامرية للأسمنت عن عملهم في التعبئة والتغليف على السكة الحديد، حيث يكونون وسط غبار الأسمنت بدون أي وسائل للسلامة والصحة المهنية، وهم لا يستطيعون رفض العمل في هذه البيئة المميته. وقد تحدثوا عن زملاء لهم في العشرينات من عمرهم يعيشون بالبخاخات لما أصيبوا به من أمراض صدرية بسبب تعرضهم الدائم لهذا الغبار، فقال أحدهم: "الريس بيقول لك خش سكة حديد، لو رفضت يبقي ما فيش شغل، بيتقال نفذ الأمر، هو إحنا ميري؟!".

ويكمل: "المهندس لما بييجي لنا بيبقي بينا وبينه 50 متر ولابس كمامة من العفرة، وأنا اللي في وسط الغبار مش لابس حاجة. لو واحد زميلي اتعور، يقول لي ما تخشش له العيادة، ما فيش إسعاف تنقله، حتى التأمين اللي مأمنينه علينا من الفئة الثالثة يعني دواك شريطين برشام وروح، ما بيتناسبشي خالص مع مخاطر الشغل بتاعنا".

"العامل فينا يتعور.. يتعالج علي حسابه، يطلب من الشركة.. تقول له أنا ماليش دعوة بيك أنت مش تبعي، انتم تبع المقاول، نروح للمقاول يقول أجيب لكم منين!، أنا صرفت عليك وأنت في المستشفي من جيبي. اللي بيتعور بيطلع بره المصنع، والتأمين ما يقبلوش غير بجواب من المصنع، ولما يروح للمصنع علشان يجيب الجواب، المصنع يقول مش تبعي، مش بس كده دول كمان عاوزين يلبسوا العامل المصاب الغلط، فيتقال له أنت اللي غلطان أنت اللي عورت نفسك، إزاي ما تلبسشي الجوانتي (رغم أن الوسائل بتبقى مش متوفرة لنا)".

وعن الأمراض المهنية يتحدثون: "ناس كثير عندها أمراض في صدرها، وناس ثانية عندها غضروف. زميلنا مش قادر يمشي وجاي الشغل يقف علي السير علشان مش عارف يأكل ولاده، اللي مش قادر يقف ده المفروض يشيل الشيكارة 50 كيلوا، زميلنا اللي بيتعب وما يقدرش يشتغل إحنا اللي بنشيل شغله، فييجي المقاول ما يديلوش أجر عن الأيام اللي كان تعبان فيها، في حين أنه بياخد أجره من الشركة لأننا عملنا شغله، نقول له فين حق زميلنا يقول ده حق الشغل، طيب إحنا اللي اشتغلنا الشغل ده يبقي حقنا إحنا".

وعن العمل في مصنع القطامية، تحدث العمال عن الحمامات غير الصالحة للاستخدام، وعن المياه التي تم تحليلها فوجدوها رجع مواتير، كما ذكروا، وأضافوا: "العامل اللي تبع الشركة بياخد ميه معدنية وأنا بشرب من الميه اللي لا تصلح لاستخدام البني أدمين، المقاول لما بييجي المصنع بيخاف على نفسه بيقف بره وينده لنا".

وعن ظروف العمل تحدث عمال المقاول، عن أنهم يعملون لمدة 12 ساعة طول الأسبوعين اللي في الشغل مقابل 7 أيام إجازة يقضونها في قريتهم، وإذا حدث لأي عامل أي ظرف اضطر لعدم الذهاب للعمل، يتم خصم أجر هذا اليوم، حتى لو كان مريضاً أو توفي له قريب من الدرجة الأولى، هذا بخلاف عدم وجود إجازة أسبوعية مدفوعة الأجر لا الجمعة ولا أي يوم آخر.

وبالنسبة للأجور، على الرغم من الإعلان عن أن أجر العامل شهريًا هو 1200 جنيه ، إلا أن المقاول يتفنن دائما في الخصم من العامل، حتى أن أحدهم قال: "عمري ما أخدت أجر أكثر من 600 جنيه في الشهر".

وتحدث أحد العمال فقال: "زي ما أنتو عارفين يا جماعة الدنيا غلا، الغاز والميه والكهرباء كل حاجة غليت، 1200 جنيه في الوضع ده يعملوا إيه. كل واحد من العمال متجوز وعنده 3 عيال، 1200 أو حتى 1500 يعملوا له إيه؟".

وعن التعسف ضدهم قال أحد العمال: "في مصنع القطامية لما واحد بييجي يتكلم ويطالب بأي حق بيرفعوا الكارتة بتاعته، دا معناه أنه يقعد ما يشتغلش، وتيجي ترجع ترجع نصف نفر، يعني تشتغل وقت كامل وتاخد أجر نصف نفر 600 جنيه في الشهر. المقاول بيديني يومية 48 جنيه، بياخد كام بقى هو من الشركة؟".

وتحدث العمال عن أن كل الناس لها يوم إجازة حتى الحلاقين، إلا هم، فليس من حقهم يوم إجازة أسبوعي مدفوع الأجر، وأكمل أحدهم: "لا تأمين ولا قبض ولا علاج، ومع ده كله الواحد بيدوس على نفسه وبيجري حتى لو تعبان علشان لقمة العيش".

وعن استغلال المقاولين للعمال في كل شيء، حتى في ما يدفعونه لهم للتأمين عليهم قال أحد العمال: "أنا بشتغل في الشركة من سنة 2001، 14 سنة شغل في أسمنت حلوان، قالوا لي أقعد معاش، ألاقي معاشي 170 جنيه في الشهر؟ ودا لأنه بيأمن علىّ بالحد الأدنى للتأمين الـ 200 جنيه"، ويكمل: "وبعد ما قالوا هنعمل وثيقة تأمين بـ 50 ألف جنيه علشان العامل لما يتصاب أو يعجز ما شفناش حاجة، حتى الـ 7% الزيادة كل سنة ما بنشفهاش، لما الثورة قامت وقالوا "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" اتفائلنا وبعدين ما شفناش حاجة بل بالعكس أوضاعنا أسوأ من الأول".

ترى أين أجهزة الدولة المختلفة من هؤلاء العمال الذين يعاملون وكأنهم عبيد لدى شركات الأسمنت التي تكسب من وراء عرقهم ودمهم المليارات وترفض حتى أن تعطيهم ما يعيشون به، ثم ترمي بهم في الشارع عند الإصابة أو الموت وكأنهم ليسوا بني آدمين ولهم حقوق. هل نحن في وطن أم في غابة يأكل فيها رجال الأعمال وأصحاب المصانع ومن خلفهم مقاولي الأنفار العمال لحماً ويرمونهم بلا رحمة؟

اعتقد أن مطلب العمال بإلغاء الوسيط فيما بينهم وبين شركات الأسمنت، وأن تكون علاقة عملهم مباشرة مع شركات الأسمنت طالما أنها تحتاجهم في العمل، ويعملون بها وتحت إداراتها لسنوات طوال مطلب عادل، فهل من مجيب؟

تم نشر هذا المقال عبر موقع مدي مصر بتاريخ 16 يناير 2015