هل يحتاج المصريون لبرلمان ثانٍ؟

20 أكتوبر 2016

إن المهمة الحقيقية لأى مجلس نيابى أو تمثيلى هى أن يراقب الحكومة، ويعمل على ضبطها وتوجيهها، وأن يسلط الضوء كذلك على أعمالها وتصرفاتها، ليطلع عليها الجمهور، وأن يضطرها على تقديم تفسير كامل عن أعمال وتصرفات أعضائها المشكوك فيها، ومبررات قيامهم بها. هكذا قال جون ستيوارت ميل فى كتابه تأملات الحكومة النيابية.
حيث بدأ منذ أيام قليلة انعقاد الفصل التشريعى الثانى للبرلمان المصرى، والذى لم يقدم أوراق اعتماده للشعب المصرى طوال الدورة التشريعية الأولى، بانحيازه التام للسلطة التنفيذية (الحكومة)، إذ على الرغم من قلة القوانين التى تقدم بها أعضاء مجلس النواب بالمقارنة بالقوانين التى تقدمت بها الحكومة، وهذا صميم عمل البرلمان، كما أن الوجه الآخر لعمله وهو الرقابة على أعمال السلطة، لم يخرج عن كنف ما تريده الحكومة من البرلمانيين، هذا بخلاف عدم تفعيل البرلمانيين أنفسهم للأدوات الدستورية المخولة لهم مثل المناقشة، وطرح الموضوعات، والاستجواب، وما إلى ذلك من أدوات.
وإذ إن الدستور المصرى الأخير قد قام بمسايرة دستور سنة 2012، مخالفين فى ذلك دستور مصر فيما قبل ثورة يناير سنة 2011، وهو ما يسمى بدستور مصر الدائم لسنة 1971، وذلك بالاكتفاء بمجلس تشريعى واحد، وهو مجلس النواب، وقد كان الدستور المصرى لسنة 1971 ينص على وجود مجلسين تشريعيين، هما: مجلس الشعب، ومجلس الشورى. وعلى الرغم من الصلاحيات القليلة التى كانت ممنوحة لمجلس الشورى، والذى كان يمثل الغرفة التشريعية الثانية، إلا أن أهم ما كان له من صلاحيات هو عرض القوانين المكملة للدستور عليه قبل نفاذها. وقد جاءت حجج المبررين لوجود مجلس واحد أو غرفة تشريعية واحدة، هو تقليص النفقات، والسرعة فى سن التشريعات، والهروب من التعارض بين عمل المجلسين، على الرغم من إمكانية معالجة ذلك دستوريا.
لكن ومن الناحية الفقهية، وحيث يسود الفقه الدستورى غلبة نظام الغرفتين التشريعيتين، على نظام المجلس الواحد، وأهم ما يقال فى هذا النظام إنه يعالج أو يقلل من الأخطاء التشريعية للمجلس الواحد، وكذلك يقلل من فرص سيطرة الحكومات على أعمال البرلمان ذى الغرفة الواحدة، وأنه يؤدى إلى ضمانة أخرى للتشريع فى صدوره فى صورة أكثر دقة، كما أن نظام المجلسين يمنع من استبداد البرلمان الواحد فى مواجهة باقى السلطات، كما أنه من زاوية أخرى فإن وجود المجلسين أو الغرفتين يُصعب من السيطرة الحكومية عليهما، فى حالة التدخل من قبل السلطة التنفيذية، سواء كان ذلك من زاوية حقها الدستورى بالتقدم بالمقترحات التشريعية، أو من ناحية أولية بالتدخلات السافرة فى الانتخابات، وتشكيل التكتلات البرلمانية الموالية للحكومة.
***
وقد أخذت العديد من بلدان العالم بنظام المجلسين التشريعيين بناء على أفضليته العملية، ضمانا لحسن سير السلطات، وعملا على تقديم خدمات حقيقية للمواطنين، سواء كانت متمثلة فى جودة التشريعات وتطابقها مع احتياجات الأفراد ودقة مناقشتها، أو فى إعمال رقابة حقيقية على الحكومة فى ممارسة أعمالها، ومن أهم البلدان التى تسير على هذا النهج الولايات المتحدة الأمريكية، والبرازيل، ومن البلدان العربية دولة المغرب العربى.

وعلى الرغم من اختلاف ظروف هذه البلدان عن الظروف التى تمر بها الدولة المصرية، ولكن أرى أن نظام المجلسين التشريعيين سيكون مناسبا أكثر لواقع مجتمعى نعيشه داخل مصر، ففى ظل سيطرة حكومية تامة على مجلس النواب الحالى، وانشغال معظم البرلمانيين بالحصول على تأشيرات وزراء الحكومة، وخروج معظم القوانين من داخل ملعب السلطة التنفيذية، والضعف الشديد الذى أصاب دور البرلمان الرقابى، وخصوصا فى مجال المال العام، وقضايا الفساد التى زكمت الأنوف، وباتت سمة مميزة لهروب المال العام، وإفقار أكثر لجموع الشعب، وتزايد حجم الديون والقروض التى وافق عليها البرلمان المصرى، بعد أن أبرمتها الحكومة. أرى أن ما يناسب الواقع المصرى هو العودة إلى نظام المجلس ذى الغرفتين التشريعيتين، ولكن ليس كما كان الحال عليه إبان فترة وجود مجلس الشورى، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق استحقاقات دستورية حقيقية لكلا المجلسين، وألا يمثل أيهما عبئا على الآخر، أو يكون المجلس الثانى مجرد مجلس تشريفى، كما هو الحال فى مجلس الأعيان الأردنى، بل يجب أن نستقى من التجربة الدستورية البرازيلية فى تفصيلاتها لكيفية تشكيل وانتخاب المجلسين، والصلاحيات الممنوحة لكل واحد منهما، وحالات اشتراط موافقتهما مجتمعين أو انعقادهما المشترك. ليس هذا الاقتراح لمجرد الترف أو السرد الفقهى التنظيرى، ولكنه اقتراح أو طرح مبنى على ما قدمته التجربة المصرية لمجلس النواب ذى الغرفة الواحدة، والذى لم يفعل شيئا يتناسب مع القيمة الحقيقية لوجود البرلمانات فى مختلف الدول، ولم يقدم عمليا ما يتناسب واحتياجات الواقع أو المرحلة التى يمر بها المجتمع المصرى.

تم نشر هذا المقال عبر منصة الشروق الإلكترونية بتاريخ 12 أكتوبر 2016