صناعة القانون فى مصر بين سلطتين«2»

16 أغسطس 2016

تعرضنا فى المقال السابق للتاريخ الدستورى لمشاركة ــ بل استحواذ ــ السلطة التنفيذية على مقدرات السلطة التنفيذية، وقد وقفنا عند إقرار البرلمان لما صدر من قرارات بقوانين صدرت قبل تشكيل البرلمان، دونما روية للمناقشة كإعمال حقيقى لنص المادة 156 من الدستور المصرى لسنة 2014، والذى اشترط المناقشة لهذه القرارات بقوانين، ولكن فى الحقيقة لم يستغرق أمر العرض فى الجلسة العامة للبرلمان المصرى دقائق، بالمخالفة الصريحة لهذا المبدأ الدستورى. حيث إن ما صدر من قرارات بقوانين لم يرق إلى مرتبة المراجعة الحقيقية سواء كان من حيث الشكل «الضرورة والاستعجال» أو من حيث المواصفات الموضوعية المتطلبة فى التشريعات حتى يتم تطهيرها من مظنة مخالفة الدستور من جميع المناحى الموضوعية، حتى يصبح ذلك التشريع بعد مراجعته صالحا ليسود المجتمع لفترة من الفترات، ولا يقع تحت مظنة مخالفة القواعد الدستورية.

ولم يقف الأمر عند حدود هذه المخالفة فقط، بل إنه حين التدقيق فى الأمر نجد أن هناك مخالفة أكثر وضوحا تصيب هذه القرارات بقوانين فى مقتل، أرى أنها تعود بها إلى مرتبة القرارات الإدارية فقط، وتجردا من مرتبة القانون على الرغم من موافقة البرلمان الشكلية عليها، وتكمن هذه المخالفة الجسيمة فى عدم نشر موافقة البرلمان على هذه القرارات بقوانين بعد موافقته عليها.

يلزم من البدء أن نؤكد على ضرورة، بل وحتمية نشر القوانين ويدعم ذلك القول القاعدة القانونية التى تقرر «عدم الاعتذار بالجهل بالقوانين» ومؤدى هذا المبدأ أنه لا يقبل من أى شخص أيا كان الاحتجاج لجهله بحكم القاعدة القانونية، حيث تمر القاعدة القانونية بعدة مراحل حتى تصبح ملزمة للكافة وحتى تطبق على جميع الأفراد المخاطبين بها، وتعتبر آخر مرحلة هى نشر القانون فى الجريدة الرسمية، وبمجرد تمام إجراءات نشر القانون لا يجوز الاعتذار بالجهل بالقانون. ومن هنا فقد خالفت كل التشريعات الصادرة بقرار بقانون من رئيس الدولة كل القواعد المقررة لنشر القوانين، وتحديدا بعد عرضها على البرلمان المصرى، حيث كان الأمر يقتضى أن يتم نشر موافقة البرلمان على هذه القرارات بقوانين وفقا للقواعد الدستورية المقررة لنشر القوانين، وهذا ما حددته المادة 225 من الدستور المصرى لسنة 2014.

ولما كان نشر القوانين هو المرحلة الأخيرة التى تمر بها صناعة التشريع فيصبح بعدها نافذا وواجب التطبيق على جميع الأشخاص الذين تتناولهم أحكامه. ولكنه لا ينفذ من حيث المبدأ إلا بعد إعلانه للناس ويكون ذلك بنشره فى الجريدة الرسمية، ولا يغنى عن النشر فى الجريدة الرسمية أى وسيلة أخرى من وسائل الإعلام، كالنشر فى الصحف العادية أو الإذاعة أو التلفزيون. ولا يغنى أيضا عن النشر فى الجريدة الرسمية العلم الشخصى بالتشريع فإن كان التشريع لم ينشر بعد فإنه لا يطبق حتى على الأشخاص الذين يعلمون علما أكيدا بوجوده.

فبماذا نسمى عدم نشر موافقة البرلمان على ما صدر من قرارات بقوانين فى غيابه؟ وإن كان النشر هو العملية المتممة والأخيرة من مراحل صناعة التشريع وفقا للمبادئ الدستورية، حتى وإن كانت هذه المرحلة مرتبطة بمرحلة سابقة عليها وهى ما تسمى بمرحلة الإصدار وهو من الاختصاصات الأصيلة للسلطة التنفيذية متمثلة فى رئيس الجمهورية، وهو ما جاء النص عليه فى المادة 123 من الدستور الحالى، بقولها: «لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين والاعتراض عليها».

فهل يعد الشعب المصرى مخاطبا بأحكام تشريعات لم تراع السلطات الاشتراطات الدستورية اللازمة حيال صناعتها؟ وبصياغة أخرى هل هذه التشريعات توافرت حيالها الاشتراطات الدستورية اللازمة لنفاذها؟ وذلك بتخلف شرط نشرها بعد إقرارها من البرلمان.

وأرى بعد عرض ومناقشة الأمر من الزاوية الدستورية فقط أن هذه القرارات بقوانين قد صارت اقرب ما تكون إلى قرارات إدارية فقط، ولم ترتق إلى مصاف التشريعات أو القوانين، وذلك بتخلف شرط نشرها من قبل السلطات المختصة بذلك الملزمة دستوريا، ولن يصلح ذلك نشرها من جديد بعد مرور كل هذه الأشهر على عدم النشر، ومن ثم يجب على السلطة التشريعية مجابهة الأمر والوقوف أمام مقدراتها الدستورية بشكل حقيقى يتناسب مع قيمة هذه المؤسسة التشريعية والرجوع إلى نصوص الدستور المصرى، وبالتالى اعادة مناقشة كل هذه القرارات بقوانين من جديد.


تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ  14 أغسطس 2016