"النظام العام" في خدمة "الفزع الأخلاقي": هل تحمي الدولة المختلفين من الأغلبية عبر قمعهم؟

24 أغسطس 2015

مقتطفات من ندوة "الدولة تعلمنا الأدب: الدين والأخلاق والنظام العام بعد 30 يونيو" التي نظمها "منتدى الدين والحريات" في 18 أغسطس 2015.

إعداد: إسلام بركات

تقديم من عمرو عزت:

ــ في أوقات الصراعات اﻻجتماعية والسياسية يثور دائما جدل حول حدود اﻻنضباط الذي تفرضه الدولة للحفاظ على الحد الأدنى من شروط انضباط الجماعة الإنسانية وسير شئونها في مقابل مساحات الحريات ومساحة التغيير.

ــ بعد 30 يونيو أصبحت الفكرة العامة أن "الدولة تعلمنا الأدب" عنوانا لكثير من التقارير التي ترصد محاولة الدولة في مصر إحداث نوع من اﻻنضباط في المجال العام فيما يتجاوز العدوان على الحريات العامة والسياسية لكن أيضا في مجال الدين واﻷخلاق، يبدو وكأن الدولة ترى أن هذا الوقت يتطلب أن تحدد فيه بكثافة وإلحاح للمواطنين أن هناك طريقة معينة للتدين أو للسلوك الشخصي ينبغوا أن يلتزموا حدودها وإلا تضمن ذلك إخلالا بالنظام العام.

ــ فيما يخص مجال الدين، قمنا بتنظيم عدة ندوات في "منتدى الدين والحريات" حول توجهات الدولة في المجال الديني و كان آخرها ندوة "اﻹسلام كما تريده الدولة"، اليوم نركز أكثر على ما يخص اﻷخلاق بدعوى الحفاظ على اﻵداب العامة والحياء العام.

- فريق "الحريات المدنية" في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" تابع واشتبك مع العديد من القضايا التي ثارت خلالها نقاشات حول حدود الآداب العامة والحياء العام والنظام العام وكيف يتم تناول هذه المفاهيم في إطار قانوني في ملاحقات ومحاكمات تخص المثليين أو المتحولين جنسيا أو بعض الفنانات.

وقدم لنا عمرو عبد الرحمن، مدير وحدة الحريات المدنية، عرضا نظريا وتاريخيا عن مفهوم "النظام العام"، وقدمت لنا داليا عبد الحميد، مسئولة ملف النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، عرضا لحالات ووقائع تجسد ما تعتبره إثارة للفزع الأخلاقي في المجتمع.

عمرو عبد الرحمن:

ــ شهد العام الماضي حملة منظمة للحد من الحريات الشخصية والحريات العامة في أمور لم تكن على أولوية جدول أعمال اﻷجهزة اﻷمنية والقضائية خلال العقد اﻷخير، فشهدنا حملة منظمة هي اﻷكبر في التاريخ على المثليين الجنسيين تضمنت تعقب في اﻷماكن العامة واﻷماكن الخاصة. صحب هذه الحملة حملة إعلامية وصلت للقبض على أكثر من 20 شخصا فيما يعرف بقضية "حمام باب البحر" مع وجود إعلامية ترافق الشرطة وقت اقتحامها للحمام.

ــ العام الماضي شهد أيضا ملاحقات متعددة ضد المواطنين المنتمين للمذهب الشيعي كما شهد حملة على مواطنين مسيحيين وتم القبض على عدد منهم بتهمة التبشير، منهم على سبيل المثال راعي كنيسة، على الرغم من عدم وجود تهمة تمنع المواطن المسيحي، من الدعوة لدينهم وتم توجيه تهمة ازدراء الأديان للمواطنين الشيعة وبعض المسيحيين.

ــ أغلب المعالجات الصحفية واﻷكاديمية التي حاولت إيجاد تفسيرات لتصاعد هذه الحملات نتج عنها تفسيرين.

التفسير اﻷول: المنافسة اﻷيديولوجية بين النظام الحالي واﻹخوان المسلمين، فالنظام يحاول أن يظهر بمظهر أنه ليس بأقل إسلامية من نظام الأخوان المسلمين، وذلك على حساب قضايا الحريات الشخصية والحريات العامة.

التفسير الثاني: التوجهات المحافظة سواء في اﻷجهزة اﻷمنية أو القضائية على وجه الخصوص.

وأحيانا يتم دمج التفسيرين كمحاولة للتفسير.

ــ أرى أن التفسيرين قاصران لأنهما لا يشرحان العمق التاريخي للمسألة، لماذا أجدهم قاصرين؟

ﻷن النظام حينما يريد أن يضيق على الحريات الشخصية يجد مادة في قانون العقوبات مثل المادة 98و وهذه موجودة في القانون المصري منذ أكثر من ثلاثين عاما، النظام حينما يريد التضييق على ممارسة الشعائر الدينية لطوائف غير معترف بها مثل البهائيين نجده يستند على قرار جمهوري بإغلاق المحفل البهائي سنة 1960.

ــ لذلك أجد أن السؤال الذي يجب طرحه هو كيف يحدث ذلك وليس لماذا يحدث ذلك؟

وكمحاولة للإجابة على هذا السؤال نحتاج لمقاربة تاريخية. ولو أجرينا هذه المقاربة التاريخية سنجد مفهومين مفتاحيين هما: النظام العام، واﻵداب العامة.

ــ ما هو النظام العام؟

ظهر النظام العام ﻷول مرة في الكتابات القانونية في نهاية القرن السادس عشر مع صلح ويستفاليا الذي حسم قضية السيادة على الرعايا وجعلها للدولة القومية الحديثة بدلا من الكنيسة أو الأباطرة، وظهر المصطلح كأحد موضوعات القانون الدولي الخاص في جعل السيادة للدولة القومية على رعاياها والمقيمين فيها وهي سيادة تمنعهم من ممارسات معينة باسم النظام العام.

ــ استمر مصطلح "النظام العام" يظهر في كتابات القانون الدولي الخاص إلى أن دخل للقانون المدني مع أول قانون مدني مكتوب عام 1804 تحت سلطة نابليون بونابارت.

ــ التطور التالي الذي لحق بمفهوم النظام العام هو انتقاله من دائرة القانون المدني لدائرة القانون العام، من دائرة المعاملات بين اﻷفراد لدائرة المعاملات بين اﻷفراد والدولة في المجال العام، فنجد بداية ظهور مصطلح "جريمة النظام العام" والذي يعني أن يرتكب أحد اﻷفراد فعل في المجال العام يجرح أو يهدد أو يخل بأحد اﻷعراف والثوابت المستقرة التي تشكل كلها النظام العام للدولة.

ــ التطور الذي حدث بعد ذلك كان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهذا تطور هام ﻷنه أثر على الفقهاء القانونيين المصريين، هذا التطور يتمثل في ظهور المدرسة القانونية اﻻجتماعية الفرنسية والتي بدأت تتعامل مع مفهوم النظام العام كأفق وليس كقيد، منهم لامبارت الذي كان أستاذ الفقيه القانوني المصري عبد الرازق السنهوري. لامبارت تعامل مع مفهوم النظام العام كأفق يسمح للدولة إنها تتدخل بإجراءات العدالة اﻻجتماعية بمعنى إنها تتدخل لتضييق الفوارق بين الطبقات وتوزيع الدخول لكي لا نكون في وضع يخل بالنظام العام.

ــ مع هذه التطورات التي مر بها مفهوم النظام العام نجد أربعة ملامح ثابته لهذا المفهوم:

الملمح اﻷول: السيادة المطلقة للدولة القومية على رعاياها وهذا المفهوم ليس دينيا، بالعكس هذا المفهوم ظهر بعد هزيمة الكنيسة، هذا المفهوم ظهر كتعبير عن انتصار الدولة على الكنيسة، هذا المفهوم ظهر كتعبير عن سيطرة الدولة على شئون الدين وليس العكس.

الملمح الثاني: مفهوم يعبر عن علمنة الدين، بمعنى تحويل الدين لشأن خاص، وسوف نجد هنا شيء يتقدم بالتوازي وهو كلما تقدمت الدولة على صعيد حماية الحرية الفردية كلما تقدمت على صعيد تجريم جرائم متعلقة بالنظام العام وكأن الدين يتم تحويله لشأن خاص ثم يظهر بعد ذلك في المجال العام كشأن خاص جدير بالحماية من قبل الدولة وليس كسلطة عليا تخضع لها الدولة، وبالتالي حين تريد الدولة وضع قيد على إهانة المعتقدات فهي لا تقدم تنازل أمام سلطة الدين، والدليل على ذلك أن الدولة توفر له حماية كشأن خاص في المجال العام.

الملمح الثالث: هو تعبير عن سعي الدولة للتدخل في الحياة الشخصية للأفراد، كمحاولة للسيطرة على رغباتهم غير المنظمة، وكبحها في سبيل بناء فرد رشيد عاقل قادر على ممارسة حرياته، وبالتالي كلما توسعت الدولة في قدرتها على التدخل في حياة اﻷفراد  كلما ظهرت فكرة النظام العام واضحة ومتبلورة.

الملمح الرابع: يقدم مفهوم النظام العام للدولة أساسا للتدخل في مجال السياسات اﻻقتصادية والاجتماعية.

ــ سوف نجد في مصر الملامح الأربعة لمفهوم النظام العام موجودين في تاريخ التشريع والقضاء المصري مع إنشاء القضاء المختلط عام 1875 والقضاء اﻷهلي عام 1883.

ــ مع إقرار أول دستور مصري سنة 1923 سوف نجده يتحدث عن السيادة المطلقة للدولة على رعاياها وأن حقوق وحريات المواطنين لا تمس ومع هذا تم وضع قيد النظام العام، في المادة 13  المتعلقة بحرية التنظيم سوف نجد أن حرية التنظيم متاحة في ضوء النظام العام واﻵداب العامة والعادات المرعية في الديار المصرية، وأيضا سوف نجد في اﻷعمال التحضيرية للدستور عندما ذهبت لتعريف النظام العام قالت أن اﻷديان السماوية الثلاثة هي أحد مكونات النظام العام التي ينبغي حمايتها بمقتضى الحماية المتوفرة للدين في المجتمعات الحديثة وبالمناسبة سوف نجد أن أحكام المحكمة الدستورية العليا اعتمدت على هذه اﻷعمال التحضيرية ويتجلى ذلك في الحكم الشهير سنة 1975 بغلق المحافل البهائية.

ــ سوف نتناول مثلا: قضية "الردة" في في التراث اﻹسلامي، التحول للقانون الحديث في مصر لا يعني أن فكرة الردة اختفت، بل العكس فكرة الردة أعيد تدويرها عبر أحكام القضاء المدني والشرعي، وظل سؤال: "هل يعتد بوصية المرتد في الميراث؟"، المحاكم المدنية في ثلاثينات القرن الماضي أفتت بأنه لا يمكن اﻻعتداد بوصية المرتد ﻷن هذا مخالف للنظام العام، لماذا؟ ﻷن القاضي اعتبر أن الردة تعتبر إخلال بالمعتقدات الدينية التي سوف يورثها لابنه وبالتالي لا يمكن أن يعتد القاضي بوصية المرتد.

في اﻷربعينات، كررت المحاكم الشرعية كررت نفس الفكرة مرة ثانية فيما يتعلق بوصية المرتد وقالت أن الردة هنا جريمة نظام عام ففي تفسير ذلك قالت أنه لو تم فتح هذا الباب سوف يتم السماح للناس أنها تتجرأ على الدين وتغيره وهذا سوف يضع الدولة في موضع يجعلها مستحيل تمارس فيه اختصاصاتها ووظائفها حسب تقدير المحكمة.

ــ فكرة الردة أعيد طرحها مرة أخرى في أحكام القضاء اﻹداري عندما تأسس وكان يرأسه الفقيه القانوني عبدالرازق السنهوري وأفتى بعدم اﻻعتداد بوصية المرتد.

- ولو ذهبنا لمكون من مكونات الحريات الدينية وهو الحق في بناء دور العبادة سوف نجد أن هذا الحق ظل مقيدًا سواء بالخط الهمايوني أو شروط العزبي باشا، والقضاء المصري أقر الخط الهمايوني وشروط العزبي باشا بناء على قاعدة النظام العام، بالنظر إلى أنه لو تم السماح للمسيحيين في حقهم في بناء الكنائس بحرية سوف يؤجج ذلك مشاعر المسلمين ويسمح باﻻقتتال الطائفي وقد يسمح للمتطرفين من المسلمين باستغلال ذلك مما يترتب عليه اﻹخلال بالنظام العام.

ــ لو تحدثنا عن مسألة تقييد الحريات الجنسية سوف نجد أن الدعارة ظلت مقننة إلى سنة 1950 وحينما تم إلغاءها في هذا العام تم وضع قانون هو نفسه الذي أعيد استنساخه بعد ذلك فيما عرف باسم قانون 10 لسنة 1961 وتحدث عن ممارسات مثل المثلية الجنسية بين الرجال، أو الدعارة، بأنها ممارسات تخل بالنظام العام واﻵداب العامة للدولة بمعنى أنها تجرح مشاعر اﻷغلبية.

 الخلاصة أننا بصدد ميل محافظ ولكنه ميل محافظ يختلف عن الميل المحافظ للإسلاميين، الميل المحافظ للإسلاميين يسعى لإخضاع الدولة للدين، الميل المحافظ عند الدولة هو ابن الميل المحافظ لليبرالية الغربية.

ــ في رأيي أن الحل ليس بمزيد من العلمنة أو اللبرلة ولكن مقرطة عملية صياغة القانون وهذا مرتبط بقدرتنا على التفكير في الحياة ما بعد الدولة أو ما بعد نمط الدولة القومية وقدرتنا أيضا في التفكير في الحياة ما بعد عصر السيادة المطلقة للدولة.

داليا عبدالحميد:

ــ في مداخلتي سوف أحاول التركيز على المؤسسات التي تعتبر أدوات الدولة في ممارساتها التي تدعي الحفاظ على النظام العام: الشرطة و القضاء والإعلام والمؤسسات الدينية.

ــ يوجد مصطلح في علم الاجتماع يطلق عليه ظاهرة "الفزع اﻻخلاقي"، وهذه الظاهرة تستخدمها الدولة تثيرها ضد مجموعة مختلفة على أنهم تهديد لقيم المجتمع، ويتم في ظل هذا الفزع اﻷخلاقي إنتاج خطابات نمطية عن المجموعات موضوع الفزع وهذا عادة يحدث أوقات الركود أو الاضطرابات أو الحكومات اﻻنتقالية، هذا التعريف ينطبق إلى حد كبير مع النهج التي تعاملت به الدولة مع المثليين والمتحولين جنسيا فيما بعد 30 يونيو

ــ سوف نجد أن الشرطة والقضاء لعبوا دور في خلق هذه الحالة فيما بعد 30 يونيو، حيث تم القبض على أكثر من 200 شخص وفق قانون الدعارة 10 لسنة 1961.

ــ إذا تتبعنا أداء الشرطة سنجد أن إساءة استخدام القانون هو ملمح أساسي في حالات التتبع والملاحقات اﻷمنية، اﻷخطر من ذلك أنها تخلق قضايا ليست موجودة وتظهر نفسها بمظهر المحافظ على اﻷخلاق فهي ترتكب جريمة التحريض والاستدراج عبر خلق حسابات وهمية على مواقع المواعدة التي تخص المثليين ثم تقوم باستدراجهم والاتفاق معهم ثم تقوم بالقبض على من تتفق معه وتوجه إليه التهم.

ـ غير اﻻستدراج وتلفيق التهم تقوم الشرطة بتسخير اﻹعلام لخلق حالة استعداء من خلال السماح لبعض وسائل اﻹعلام بالتصوير ونشر تفاصيل عن المثليين ونجد أيضا عناوين من عينة "سقوط أكبر شبكة للشواذ"، "المتهم صوّر نفسه بقمصان النوم"، على سبيل المثال.

ــ هذا التعاون اﻷمني واﻹعلامي بلغ ذروته في قضية "حمام باب البحر" والذي قامت فيه الشرطة بخلق مسرحية لحدث القبض على 26 رجلا داخل حمام شعبي واصطحبت معها المذيعة منى العراقي، وتم نشر صور للمتهمين حال القبض عليهم في انتهاك للقانون، وكان نتيجة ذلك أنه دفع شابا لمحاولة الانتحار لعدم قدرته على التعامل مع الفضيحة التي حدثت له.

ــ كنموذج لتلفيق المحاضر، يمكنني أن أقرأ لكم فقرة من محضر قضية "حمام باب البحر" تقول: "توجهت نحو باب غرفة المغطس وقمت بدفعه، وبمجرد الدخول وجدت حالة من الفجور الجماعي بين العديد من الرجال الشواذ عراة اﻷجساد تماما يمارسون الجنس الجماعي سواء جنس باﻹيلاج من الخلف وكذا جنس فموي فيما بينهم في مشهد تقشعر له اﻷبدان وعلى الفور قمت بضبط هؤلاء الرجال الشواذ حال قيامهم بممارسة الفجور وفي ذلك قمت بضبط فلان وفلان المسئول عن المغطس والبخار كما تم ضبط فلان الفلاني الذي كان يمارس الفجور عن طريق اﻹيلاج من الخلف مع فلان الفلاني وتم ضبط المتهم فلان حال قيامه بايلاج عضو تذكيره في فتحة فرج المتهم فلان". ومن المفترض أن القائم بالاقتحام شاهد ذلك كله اثناء الاقتحام، وهو ما دفع القاضي بالحكم بالبراءة لعدم اطمئنانه للمحضر.

ــ بلغ اﻷمر ذروته مع اعطاء الشرطة حق ترحيل المثليين اﻻجانب بعد حكم اصدرته محكمة القضاء اﻹداري في عام 2014 يعطي للشرطة الحق في ترحيل اﻷجانب إذا كان وجودهم يهدد اﻷخلاق العامة، هذا الحكم أعطى للداخلية الحق في أن تكون فوق القانون.

ــ من المسئولين عن اثارة الفزع اﻷخلاقي أيضا المؤسسات الدينية وذلك كجزء من المنافسة مع اﻹسلاميين على من يمثل اﻹسلام الصحيح وكان لوزير اﻷوقاف العام الماضي تصريح دال على اثارة هذا الفزع قال فيه "إننا نؤكد أن مصر تواجه تحديات خطيرة في الداخل والخارج، هذا يحملنا جميعا مسئولية كبيرة تجاه ديننا ووطننا وقيمنا الحضارية الأصلية الرافضة للشذوذ والشواذ، والانحراف والمنحرفين والخارجين على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده الراسخة، ومروجي الخلاعة والمجون والفجور تحت أي مسمى كان، تشمئز له النفوس الصافية، ويبرأ كل وطني صادق يدرك حجم التحديات التي نعيشها من أن يقع فيه، فلنصحح جميعًا أوضاعنا قبل فوات الأوان".

 

في النهاية الدولة لا تنجح طوال الوقت في خلق حالة الهلع وفي بعض اﻷحيان تفشل في ذلك فمع اتساع وسائل الاعلام ووجود وسائل التواصل الاجتماعي نجد أنه في قضية حمام باب البحر تم الهجوم بضراوة على منى العراقي التي قامت بتصوير المتهمين هناك ولم تنجح الدولة في خلق حالة الفزع، على العكس مثلا مما حدث في قضية كوين بوت في سنة 2001، الدولة وقتها نجحت في خلق حالة فزع ضد المتهمين في هذه القضية، أما في قضية "حمام باب البحر" فكانت هناك وقفة شديدة ضد منى العراقي وكان منطلق الكثير منهم حق مثل الحق في الخصوصية.

 

المداخلات

ــ سؤال من أحد الحاضرين لعمرو عبدالرحمن: أرجو أن توضح أكثر رأيك في الرؤية المحافظة للنظام العام في السياق المصري وما وجه اختلافها عن رؤية اﻹسلاميين؟

ــ في مداخلتي حاولت التمييز بين الميل المحافظ داخل أجهزة الدولة وحاولت وضعه في سياقه التاريخي وبين الميل المحافظ القادم من اﻹسلاميين، قد تكون النتيجة النهائية واحدة ولكن المنطلقات مختلفة، هناك رؤية سيادة الدولة على الدين وهي الموجودة في مصر، ورؤية يحاول الاسلاميين إحياءها وهي الدولة الخاضعة لسلطة الدين.

ــ نقطة أخرى أريد توضيحها هناك ابتزاز طوال الوقت من اﻹسلاميين على المؤسسة الدينية المتمثلة في اﻷزهر ليقوم بدور سلطوي تجاه الحريات وفي أوقات كثيرة ينجح هذا اﻻبتزاز وأبرز مثال على ذلك قضية إسلام البحيري، لكي نفهم فكرة المزايدة هناك مقولة رائعة للفيلسوف الفرنسي برازياك قالها سنة 1936 وقت خضوع فرنسا للإحتلال اﻷلماني قال "أنسب طريقة لمواجهة معاداة السامية هو أن تتبنى الحكومة الفرنسية طبعة معتدلة من معاداة السامية"، هذه المقولة تعبر عن الجدل بين الدولة واﻹسلاميين، وهذا ما نجده في ما تقوم به الدولة متمثلة في أجهزة الشرطة والقضاء وهو لكي اقطع الطريق على اﻹسلاميين اقوم باضطهاد اﻻقباط والبهائيين والمثليين وغيرهم.

 

سؤال: هل من الممكن أن يكون هناك مفهوم ديناميكي للقانون؟

عمرو عبدالرحمن: كل تراث الحركة الحقوقية بما فيها المصرية هو نضال حول هذه الفكرة، كيف يمكن مقرطة القانون، المقرطة نعني بها أن تتحول السيادة الشعبية من كونها حق مكفول في الدستور لممارسة يومية، وجزء من ممارسة السيادة الشعبية هو إقرار حق اﻷقلية الدينية في ممارسة شعائرها الدينية.

ــ نجد أيضا أن مقرطة فكرة النظام العام مرت بمرحلة من النضال ففي التعليقات على المواد 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نجد أن التعليقات تتحدث عن حق كل فرد في اعتقاد ما شاء من أفكار أو التعبير عنها في حدود النظام العام واﻵداب العامة، وهذا مفهوم لأنه ابن زمنه فقد صدر عام 1966 ويعكس الميراث القانوني للدول الموقعة على العهد، ولكنه صدر أكثر من الثلاثين تعليقا لتفسير هاتين لمادتين إلى أن وصل للتعليق اﻷخير وهو أن النظام العام هو مجمل معتقدات المجتمع، وليس فقط الأغلبية أو ما هو سائد.

ــ سؤال لداليا عبدالحميد من عمرو عزت:

هل الفزع اﻷخلاقي الذي أشرت اليه في مداخلتك فعل عمدي من السلطة وهي تقصد إثارة الفزع عند المجتمع أم أنها جزء من حالة فزع أخلاقي اجتماعي تثور دائما في الأوقات المضطربة سياسيا؟

ــ داليا عبدالحميد: أرى أنه من الصعب اثارة حالة الفزع اﻷخلاقي ضد شيء ما إذا لم يكن عند الناس قناعات تدينها، وأن الدولة مثلا في انتهاكاتها ضد المثليين تعتمد على حالة العداء المجتمعي ضد المثليين، والتبرير المجتمعي لما يحدث لهم حتى ولو لم يكن هناك تبرير قانوني.

سؤال موجه لداليا عبدالحميد: ما هو تفسيرك لأفعال الشرطة مع المثليين والمتحولين جنسيا؟

داليا عبدالحميد:

ــ هناك عدة اجابات لهذا السؤال منها، سيناريو اﻹلهاء، وهو إلهاء الناس عن قضايا اقتصادية واجتماعية ملحة وهذا السيناريو تبناه ابراهيم منصور، رئيس تحرير جريدة التحرير، في تعليقه على التكثيف اﻹعلامي في تغطيته للقضية. هناك سيناريو آخر وهو رغبة شرطة اﻵداب إثبات عودتها بقوة.

ــ عمرو عزت:

في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" لا تقتصر محاولاتنا في هذا الصدد، توسيع حدود الحريات وضبط مفاهيم النظام العام والآداب العامة في حدود ديمقراطية، على هذه الندوة ولكن فريق "الحريات المدنية" يحاولون فعل ذلك عبر التدخل القانوني والرصد ودعم الضحايا والمتعرضين لانتهاكات، وندعوكم للتفاعل مع هذا النشاط بمتابعته والتعليق عليه ودعمه وإثارة النقاش حوله.