المطالبة بحرية المواطنين في أن يكونوا غير مؤمنين هو الرد المناسب على "حملة الدولة ضد الملحدين"

31 مارس 2015

أصحاب مبادرات ملحدين ولا دينيين في "منتدى الدين والحريات": إعلاننا عن أفكارنا أحدث صدمة المجتمع في حاجة إليها لكي يتوقف عن إنكار وجودنا وحقوقنا

“ من يقف ضد حريتنا في أن نكون مواطنين غير مؤمنين؟" كان عنوان النقاش المفتوح الذي نظمه "منتدى الدين والحريات" الثلاثاء 24 مارس 2015 في مقر "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" واستضاف أصحاب مبادرات من الملحدين واللادينين. وهنا مقتطفات من النقاش.

أدار الحوار عمرو عزت، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنسق المنتدى :

على مدار ما يقرب من 3 سنوات هي عمر "منتدى الدين والحريات" تعرض المنتدى للعديد من القضايا المختلفة المتعلقة بما يخص الشأن الدين وتقاطعه مع قضايا الحريات والحقوق والديمقراطية. بدأنا في سبتمبر 2012 بندوة عن الأزهر وعلاقته بالدولة، كان معظم ضيوفها علماء أزاهرة ممثلين عن مشيخة الأزهر وكان منهم وزير الأوقاف الحالي. قد يبدو أن هناك تفاوت كبير بين طبيعة أول ندوة وطبيعة الندوة الحالة التي نحاور فيها أصحاب مبادرات تعبر عن مجموعات لادينيين وملحدين. ولكن الحقيقة أن بينهم اتصال كبير.

في الندوة الأولى تحدثنا عن ضرورة أن يستقل الأزهر عن الدولة ولكن أيضا تستقل الدولة عنه ويستقل المجتمع وعموم المسلمين عن التمثيل الحصري الرسمي له لأن ذلك يتعارض مع حرية التعدد والتنوع الديني بين عموم المواطنين وبين المسلمين أيضا ويجعل الدولة ممثلة لعموم المسلمين ووصية على حقوق الآخرين التي يتم قبولها أو رفضها بحسب ما يقبله أو يرفضه المسلمون. وهذا له علاقة وثيقة بندوتنا اليوم. فالدولة تتعامل مع غير المؤمنين باعتبارهم خطر على "المجتمع المسلم" وليس باعتبارهم مواطنين يتمتعون بحرية الاعتقاد. فالدولة لا تزال ترى المواطنين يتشكلون من أغلبية مسلمة تتماهى مع مفهوم الشعب فيما يخص التعامل السمي مع الشئون الدينية، الأوقاف والأزهر هيئات رسمية وجزء من الدولة، وطوائف أخرى تابعة تنتظر التصريح والترخيص لنشاطها الديني من الدولة وتسامح المسلمين مع هذا النشاط.

اليوم نريد أن نتجاوز مجرد صد الهجوم والتحريض الذي تشنه جهات في الدولة على غير المؤمنين باعتبارهم خطر مساوي للإرهاب – بحسب تصريحات وزير الأوقاف – ويتبع جهات غربية تريد تهديد الاستقرار – بحسب تصريحات شيخ الأزهر، لنبدأ من نقطة مختلفة تسأل الدولة والمجتمع: لماذا تقفون ضد حرية بعض المواطنين في أن يكونوا غير مؤمنين وبأي حق؟

ونفتح الحوار مع أصحاب مبادرات قطعوا بعض الخطوات في هذا الطريق بالبدء في إعلان وجودهم ومعتقداتهم بكل شجاعة.

حضر اللقاء :

أحمد حرقان: المدوّن ومؤسس قناة "العقل الحر" الإلكترونية،

إسلام إبراهيم: مؤسس صفحة إشهار الإلحاد،

هاني الميهي: مؤسس صفحة "مصريون بدون ديانة"،

إسماعيل محمد: المدوّن ومنتج برنامج "البط الأسود".

 

إسلام إبراهيم : الهدف من إنشاء صفحة إشهار الإلحاد هو نشر أسماء وصور وأعمار من يودون إعلان إلحادهم من أجل التأكيد على أن الملحدين ليسوا فقط "ظاهرة فيسبوكية" وإنما مواطنين موجودين في المجتمع ولدى بعضهم شجاعة الظهور بشخصياتهم الحقيقية للناس. وصلنا ل 450 ملحد عربي قام بإعلان هويته على الصفحة، ولكن تعرضنا لتهديدات كثرة وتم إغلاف صفحتنا أكثر من مرة بسبب حملات إبلاغ عنها، وبعض من قام بإشهار إلحاه تعرضوا للأذى والمضايقات وأحيانا اعتداءات في الشارع وفي أقسام الشرطة وهناك من تمت إحالته للمحاكمة بسبب ذلك، وهو كريم البنا الذي تم الحكم عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان بعد أن تعرض للضرب والاعتداء عليه في مدينته إدكو.

عمرو عزت: بسبب ما يمكن أن نسميه موجة إشهار وإعلان عدم الإيمان حدثت صدمة لبعض الناس وهذه الصدمة كانت وراء ردود فعل رسمية وشعبية بعضها عنيف، ومن أكثر من أحدثوا بظهورهم صدمة هو أحمد حرقان، الذي ظهر في برامج جماهيرية وقام بإعلان إلحاده بل وانتقاد الإسلام انتقادات حادة. وهذه الصدمة سببت له الكثير من المتاعب وبلاغات اتهام والطرد من السكن والمطاردة. وعندما نصحت حرقان بتجنب الظهور الجماهيري لفترة لأن السجن بتهمة ازدراء الأديان أصبح مسارا مكررا لكل صاحب اعتقاد مختلف يريد التعبير عنه، فرد بأن هذه الصدمة ضرورية للمجتمع ولكن هل كان أثرها إيجابيا على حالة حقوق المواطنين غير المؤمنين؟

أحمد حرقان : الصدمة أثرها إيجابي جدا رغم كل شيء وهى ضرورية جدا. لو لم نقم نحن بما قمنا به فإننا كلنا سنستمر في دفع الثمن. لكن لو أن كل الملحدين واللادينيين جاهروا باعتقادهم لن تستطيع السلطة استهدافهم كلهم ومعاملتهم كأقلية غير مرغوب فيها. لو أن كل واحد كان أكثر شجاعة في التعبير عن اعتقاده وحقوقه سيكون الحال أحسن.

إسماعيل أحمد : أبدأ حديثي بقراءة إحدى الرسائل التي تصلني يوميا تصلني من مختلف الدول بسبب برنامج "البط الأسود" الذي أقوم فيه بحوارات مع ناس من أطياف دينية متنوعة مغضوب عليها وأنشرها على يوتيوب. الرسالة تقول: "أنا حاولت أكلمك من حساب وهمى قبل ذلك ولم ترد علي، أنا ملحد منذ سنوات وطبعا لا أستطيع الإعلان عن ذلك، أصبحت أقل اجتماعية واختلاطا بالناس بسبب ذلك، حاول تعمل حلقة تجمع من يعتنقون نفس الأفكار من أجل أن يظهروا ويعبروا عن رأيهم". انتهت الرسالة.

أنا أيضا لما بدأت أبتعد من الفكر الديني كنت أبحث عن أشخاص مثلي يحملون نفس أفكاري. ثم قررت أن أواجه التعتيم الإعلامي الذي يرفض سماع أصواتنا، فقررت أن أقدم خدمة لغيرى من الملحدين ليحكوا قصصهم، في الصعيد مثلا قصص كثيرة كلها للأسف درامية، لازم صوت الناس يطلع ويتكلموا في ظل صمت العديد من المثقفين والسياسيين عن الدفاع عن حرية التعبير,

بدأت باستفاضة بالعديد من الملحدين خارج مصر مثل ألبير صابر وعلياء المهدى، كانت هناك مشكلة في استضافة من هم في مصر بسبب الخوف، ولكن بعد أن حصلت على ثقة أناس كثيرين بدأت في استضافة آخرين يقيمون في مصر مثل إسلام إبراهيم. التجربة استفدت منها أنا أيضا. لما بدأت الحوار كنت دائما محمل بوجهه نظر وكنت دائما أحاول فرضها على الضيف، مع الوقت كثير من أفكاري تغيرت واكتسبت معرفة برؤى وأفكار مختلفة. وفي المجمل كانت تجربة "البط الأسود" جزء من حالة كسر حاجز الخوف. وبعدها أعمل الآن مع أحمد حرقان لتأسيس قناة "العقل الحر" الإلكترونية.

عمرو عزت : يغلب على التجمعات المعبرة عن ملحدين ولادينيين اهتمامها بالجدل الديني والفلسفي والعلمي المنصب على تفنيد العقائد والرد على الأديان، ولكن لا يزال هناك غياب لتجمعات لهم ذات هم حقوقي يركز على مطالبهم ومواجهة الانتهاكات التي يتعرضون لها. ولكن من القلائل الذين بدءوا خطوات في هذا الاتجاه هو هاني الميهي، مؤسس صفحة "مصريون بدون ديانة"، الذي أصر لوقت طويل في التوجه للسجل المدني لتغيير محتوى خانة الدين من "مسلم" إلى "لاديني".

هاني الميهي: بدأت صفحة "مصريون بدون ديانة" في 2011، وهي صفحة مهتمة بأحوال اللادينين ووضعهم في مصر. اتجهت للتسجيل في السجل المدني والجهات الرسمية من أجل تغيير محتوى خانة الدين لمعتقدي الحقيقي. تعاملت مع 6 جهات حكومية وتحاورت مع عدد كبير من الموظفين كان أكثر تسامحا من يرمقني بنظرة احتقار وبعضهم أهانني وطردني. ولكن تمسكت بحقي وتقدمت بطلب رسمي وانتظرت ردا رسميا مكتوبا، وجاءني رد بأنه يجب أن أختار ديانة من الإسلام والمسيحية واليهودية فقط. وهذا مخالف للدستور. هل من حق الدولة أن تجبرني على ديانة معينة؟ هل حرية الاعتقاد المطلقة في الدستور تعني أن أي مواطن ليس مسلما أو مسيحيا أو يهوديا لا وجود له؟

أقلية تطلب الاعتراف أم أفراد ذوو حقوق؟

مداخلة : ألا ترون أن ما أطلق علية الإلحاد أو اللادينية هي قالب جديد مثل الأديان؟ ألا ترون أنه من الأفضل الخروج من كل القوالب؟

مداخلة: في خلال حديثكم رصدت أكثر من مرة حديثكم عن الملحدين باعتبارهم أقلية أو طائفة، هل ترون معي أن الملحدين قد تحولوا فعلا إلى ما يشبه الطائفة أو الأقلية وأن ذلك شيء سلبي؟

أحمد حرقان : الإلحاد ليس ديانة وبالتالي لسنا متجمعين حول دين معين، نحن نطالب أصلا بحذف خانة الدين من البطاقة الشخصية، ولكن ظروف الملحدين المتشابهة وما يتعرضون له والتقارب الفكري هو ما يجمع بينهم.

إسلام إبراهيم: لسنا طائفة أو مجموعة مغلقة. مطالبنا هل مطلب كل إنسان يود أن يعيش بكرامة مهما كانت أفكاره.

عمرو عزت: طريقة الدولة في التعامل مع الشئون الدينية هي التي تعامل المواطنين كطوائف. تعامل المسلمين السنة باعتبارهم "الشعب" وتدير شئونه الدينية عبر هيئات رسمية هي جزء من الدولة: الأوقاف والأزهر والإفتاء، والمسلمين الأفراد والمجموعات خاصة من غير السنة لا حق لهم قانونا في ممارسة جماعية للإسلام بعيدا عن إدارة أو إشراف الدولة، والمسيحيون واليهود طوائف معترف بها ينتظرون سماح الدولة وتسامح المسلمين لممارسة شعائرهم وبناء دور عبادتهم، وأي مواطنين أصحاب عقائد مختلفة عن ذلك هم طوائف غير معترف بها، ولا وجود قانوني لاحترام حرية الاعتقاد باعتبارها حقا شخصيا للفرد. مثلا لكي يتزوج أي مصري لابد أن يكذب ويعقد عقد زواج ديني إسلامي أو مسيحي، وبغير ذلك لا يمكن له قانونا أن يتزوج.

مداخلة: في الحقيقة لا أتفهم موقف الإصرار على كتابة "لا ديني" في خانة الدين، هل نحن أمام مجموعات تريد إثبات تواجدها أم تريد تحقيق مواطنة وتريد إلغاء خانة الدين تماما من البطاقة الشخصية؟

أحمد حرقان: مطلبنا الأساسي هو إلغاء خانة الدين تماما من كل الأوراق.

هاني الميهي: في رأيي إلغائها من البطاقة الشخصية فقط واستمرار وجودها في أوراق أخرى لمن يحب.

أحمد حرقان : يجب إلغاء خانة الدين أيضا من شهادات الميلاد، ليس من حق احد أن يختار لطفل ديانة قبل أن يكبر ويختار.

عمرو عزت : هناك مطلب حقوقي قديم هو إلغاء خانة الدين من البطاقة، ولكن هذا المطلب ووجه برفض حاد ويتطلب قوة سياسية واجتماعية كبيرة لخوص المعركة، ولكن تظل المحاولات الحالية لإثبات المعتقد الصحيح للمواطن منطقية وذات جدوى في تقديري لأنه إذا أرادت الدولة وأراد المجتمع الإبقاء على خانة إثبات الديانة فعلى الأقل عليه أن يواجه صورة التعدد الديني وأن يقبل بوجود غير مؤمنين، كما أن إثبات معتقدهم سيترتب عليه فتح جدل آخر حول حقوقهم المدنية مثل الزواج غير الديني مثلا.

مداخلة: أنا أود أن اتعاطف مع الملحدين وأن ينالوا حقوقهم ولكن معظمهم يركزون على انتقاد الدين والمتدينين بألفاظ عنيفة وهذا يجعلني أبعد عن التعاطف معهم.

أحمد حرقان : أنا من حقي ان أعبر عن رأيي ولا أعيش ذليلا ومكسورا. حقي ألا أعيش كذابا وهذا رأيي في الدين وأفكاره ورموزه.

إسماعيل محمد: لا أدري كيف يتحدث الناس عن أسلوب بعض الملحدين بينما نحن مطاردون ويتم انتهاك حقوقنا والتحريض علينا. هل يمكن أن تساندوا حقنا في أن نتمتع بالمساواة أولا ثم لنتحدث عن أسلوب الكلام والألفاظ؟

إسلام إبراهيم: نحن لسنا طائفة أو تنظيم، لكل واحد أسلوبه، وما نطالب به أصلا هو أن يتم احترام حقوق كل الناس المؤمنين وغير المؤمنين. وكل الناس حرة في التعبير عن معتقدها.

 

مداخلة : ما هي أسباب تفاوت ما يحدث للملحدين. لماذا تم الحكم على ألبير صابر وكريم البنا مثلا بينما أحمد حرقان وإسماعيل محمد لم يتعرضوا لنفس المصير؟ هل هناك اختلافات بين تعامل الدولة مع حالات مختلفة من الملحدين؟

أحمد حرقان: تعرضت للاحتجاز والعرض على النيابة وهناك بلاغات ضدي وزملائي أيضا ضدهم بلاغات لكن لم يتم إحالتها للمحاكمة حتى الآن.

هاني الميهي: أنا تعرضت أكثر من مرة للاعتقال بسبب معتقدي. منذ التسعينات وحتى الآن.

عمرو عزت : الدولة ليس لها توجه وخطة لمطاردة الملحدين. لكن المشكلة أنها لا تقدم أي أساس لحماية حرية الاعتقاد وتترك كل أصحاب المعتقدات المختلفة عن "الأديان المعترف بها" خارج نطاق الحماية ومهددين دائما. هناك أجهزة في الدولة تمارس التحريض ونشر خطاب الكراهية وأجهزة أخرى تدعو للتمييز وتمارسه، وتترك للمجتمع مساحة واسعة لانتهاك غير المؤمنين، وأيضا لانتهاكات من قبل موظفي الدولة: الشرطة والنيابة والقضاء الذين يتصرفون غالبا بعيدا عن الدستور والقانون أو يستغلون تشريعات ازدراء الأديان لإحالتهم للمحاكمة. وفي معظم قضايا ازدراء الأديان كان الشرطة والنيابة والقضاء يتجاوبون مع درجة عدوان الناس وتعبيرهم عن غضبهم. ولذلك كل حالة تواجه عوامل مختلفة.

 

ما العمل؟

مداخلة: ما الجدوى من محاولة طلب حقوق غير المؤمنين بينما غالبية المجتمع نفسه ضد هذه الحقوق ومعظم المثقفين والسياسيين لا يودون خوض هذه المعركة لكي لا يخسروا الناس؟

إسماعيل محمد : أنا متفائل لأني كنت أعتقد أن منظمات حقوق الإنسان تكتفي بالبيانات. لكن هذه الندوة واهتمام "المبادرة المصرية" بالقضية يقول أن هناك تغيير. ورأيي أنه يجب أن يكون هناك دور للأحزاب وللمثقفين ويجب أن ندعوهم للمشاركة والتضامن من أجل حقوق الجميع.

هاني الميهي: محاولاتنا من أجل حقوقنا ضرورية. أنا أريد أن يكون من حقي الزواج بدون مشاكل وبدون ادعاء أني مسلم أو مسيحي، من حقي أن تكون هناك جمعيات تعبر عن توجهاتي، من حقي كامل حقوق المواطنة مهما كان رأيي. وتحركت من أجل تصحيح خانة الدين بسبب ذلك.

عمرو عزت : من أهم أهداف المنتدى فتح قضايا الحريات الدينية ودعوة المهتمين ليس للنقاش فقط ولكن للتطوع والمساعدة والمساندة ونحن في "المبادرة المصرية" نعمل من أجل حرية المعتقد منذ 2002 ونواصل ذلك بالتقارير والدراسات والدعم القانوني ودعوة الجميع أن يحاولوا الاشتباك مع قضايا الشأن الديني من منظور حرية الدين والمعتقد لأنه المنظور الذي يمكن أن يجمع المختلفين في الاعتقاد ولكن الراغبين في السير خطوات نحو العيش في مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس احترام وضمان الحقوق والحريات. ندعوكم لمتابعتنا والاشتراك معنا ودعمنا.

 

محمد مدحت

باحث متدرب