الباحث الحقوقي أشرف حسين لـ«السفير»: محاولات لإسكات كاشفي الانتهاكات

3 أبريل 2016

أشرف حسين مدير وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية في مركز «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» يتحدث الى «السفير» عن الهجوم الجديد على منظمات المجتمع المدني وعلاقته بجملة الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر.

لماذا تتحرك قضية تمويل المنظمات الحقوقية اليوم؟

القضية عمرها حوالي اربع او خمس سنوات منذ تم تحريك الشق المتعلق بالمنظمات الاجنبية منها في اواخر العام ٢٠١١. خلال هذه الفترة تمت شيطنة هذه المنظمات ومحاولة بناء رواية جديدة للثورة، وقد اصبحث الثورة بمقتضاها عملية استخباراتية قام بها عملاء أجانب تم تدريبهم وفقا لأجندة القوى الغربية في إطار ما يسمى بحروب الجيل الرابع.

ضغط هذا الخطاب الإعلامي وتنامى وتراجع وفقا لمعادلات وتوازنات القوى. المشكلة ان هذه الحملة الاعلامية بدأت تلاقي تصديقاً لدى من أطلقوها بالذات. هناك من تصور أن الحملة الدولية على مصر في ملفها الحقوقي يمكن محاصرتها إذا تم تكميم أفواه من يتحدثون عن الانتهاكات بديلا عن وقف الانتهاكات ذاتها. لقد قرروا أن يوقفوا الانتهاكات من «المنبع» بحصار المنظمات بدلا من محاولات الرد على الحملات. هم يتصورون انه إذا توقف الحديث عن الانتهاكات من قبل المنظمات فقد يقلل ذلك من حديث القوى الكبرى والرأي العام في البلدان الغربية عن سجل حقوق الانسان. قد يعترضون لفترة على إغلاق المنظمات ولكن لن يجدوا «مادة توثيقية» يستندون اليها إذا قرروا أن ينتقدوا السجل الحقوقي.

توازن القوى بين الخائفين من نتائج حصار المجتمع المدني والخائفين من المجتمع المدني ذاته سيحدد مستقبل ومدى الصدام مع المجتمع المدني.

كيف تم انتقاء المنظمات المتهمة في رأيك؟

الامر يشمل العديد من المنظمات، وأعتقد أن فكرة وجود منظمات لا تؤطر حركتها القوى الأمنية هي المحرك والدافع الرئيسي. بمن يبدأون ليست هي القضية. الأمر قد يكون مخططا أو اعتباطيا ولكن الاتجاه للحصار هو أمر واقع وبارز وظاهر.

ما طبيعة المخالفات الموجهة الى تلك المنظمات وما نتيجتها المحتملة؟

بحسب ما اشار كثيرون، فالدولة تخشى أنشطة المجتمع المدني من حيث المبدأ. هم ينطلقون من فكرة محورية، الدولة تراقِب (بكسر القاف) ولا تراقَب (بفتح القاف). في سبيل ذلك قد يستخدمون فكرة التمويل الأجنبي أو التسجيل في شكل قانوني مخالف لقانون الجمعيات (شركات مدنية أو شركات محاماة أو شركات اقتصادية هادفة للربح) أو قد يستخدمون حتى أسلحة بيروقراطية من نوع وجود برامج معلوماتية غير مرخصة او مشاكل ضريبية أو تأمينية أو قد يستخدمون حتى اتهامات جنائية بالتخابر أو العمالة... الخ.

المسؤولون يقولون أن في مصر عدد كبير من منظمات المجتمع المدني تعمل بحرية ومن دون قيد، وهذه المنظمات فقط ترتكب مخالفات فما ردكم؟

هم غالباً ما يستخدمون فكرة أن هناك اكثر من أربعين ألف جمعية لا تواجه مشاكل مع الأمن. الفكرة مردود عليها بأن المعيار ليس عدد الجمعيات التي لا تواجه مشاكل، بل المعيار هو وجود جمعيات مستقلة توثق انتهاكات الدولة يتم انتهاك حقها في اختيار التنظيم القانوني الذي يلائمها طالما لا تمارس العنف او تحرض عليه.

أما عن المخالفات فأي تنظيم قانوني لنشاط المجتمع المدني عليه أن يواجه المخالفات ولكن لم نسمع عن أن منظمة مجتمع مدني لديها مخالفة مالية أو إجرائية تعاقب بتهم قد تودي بسجن بعض اعضائها سجنا مؤبدا بناء على مواد مطاطة وغير محددة مثل الإضرار بالأمن القومي أو النظام العام.

لماذا لا تعلن تلك المنظات ميزانياتها ومصادر تمويلها بشفافية؟

هناك اتفاقيات دولية لمكافحة الارهاب وغسيل الأموال تلتزم بمقتضاها المصارف المركزية في كل دول العالم بمراقبة الأموال المحولة عبر الحدود. أموال التمويل الاجنبي تحول عبر مصارف خاضعة لرقابة المصرف المركزي. كل المنظمات تلتزم بنظام لمسك الدفاتر لأغراض ضريبية وتدفع اشتراكات تأمينية للعاملين بها. ليس صحيحا أن الدولة تكافح فقط التمويل الاجنبي، فالقوانين القائمة تكبح أيضا التمويل المحلي المستقل.

المنظمات الحقوقية متهمة دائما بالتشهير بالدولة المصرية والاستقواء بالخارج فما رأيكم؟

المنظمات الحقوقية عينها دائما على المواطن المصري وتكتب تقاريرها من أجله كجزء من الرقابة المجتمعية على العملية السياسية. تقارير المنظمات علنية يستطيع المواطن والرأي العام المحلي والدولي الاطلاع عليها. وجود رقابة دولية على تصرف الحكومات والأمم المتحدة اصبح حقيقة سياسية معترفا بها في العالم بناء على اتفاقات دولية وقعت عليها الحكومة المصرية. تستطيع الحكومة المصرية أن تختار الانسحاب من المنظمات الدولية التي تستلزم مشورة المجتمع المدني المحلي ورقابته. تستطيع أيضا الانسحاب من الامم المتحدة لو أرادت. طالما اختارت أن تكون جزءا من النظام الدولي، فيجب عليها أن تخضع لآلياته. من ضمن هذه الآليات وجود مجتمع مدني حر ومستقل يقوم برقابة الدولة وتوثيق الانتهاكات ونشرها وتقديم التوصيات من أجل تلافيها.

ما صلة الهجوم على المنظمات الحقوقية حاليا بمجمل الوضع السياسي؟

لقد استطاعت الدولة تدجين وحصار البرلمان. الدولة مستعدة وقادرة على تدجين العديد من الاحزاب السياسية. منظمات المجتمع المدني كمنظمات لا تسعى للمشاركة في السلطة او الانتخاب أو المناصب تثير قلق النظام الحاكم ليس في مصر وحدها بل في العديد من الدول. هناك شعور بأن المنظمات المدنية المستقلة عصية على التدجين قياسا بغيرها من المنظمات الحزبية أو غيرها. أيضا تتمتع هذه المنظمات بكوادر بحثية متفرغة ومتعلمة تعطيها قدرة على طرح البدائل والسياسات بصورة تقلق النظم الحاكمة.